محتويات
الجنابة والغسل
الجنابة في اللغة مأخوذةٌ من بُعد الشيء، فقال تعالى {والجار الجُنُب}[١]؛ أيّ أنه البعيد الذي ليس له بقرابة، وقيل أن سبب تسمية الجُنُب جُنُبًا هو أن الشخص مُجانب للطهارة والعبادة، وقيل كذلك لأنه جانب امرأته (أيّ خالطها)، وهو الصواب على أغلب الظن، وقيل لأن الملائكة تتجنب الشخص الجُنب وتبتعد عنه،[٢] أما في الاصطلاح فهو التجنّب للعبادات، وأن الملائكة تجتنب الجُنب وتبتعد عنه، قال صلى الله عليه وسلم: [ثلاثةٌ لا تقربُهم الملائكةُ: الجنبُ، والسكرانُ، والمتضمِّخُ بالخَلُوقِ][٣]، والجُنُب هو من الشخص المصاب بالجنابة من أحد موجباتها.
ويُعرّف الغُسل بأنه تعميم البدن بالماء الطاهر، وهو أمرٌ شرعه الله تعالى على وجه الوجوب، ويكون مستحبًا ومباحًا، قال تعالى في كتابه العزيز: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ}[٤]، وقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[٥]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ}[٦].[٧]وقد رُوِيَ عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: [كانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كما يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أصَابِعَهُ في المَاءِ، فيُخَلِّلُ بهَا أُصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ علَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غُرَفٍ بيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ المَاءَ علَى جِلْدِهِ كُلِّهِ][٨].[٧]
كيفية اغتسال الرجل من الجنابة
ينبغي التنويه بداية إلى أن كِلا الطريقتين المدرجتين أدناه مشروعتان وجائزتان، ولا يوجد اختلاف بين غسل الجنابة للرجل والمرأة بغض النظر عن السبب الموجب للغسل سواء من الجماع أو احتلام أو ما شابه، ويمكن تلخيص الطريقيتن فيما يلي:[٩]
- صفة الغسل المجزئ: وهو الغسل الذي يكتفي فيه المرء بالواجبات دون السنن والمستحبات، فينوي الطهارة ورفع الحدث الأكبر، ثم يعمم الماء على جميع أجزاء بدنه بأي طريقة سواء أكان واقفًا تحت ماء الاستحمام، أو نازلًا في ماء البحر أو حوض سباحة، مع ضرورة المضمضة والاستنشاق لضمان وصول الماء إلى الفم والأنف، وبالتالي تحقيق الأمر الإلهي في قوله جل وعلا: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}[١٠]، علمًا بأن مَن لم يأتِ بهذين الأمرين وهما المضمضة والاستنشاق في غسله من قبل لعدم العلم بحكمهمها أو اعتمادًا على قوْل من لا يوجب ذلك؛ فإن غسله صحيح وصلاته المبنية عليه صحيحة أيضًا فلا يلزمه إعادة، وعلة الأمر تكمن في قوة اختلاف العلماء بحكمي المضمضمة والاستنشاق على أربعة آراء، فالشافعي قال أنهما سنتان في الوضوء والغسل، والحنبلي قال أنهما واجبتان في الوضوء والغسل وشرطان لصحتهما، والحنفي قال أنهما واجبتان في الغسل دون الوضوء، وفي رواية عن أحمد بن حنبل وقد أيدهما المنذر تتلخص في أن الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل دون المضمضة.
- صفة الغسل الكامل: وهو الغسل الوارد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويمكن تلخيص خطواته على الترتيب في ما يلي:[١١]
- البدء بالنية الخالصة لله تعالى.
- التسمية بقول بسم الله الرحمن الرحيم، ثم غسل اليدين ثلاثًا، ثم غسل الفرج بالماء.
- الوضوء الكامل كما لو كان المسلم يتوضأ لآداء الصلاة.
