النّكاح
يُعرف النكاح لغةً بأنه الضم والتداخل، إذ يُقال تناكحت الأشجار؛ أي تداخل بعضها في بعض، وانضمت بعضها إلى بعض، وكثر استعمال هذا المصطلح في الوطء، إذ قال ابن جني عن أبي علي الفارسي: "فرَّقت العرب فرقًا لطيفًا يُعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: نكح فلانة أو بنت فلان، أرادوا تزويجها والعقد عليها، وإذا قالوا: نكح امرأته، لم يريدوا إلا المجامعة؛ لأن بذكر امرأته وزوجته يُستغنى عن العقد"، أمّا النّكاح شرعًا فهو عقد الزواج أو التزويج؛ أي عقد ما يرد فيه لفظ نكاح أو تزويج أو ترجمته بين ذكرٍ وأنثى، وهذه الكلمة حقيقة في العقد لا بديل لها، ويجوز من خلالها الوطء؛ لكثرة وروده في الكتاب والسنة في العقد.[١]
عقد النّكاح وأركانه
يعرّف عقد النكاح بأنه العقد الذي يكون بين الرجل والمرأة على وجهٍ مشروع، وبشروطٍ مخصوصة، ويقصد بالوجه المشروع؛ الأركان المتعلقة بالعقد،[١]أما الركن فهو ما لا يصح الزواج أو النكاح إلا به، والأركان ثلاثة، وفيما يلي ذكر لهذه الشروط:[٢]
- الركن الأول: وهو خلو الزوجين من الموانع التي تحول دون صحة النكاح، إذ يجب أن تكون المرأة غير مرتبطة بالرجل بأي نسبٍ يجعلها من المحرّمات عليه، كأن تكون المرأة عمته أو خالته، كما لا يجوز أن تكون المرأة محرّمةً على الرجل بالرّضاعة، كما أنّ المرأة المُعتدَّة لا يجوز نكاحها، وقد يكون المانع من الزواج الدين، كأن يكون الرجل كافرًا والمرأة مسلمة.
- الركن الثاني: وهو الإيجاب، وسميّ بذلك لأنّ العقد يجب به، والإيجاب؛ هو القول الصادر من ولي المرأة، أو القائم مقامه، وهو الوصيّ أو الوكيل، وهو مالك الإذن في التصرّف حال حياة الولي، أمّا الوصي؛ فهو المُتصرّف حال موت الولي، ويكون إيجاب الولي على سبيل المثال بقول: زَوَّجْتُكَ ابنتي أو أختي فلانة، وتجدر الإشارة إلى أنّ الجمهور من العلماء قالوا بأنّ الوصية لا تجوز بالنكاح، فوِلاية النكاح لا تنتقل بالوصية، كما لا يجوز للولي الوصية بولاية النكاح؛ فهي تنتقل إلى غيره شرعًا دون وصيةٍ، ولا تأخذ حكم الحضانة في ذلك، وقد اشترط البعض من العلماء أنّ الإيجاب لا يكون إلّا بقولٍ لفظي: زوّجتك أو أنكحتك، لأنّهما وردتا في القرآن الكريم، فقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}[٣]، وقال الله تعالى: {وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا}[٤]، إلّا أنّ الجمهور من العلماء بينوا بأنّ الإيجاب والقبول يكونا بأي لفظٍ يحل محلهما، ويجدر القول بأنّه في حال كان الولي أخرسًا لا يتكلّم؛ فيصحّ النكاح منه بالكتابة أو الإشارة لذلك، شريطة أن تكون مفهومة.
- الركن الثالث: وهو القبول الذي يصدر من الزوج أو ممّن يكون في مقامه، ويكون باللفظ التالي مثلًا: قَبِلتُ هذا النكاح أو هذا التزويج، وبحصول الإيجاب والقبول وخلو جميع الموانع ينعقد النكاح، وإن لم يقصد الذي صدر منه اللفظ حقيقةً وجوهرًا، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: [ثلاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ، وَهَزلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكاحُ، والطَّلاقُ، والرَّجعةُ][٥]، ممّا يدلّ على أهمية الزواج وعظم مكانته.
شروط عقد النّكاح
يشترط لصحة عقد النكاح مجموعة من الشروط، يمكن إجمالها فيما يلي:[٦]
- تحديد الزوجين: أي ذكر أسمائهما دون لُبس، فلا يصح للولي مثلًا أن يقول لرجل: زوجتك ابنتي وله مجموعة من البنات غيرها، دون تحديد من هي بالضبط، وإنما لابد من تمييز كل من الزوجة والزوج، كأن يُقال زوجتك يا علي ابنتي مريم، أو ذكر صفة لأي منهما لا يشارك فيها أي أحد سواهما غيره من الإخوان، كقوله: زوجتك ابنتي الكبرى أو الصغرى.