- صب المُغتسل الماء على رأسه ثلاث مرات حتى يصل الماء إلى أصول الشعر.
- البدء بعد ذلك بشقه الأيمن من البدن ثم الأيسر، ويغسلهما بالماء مع التدليك حتى يصل الماء إلى جميع أنحاء الجسم.
- يستحب أن يستخدم المغتسل مواد التنظيف الخاصة عند غسل بدنه ورأسه لتكون النظافة أبلغ.
موجبات غسل الجنابة
تتلخص موجبات الغسل من الجنابة في ما يلي:[١٢]
- خروج المني بشهوة في اليقظة بسبب المداعبة أو ممارسة العادة السرية وهو ما يعرف بالاستنماء أو بسبب التفكير الجنسي أو مشاهدة الصور أو الأفلام الإباحية التي تثير الشهوة في النفس، وينبغي التنويه في هذا المقام إلى أن مسبب خروج المني لا يهم إذا كان حلالًا أو حرامًا، فهو موجب للغسل في كلّ الحالات.
- خروج المني بشهوة في المنام بسبب الاحتلام، وهو ما يمكن رؤيته بعد الاستيقاظ فماء الرجل غليظ وأبيض، وماء المرأة رقيق وأصفر، وأما من احتلم ولم يَرَ البلل فلا غسل عليه، وهذا ينطبق على نزول المني بغير شهوة أي نتيجة مرض أو برد فهو غير موجب للغسل.
- التقاء ختان الرجل والمرأة أو الجماع سواء في الدبر أو القبل، وذلك لما رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه قال: [إذا جَلَسَ بيْنَ شُعَبِها الأرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَها فقَدْ وجَبَ الغَسْلُ] [١٣]، والمراد بشعبها الأربع يداها ورجلاها أو رجلاها وفخذاها، ومعنى جهدها بلغ جهده في العمل بها وكدها بحركته، وتجدر الإشارة إلى اختلاف العلماء في وجوب الغسل إذا لم ينزل المني، فمنهم مَن قال لا يهم خروج المني أو عدمه، فالجماع موجب للغسل في جميع الأحوال، ومنهم مَن قال بل هو علة الغسل فمَن لم ينزل فلا غسل عليه، ولكن الغسل أحوَط؛ أي أنه مستحب من باب الاحتياط؛ لأن الاختلاف كبير بين الصحابة في هذه القضية، بل إن المختلفين من كبار الصحابة ومن فقهائهم وعلمائهم المعدودين.
شروط الماء المستخدم في الغسل
لكي تكون عملية الاغتسال من الجنابة صحيحةً تمامًا، يجب الانتباه إلى مراعاة الشروط الواجب توفرها في الماء لسلامة عملية الغسل، وهذه الشروط هي:[١٤]
- طهارة الماء: يجب أن يكون الماء المُراد الاغتسال به طاهرًا تمامًا ولم يختلط به شيء من النجاسات.
- إطلاق الماء: أيّ أن يكون الماء صافيًا وخالصًا تمامًا من أيّ إضافات أخرى قد تفسد إطلاقه؛ كالماء المختلط بالملح أو السكر، وغيرها من الإضافات.
- إباحة الماء: فيجب أن يكون ماء الاغتسال مباحًا.