- رضا الزوجين: بشريطة أن يكون رضًا تامًا دون إجبار أو إكراه.
- تواجد الولي: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: [لا نِكاحَ إلا بِوَلِيٍّ والسلطانُ وَلِيُّ مَن لا وَلِيَّ لهُ][٧]، ومن الحديث السابق يتّضح أن أي امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، وإن أحق الأولياء بتزويج المرأة أباها ثم جدها ثم ابنها، فالأخ الشقيق فالأخ للأب، ثم الأقرب فالأقرب، وفقًا لتفصيل معروف عند الفقهاء والعلماء، غير أن منهم من قدّم ابنها البالغ على أبيها.
- الشهادة على الزواج: أي أن يشهد على العقد شهود.
- خلو الشخصين من موانع إتمام النكاح: أي ألَّا يعاني أي من الزوجين أو أحدهما من ما يمنع زواجهما؛ كالنسب، أو أسباب أخرى؛ كالرضاع، والمصاهرة، أو الاختلاف في الدين، بأن يكون الشاب مسلمًا والمرأة وثنية أو بوذية، وعلى العكس بأن تكون المرأة مسلمة والرجل غير مسلم، أو أن تكون المرأة في وقت العدة، أو أن يكونا محرمين على بعضهما البعض، ويستثنى من اختلاف الأديان حالة واحدة؛ وهي زواج الرجل المسلم بالمرأة من أهل الكتاب، شريطة أن تكون عفيفة لا تنصاع لأفعالهم.
فوائد النكاح
عندما يشرع الاسلام أمرًا فإن الخير فيه في الدنيا والآخرة، وكذلك الحال من النِكاح، وفيما يلي أبرز وأهم الفوائد المترتبة على النكاح الشرعي:[٨]
- امتثال لأمر النبي عليه الصلاة والسلام وطاعةٌ له.
- إعفافٌ للنفس، بالإضافة لتحصين الزوجين من شرور الشيطان وأفعاله.
- تحقيق الرحمة والمودّة والترابط والتكافل بين الزوجين وأسرتهما، مما ينعكس إيجابًا على إنشاء مجتمع يتّسم بالأخوة والترابط.
- إنجاب الزوجين للذرية الصالحة الطيبة، وبالتالي استمرار النسل البشري، بالإضافة لنيل الأجر والثواب بفضل الولد الصالح.
- حصول كل من الزوجين على الأجر من خلال الإنفاق والإعفاف والإعانة والكلمة الطيبة وكف الأذى عن الناس.
- حصول الأجر والثواب الجزيل عند إنجاب الأطفال، والصبر على تربيتهم تربيةً صالحة، ومن ثم جعلهم في خدمة الدين والدعوة له.
- حلول البركة على الزوجين.
- كسب المرأة للأجر والثواب العظيم المماثل لأجر المجاهد في سبيل الله، وذلك عند حسن رعايتها لزوجها وأولادها وتنمية أسرتها.
حكم النكاح
للنكاح خمسة أحكام كما ورد، وفيما يلي هذه الأحكام:[٩]
- يُعد النكاح سنةً للرجل الذي يمتلك الشهوة، ولكنه متحكم بنفسه ولا يُخاف عليها من الزنا؛ وذلك لاشتماله على عدة مصالح لكل من الرجال والنساء، بل وللأمة كاملة.
- يكون النكاح واجبًا على الرجل أو المرأة عند الخوف من الوقوع في الزنا، فيعفان نفسيهما عن الحرام والوقوع في كبيرة من كبائر الذنوب تُغضِب الله.
- يكون النكاح مباحًا للغني الذي لا يمتلك الشهوة، وإنما لمصلحة الزوجة.
- يكون النكاح مكروهًا للفقير عديم الشهوة؛ وذلك لعدم حاجته له.
- يكون النكاح محرّمًا للمتزوج الخائف من عدم العدل بين الزوجات.
المراجع
- ^ أ ب أ. د. علي أبو البصل (22-3-2016)، "تعريف النكاح لغة وشرعاً"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 29-1-2020. بتصرّف.
- ↑ الشيخ د. عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي (4-2-2012)، "أركان عقد النكاح وشروطه"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 29-1-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 37.
- ↑ سورة النساء، آية: 22.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2194، حسن.
- ↑ "خمسة شروط لصحة النكاح"، islamweb، 26-1-2004، اطّلع عليه بتاريخ 29-1-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4/66، إسناده صحيح.
- ↑ "فوائد النكاح"، kalemtayeb، اطّلع عليه بتاريخ 29-1-2020. بتصرّف.
- ↑ "مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة"، al-eman، اطّلع عليه بتاريخ 29-1-2020. بتصرّف.