حكم الاغتسال من الجنابة وحكمته
يُعد حكم الغسل من الجنابة في الإسلام فرضًا على كل مسلم، ويحرم على المسلم ترك غسل الجنابة لأي سبب من الأسباب؛ لأنه يُعد مبطلًا لأداء العبادات، ويبقى أثر النجاسة ملازمًا للمسلم ما لم يتطهر منه، فلا عذر لمن ترك الاغتسال من الجنابة لسبب من الأسباب، كالبرد القارص أو غيره من الأسباب، وإنما وقع عليه الاثم، وقد أوضح الله تعالى وجوب الغسل بعد الجنابة بقوله: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ}[١٥].[١٦]
ويُعد النوم على الجنابةِ أمرٌ مكروه، والسنة أن يتوضأ الشخص الجنب، وهو أقل القليل، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى أهله يغسل فرجه ويتوضأ ثم ينام عليه الصلاة والسلام، وربما اغتسل قبل ذلك، فإن الاغتسال أكمل، وإن نام واغتسل آخر الليل فلا بأس كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، أما المكروه في ذلك أن ينام دون وضوءٍ أو غسل، [اسْتَفْتَى عُمَرُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أيَنامُ أحَدُنا وهو جُنُبٌ؟ قالَ: نَعَمْ إذا تَوَضَّأَ][١٧].[١٨]
وقد فرض الله سبحانه وتعالى الغسل من الجنابة للعديد من الحكم، فيما يأتي بعضها:[١٩]
- طهارة الجسد والتخلص من النجاسات المُبطلة للعبادات.
- الاستعداد للقيام بالعبادات المختلفة.
- نشاط الجسم؛ فالاغتسال عمومًا يمنح الراحة والنشاط للجسد.
الغسل في رمضان
إنّ تأخير الغُسل من الجنابة أو من الحيض إلى ما بعد طلوع الفجر لا يؤثّرُ على صحة الصيام، وهذا ما أجمع عليه جمهور الفقهاء والعديد من العلماء مثل؛ الأوزاعي وإسحق وأبو عبيدة، وعدد من الصحابة مثل؛ علي بن أبي طالب، وأبي الدرداء، وابن عمر، وعائشة وأُم سلمة، ولا يختلف إن كان التأخير عمدًا أو سهوًا.
وفي انقطاع الحيض لدى النساء، ذكر الإمام مالك أنّ من رأت الطُهر قبل الفجر، يمكن لها أن تغتسل بعد الفجر، وصيامُها يعدُّ مجزئًا عنها، وذكر النووي أنّ أهل الأمصار أجمعوا على أنَّ صيام الجنب من احتلامٍ أو جماع صحيح، وكثيرًا ما يحصل أن ينقطع دم الحائض أو النفساء في الليل ويطلع الفجر قبل أن تغتسل المرأة، وصيامُها في هذه الحالة أيضًا صحيح وواجبٌ عليها إتمام الصيام، ومع ذلك لا يجوز تأخير الغُسُل إلى ما بعد طلوع الشمس لما فيه من تضييعٍ للصلاة.[٢٠]
أضرار تأخير الغسل
إنّ للاستحمام بعد المعاشرة الزوجيّة أهميّة عالية وفوائد كثيرة، ليس فقط من أجل التطهّر لأداء الصلوات المطلوبة وإنّما للعديد من الأسباب النفسيّة والصحيّة، وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا ينام بعد جنابةٍ قط، وقد اكتشف العلماء حديثًا وجود علاقة بين تأخير الاستحمام من الجنابة وآلام الظهر؛ إذ يوجد بين فقرات الظهر العظميّة سائل مغلف للغضروف، يحتاج إلى تدفق الدم في حالة الإجناب؛ فعدم الاغتسال والجلوس لفترة طويلة يجعل ذلك السائل يجف، مما يسبب ضغطًا على الفقرات، ويؤدي ذلك إلى الضعف المستمر، ممّا يُحدث آلامًا أسفل الظهر، وعلاج ذلك الوضوء أو الاستحمام؛ فالماء يُجدد الدورة الدمويّة، ويجعل الدم يتدفق لذلك السائل فيحافظ على سلامة الغضروف ولا يسبب ضغطًا على الفقرات.
ومن الجدير بالذكر أن الفوائد النفسية والصحية للاستحمام عديدة؛ فهو يُريح النفس ويساعد على الاسترخاء، ويجعل الإنسان أكثر قدرة على الإبداع والابتكار واستنباط الأفكار الجديدة، ومن المعلوم أن العلماء يفضّلون الاستحمام قبل الشروع بأعمالهم للوصول الى حالة من الاسترخاء والابتكار، والاستحمام بالماء الدافئ ينشط الدورة الدموية ويعالج آلام العضلات، والتهاب المفاصل ويخفف من الآلام ويطهّر الجلد من الفطريات والبكتيريا، أمّا الحمام الدافئ صباحًا فهو يُساعد على الإحماء ويقلل من الشعور بالتوتر والإجهاد.[٢١]
أحكام الجنابة
يترتب مجموعة من الاحكام الفقهية على الجنب، يمكن إجمالها فيما يأتي:[٢٢]
- ما يمنع على الجنب: وهي:
- ما اتفق عليه:
- آداء الصلاة سواء الفريضة أو النافلة، ولا تجزئه أيّ لا تقبل منه، فلا صلاة بغير طهور.
- الانغماس في الماء الراكد؛ لأن الاغتسال بالماء الذي لا يجري يجعله وسخًا وربما يكون سببًا في انتقال الأمراض من شخص إلى آخر.
- المكوث في المسجد، إلا عابري سبيل أيّ مرورًا دون مكوث؛ وذلك لأن المسجد هو بيت الله ومحل ذكره وعباده ومأوى ملائكته، فإذا مُنع آكل البصل من البقاء فيه، فالجنب أولى في المنع.
- مس القرآن الكريم، فكتاب الله جل وعلا لا يمسه إلا المطهرون، قال تعالى: {إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ}[٢٣].
- الطواف في البيت الحرام.
- ما اختلف فيه: وهي:[٢٤]
- فقد اختُلف في حكم قراءة القرآن الكريم للجنب على قولين، فالأول أنه حرام بإجماع المذاهب الفقهية الأربعة؛ الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنبلية، وهو الأرجح وبه قال أكثر أهل العلم، والثاني أنه جائز وبه قال المذهب الظاهر وبعض السلف؛ كالبخاري، والطبري، وابن المنذر والشوكاني مستندين على أن الرسول المصطفى عليه السلام كان يذكر ربه في كل وقت، والقرآن ذِكر، أي يدخل في عموم الحديث.
- مسّ كتب التفسير، وذلك عند أتباع المذهب الحنفية؛ لأن كتب التفسير تتضمن آيات قرآنية، فمَن مسّها يصبح ماساً للقرآن، وهو قول ابن عرفة من المالكية، وأما عند المذهب الشافعي فالعبرة بكثرة القرآن عن التفسير المكتوب معه، فإذا كان التفسير أكثر من الآيات القرآنية فلا يحرم والعكس صحيح، وأما المذهب المالكي والحنبلي فقد أجاز مسها؛ لأنه لا يطلق عليها اسم المصحف.
- كتابة القرآن الكريم، وهو مذهب المالكية ووجه عند الشافعية؛ لأن كتابة الحروف تجري مجرى القراءة، فلا يمكن للمرء ألا يقرأ ما يكتب.
- مس النقود المكتوب عليها آيات قرآنية وهو مذهب الحنفية ووجه عند الشافعية والحنابلة، فيما أجاز المالكية ذلك لما في الاحتراز من مشقة، ولأنه لا يقع عليها اسم مصحف.
- حمل المصحف الشريف إلا بالأمتعة أي بالحمل، أو في حال الضرورة لحمله خوفًا عليه من السرقة أو النجاسة أو ما شابه.
- ما اتفق عليه:
- ما يستحب للجنب: وهي الأمور التالية:
- الوضوء إذا أراد الوطء ثانية، أي معاودة جماع أهله.
- الوضوء إذا أراد تناول الطعام أو الشراب.
- حكم صيام الجنب: من المعروف أن الجماع في نهار رمضان محرم بالإجماع، ومباح خلال وقت الإفطار إلى طلوع الفجر، ومَن أدركه الفجر وهو جنب فعليه أن يسارع في الغسل خشية أن تفوته صلاة الفجر، وأن يكمل صيامه، استنادًا لما روته السيدة عائشة رضي الله عنه وأم سلمة رضي الله عنها قالت: [أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وهو جُنُبٌ مِن أهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، ويَصُومُ][٢٥].
وتجدر الإشارة إلى أنه قد يعتقد البعض أن جسمه وعرقه خلال فترة الجنابة نجس، إلا أنه ثبت بالإجماع على طهارته نقلًا عن النووي وابن تيمية وغيرهم، وذلك استنادًا لما رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، [أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقِيَهُ في بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ وهو جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ منه، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقالَ: أيْنَ كُنْتَ يا أبَا هُرَيْرَةَ قالَ: كُنْتُ جُنُبًا، فَكَرِهْتُ أنْ أُجَالِسَكَ وأَنَا علَى غيرِ طَهَارَةٍ، فَقالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، إنَّ المُسْلِمَ لا يَنْجُسُ][٢٦].
موجبات الغسل الأخرى
وفيما يأتي موجبات الغسل الأخرى عدا الغسل من الجنابة:[٢٧]
- إسلام الكافر: فإذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل؛ إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعض الذين أسلموا أن يغتسلوا، ويقول الكثير من أهل العلم أن اغتسال الكافر عند إسلامه مستحب وليس واجبًا؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر به لكل من دخل في الإسلام فيحمل الأمر على الاستحباب جمعًا بين الأدلة.
- الموت: يجب غسل الميت، إلا الشهيد في الحرب فإنه لا يغسل.
- الحيض والنفاس: فقد حاضت فاطمةُ بنتُ أبي حُبَيشٍ فسألتِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالت: [يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أستحاضُ فلا أطهُرُ أفأدَعُ الصَّلاةَ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّما ذلِكَ عِرقٌ وليسَتْ بالحيضةِ فإذا أقبلتِ الحيضةُ فدعي الصَّلاةَ وإذا أدبَرت فاغسِلي عنكِ أثَرَ الدَّمِ وتوضَّئي فإنَّما ذلكَ عِرقٌ وليست بالحيضةِ قيلَ لهُ فالغسلُ قالَ ذلكَ لا يشكُّ فيهِ أحدٌ][٢٨]، ولقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}[٢٩]، أي: يتطهرن بالغسل بعد انتهاء الحيض.
أوقات الغسل المستحبة
فيما يأتي الأغسال المستحبة في الطهارة:[٣٠]
- غسل الجمعة: يعد غسل الجمعة من أهم الأغسال المسنونة أو المستحبة، فهو سنة مؤكدة عند الجمهور، وذلك لما صح فيه من دعوة وترغيب، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: [لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، ويمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام: إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى][٣١].
- غسل العيدين: وهو كغسل الجمعة في الاستحباب، فقد جاء في يوم الجمعة حديث [إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين، فمن جاء الجمعة فليغتسل][٣٢]، فr] شبّه يوم الجمعة بيوم العيد، فدّل على أن يوم العيد الأصلي يُطلب فيه الاغتسال.
- الغسل كلّ سبعة أيام: يعد اغتسال المسلم مرة كل أسبوع على الأقل من الأغسال المستحبة بل المؤكدة، فإن كان الاغتسال لجنابة أو لحيض أو ليوم الجمعة، أغناه ذلك عن غسل آخر.
- بعد غسل الميت: استحب بعض العلماء الاغتسال بعد غسل الميت، إذ روى أبو هريرة:[مَن غسَّل ميِّتًا فليغتسِلْ ومَن حمَله فليتوضَّأْ] [٣٣]
- الغسل للإحرام: ذهب الجمهور إلى استحباب الغسل للإحرام، وقد رووا في ذلك حديثًا عن زيد بن ثابت [أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل][٣٤].
- الغسل لدخول مكة: لم يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام شيئًا في ذلك إلا ما جاء عن ابن عمر عند مسلم: [أنَّ ابْنَ عُمَرَ: كانَ لا يَقْدَمُ مَكَّةَ إلَّا بَاتَ بذِي طَوًى، حتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ نَهَارًا، وَيَذْكُرُ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أنَّهُ فَعَلَهُ]. [٣٥]
- الاغتسال عند تعدُّد جِماع الزوجة: روى أبو داود عن أبي رافعٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يومٍ على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، قال: قلت له: يا رسول الله، ألا تجعله غسلًا واحدًا؟ قال: [هذا أزكى وأطيبُ وأطهر][٣٦].
آداب الغسل
للغسل آداب إسلامية على المسلم أن يطبقها ويتعلمها ويتقيد بها، نذكر منها الآداب التالية:[٣٧]
- ذكر اسم الله تعالى عند خلع الثياب للغسل، وتستحب التسمية حتى للجنب أو الحائض دون أن يقصدا بها القرآن.
- ستر العورة؛ إذ إنه يحرم على المسلم أن يغتسل بوجود أحد وهو مكشوف العورة، كما يجب عدم كشف العورة لغير الحاجة؛ وذلك حياءً من الله تعالى، وإكرامًا للملائكة الحفظة الكاتبين، مع العلم بأن عورة الرجل على الرجل، والمرأة على المرأة، هي من السرة إلى الركبة.
- يفضل عدم الدخول إلى الحمام إلا بستر العوره بفوطة أو مئزر، والاحتفاظ بها أثناء الاستحمام وخاصة في الحمامات العامة.
- غض البصر عن العورة.
- الحرص على الخلوة والاختفاء عن الأنظار، وترك الاعتماد على مساعدة أحد في الاستحمام إلا في حال تعليم الوالدين لأولادهما الصغار، وقد كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخفي غسله فلا يدع أحدًا ينظر إليه وهو يغتسل، ويقول إن ذلك من الدين.
- عدم الكلام والحديث مع الآخرين، وتجنب الذكر الجهري وقراءة القرآن الكريم أثناء الاستحمام، ما عدا النية وأدعية الغسل، ويجب التزام الصمت والهدوء في صبّ الماء.
- تجنب تناول الطعام أو شرب الماء البارد خلال الاستحمام، كما ينصح بتجنب دخول الحمام بعد الطعام مباشرة، لأن ذلك يؤدي إلى عسر الهضم.
- التفكر والاعتبار وتذكر الموت والدار الآخرة عند نزع الثياب، والتعوّذ بالله من النار والحميم عند سكب الماء الساخن.
- عدم الإسراف وسكب الماء بلا حاجة؛ لأن ذلك من مكروهات الغسل، ولو كان يغترف من نهر جار، لأن الله تعالى لا يحب المسرفين.
مسائل متعلقة بالغسل
توجد العديد من الأمور المتعلقة بالغسل ومنها الآتي:[٣٨][٣٩]
- الغسل يغني عن الوضوء، لما روت عائشة رضي الله عنها أن الرسول عليه السلام كان لا يتوضأ بعد الغسل.
- إذا قفز شخص في بركة أو نهر فتبلل كامل جسده وكان قد نوى الاغتسال فغسله صحيح؛ لأن الواجب في الغسل النيّة ووصول الماء إلى كامل الجسم.
- يكفي غسل واحد لأكثر من نية؛ كأن يغتسل لرفع الجنابة صباح يوم الجمعة.
- يمكن للزوج والزوجة الاغتسال معًا من إناء واحد، لما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: [كنتُ أغتسلُ أنا ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من إناءٍ واحدٍ ونحنُ جُنبانِ][٤٠].
- يجوز للمرأة أن لا تحل شعرها للغسل، بل يكفي وصول الماء لمنابت الشعر، وهذا بإجماع العلماء.
شروط الغسل
من شروط الطهارة ما يأتي:[٤١]
- الإسلام، فلا تصح طهارة الكافر، إذ إنّ الزّوجة الكتابيّة يلزمها زوجها بالغسل بعد الحيض أو النفاس فتغتسل كي يطأها.
- إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة.
- التمييز، إذ لا يصح الوضوء ولا الغسل من غير مميز إلا الصبي الذي يحرم عنه وليُّه، إذ يوضئه قبل الطواف به، والزوجة المجنونة فإنّها تغسل بعد طهرها من الحيض قبل وطء زوجها لها.
- إزالة النجاسة العينية من البدن قبل غسله.
- النية.
- انقطاع ما يمنع صحة الغسل، وهو الحيض والنفاس للمرأة.
- تعميم البدن بالماء في الغسل.
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية: 36.
- ↑ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم، "باب الغسل من الجنابة"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 20-1-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن - ، الصفحة أو الرقم: 2374، صحيح.
- ↑ سورة المائدة، آية: 6.
- ↑ سورة البقرة، آية: 222.
- ↑ سورة النساء، آية: 43.
- ^ أ ب "غسل (إسلام)"، marefa، اطّلع عليه بتاريخ 20-1-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 248، صحيح.
- ↑ "صفة الغسل الكامل والمجزئ"، islamqa، 7-10-2006، اطّلع عليه بتاريخ 29-10-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 6.
- ↑ لجنة الإفتاء ومراجعة سماحة المفتي العام الشيخ عبد الكريم الخصاونة (21-4-2010)، "كيفية غُسل النبي صلى الله عليه وسلم"، aliftaa، اطّلع عليه بتاريخ 20-1-2020. بتصرّف.
- ↑ "صور الجنابة التي توجب الغسل"، islamonline، اطّلع عليه بتاريخ 29-10-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 291 ، صحيح.
- ↑ " هل تجوز الطهارة بالماء المستعمل ؟"، islamqa، 2015-1-12، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-6. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 6.
- ↑ د. عبدالآخرحماد (2016-2-7)، "حكم الاغتسال من الجنابة في الجو البارد"، eigportal، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-6. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 289، صحيح.
- ↑ "حكم نوم الجنب دون وضوء ولا غسل"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 20-1-2020. بتصرّف.
- ↑ " الحكمة الشرعية من غسل الجنابة "، islamweb، 2003-6-10، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-6. بتصرّف.
- ↑ "حكم تأخير غُسل الجنابة إلى طلوع الفجر في رمضان"، islamway، 2009-3-11، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-28. بتصرّف.
- ↑ سهام أحمد (2013-12-19)، "اضرار عدم الاستحمام و تأخير الغسل من الجنابة"، almrsal، اطّلع عليه بتاريخ 2019-7-31. بتصرّف.
- ↑ "أحكام الجنب"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 28-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الواقعة، آية: 77-79.
- ↑ "بعض ما يحرم على الجنب"، islamweb، 17-6-2002، اطّلع عليه بتاريخ 29-10-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة وأم سلمة، الصفحة أو الرقم: 1925، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 283 ، صحيح.
- ↑ "موجبات الغسل"، islamqa، 2006-10-31، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-9. بتصرّف.
- ↑ رواه الالباني، في صحيح النسائي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 217.إسناده صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية: 222.
- ↑ "من الأغسال المستحبة في الطهارة"، islamonline، اطّلع عليه بتاريخ 10-1-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سلمان الفارسي، الصفحة أو الرقم: 883 ، صحيح.
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1/342 ، إسناده حسن.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1161، أخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه موفق الدين ابن قدامة، في الكافي، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 1/391، حسن .
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1259، [صحيح].
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 216.صحيح
- ↑ "آداب الغسل ودخول الحمام"، moslim، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-9. بتصرّف.
- ↑ "من أحكام الاغتسال"، www.denana.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-6-2019. بتصرّف.
- ↑ "فقه السنة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-9-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 77، صحيح.
- ↑ "الطهارة ،، شروطها وكيفيتها"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 10-1-2020. بتصرّف.