حقيقة الدنيا
خلق الله تبارك وتعالى الإنسان، وأسكنه الأرض وأمره بعمارتها، وسيادتها، وتدبيرها، بما يحقق له السعادة في الدنيا، بل وسخر للإنسان هذه الأرض بما فيها من نعيم من ثمار ومياه، وحيوانات، أباح التمتع بها، وما في البحر من أسماك وخيرات كثيرة، إنما جاءت على سبيل التفضل من الله على خلقه، وأقد أمر الله تعالى المسلم أن تكون الدنيا بما فيها من زخارف وزينة في متناول الإنسان، لتحصل له السعادة والرفاهية التي تعينه على الهدف الأساس من خلقه، فالحياة الدنيا مثلها كمثل الوردة الجميلة التي تأسر عقل الإنسان من جمالها، فالإنسان من إن يولد على هذه الحياة الدنيا حتى يكون طفلًا رضيعًا ضعيفًا، ثم يكبر ليصبح شابًا قويًا، وما أن تمضي السنين حتى يصبح شيخًا عاجرًا، وبعد ذلك يموت، ولا يدري أحد وقت موته، وما هذا المثل إلا على سبيل الوعظ للمسلم حتى لا تستهويه الدنيا بما فيها من نعيم ولذات من جمال وأشجار وثمار وأبناء وزوجات، ليفعل ما يرضي خالقه قبل موته، فإن الدنيا غنيها فقير، ولا بد أن يشتم رائحة الموت قبل الرحيل، وهي تجارة من لا تجارة له، لذلك أمرنا أن نكون في الدنيا كالغرباء أو كعابري السبيل، وليس المقصود ترك الدنيا بالكلية فهذا غير مستطاع، بل المقصود أن تعلق القلوب الله، فإذا تعلقت أصبح كل ما في الدنيا بالنية الصالحة عبادة وتقرب لله.[١]
إن منهج الإنسان المسلم والمؤمن في الأمور التي أخبر عنها الله تبارك وتعالى، يقوم على التحقق من ثبوتها من حيث المبتدأ، فإذا ثبت الحكم أو الأمر الإلهي فإن المسلم ينقاد ويطيع الأمر الذي جاءه من خالقه، ولعل أبرز ما يميز الإنسان المسلم الإيمان في الأمور الغيبية، مما يتعلق بحياة البرزخ وما تتضمنه من نعيم وعذاب، كما أن المسلم يؤمن بالحياة الآخرة وبالحساب والجنة والنار، وقد مدح الله سبحانه عباده بأنهم يؤمنون بالغيب قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[البقرة: 3].[٢]
حياة البرزخ
ما أن يفارق الإنسان الدنيا بخروج روحه من جسده، حتى يبدأ بحياة أخرى غير الحياة الدنيا ألا وهي حياة البرزخ، وهي الحياة التي تكون ما بعد دفن الشخص وإدخاله القبر، فإذا أُدخل القبر جاءه ملكان فسألاه عن ربه الذي يؤمن به ثم عن الدين الذي يدين به، ثم عن النبي الذي يتبعه، فأما المسلم المؤمن بالله فلا يتردد في قول أن الله خالقه وربه، وأن الدين الإسلامي هو دينه الذي يؤمن به، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو المبعوث له، والرسول المتبع، فيفتح له نافذة من النعيم فينظر مقعده من الجنة إلى أن تقوم الساعة، وأما إن لم يعرف الأجوبة، فيقول لا أعلم فيقع عليه عذاب القبر ويرى موقعه في النار إلى يوم القيامة، وقد قال السفاريني في لوامع الأنوار: أن أحكام الدنيا تقع على البدن مباشرةً، وتكون الروح تابعة للبدن في الدنيا، أما في الحياة البرزخ فإن العذاب يقع على الروح مباشرةً، ويقع كذلك على البدن تبعًا للروح، كما أن الحياة في بطن الأم لها معايير تختلف عن الحياة الدنيا، فإن الحياة في الدنيا لها معايير تختلف عن القبر، وينبغي بيان أن القبر من الأمور الغيبية التي تتعلق بإيمان الإنسان.[٣]
من المعلوم أن الأنبياء والرسل عليهم السلام بشر يقع عليهم ما يقع على البشر من كون الحياة التي يعيشونها في قبورهم برزخية، والأنبياء أموات بالنسبة إلى أهل الدنيا، كما أنهم أحياء في قبورهم يصلون، وقد صلّى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج، وقد رأهم في رحلة المعراج إلى السماء، ففي هذه الرحلة رأى النبي صلى الله عليه وسلم أرواح الأنبياء مجسدة ومصورة بصور أبدانهم.
ما بعد الحياة البرزخية
يستمر الأموات في حياتهم البرزخية في قبورهم ما شاء الله لهم، فإذا شاء الله سبحانه نفخ إسرافيل في البوق، فصعق كل من على الأرض إلى من رحم الله وعصمه من الصعقة، وماتوا جميعًا، فلا يبقى من مخلوقات الله أحد حي، فتموت الملائكة، والإنس والجن، ثم يأمر الله تعالى إسرافيل؛ فينفخ في البوق النفخة الثانية، فيخرج الناس من قبورهم، وتكون قلوبهم خائفة وكل يجري يريد النجاة ولا يلتفت لأحد، وهذا هو الوقت الذي تنتهي عنده الحياة البرزخية، فيقوم الخلق إلى أرض المحشر، فيمكثون بها وقتًا طويلًا فيشق عليهم طول الوقت، ثم يرد أهل اتباع النبي صلى الله عليه وسلم حوضه فيشربون شربة لا يظمؤون بعدها أبدًا، ثم تأتي شفاعة النبي العظمى بأن يعجل الله تبارك وتعالى في الحساب، ثم يأتي يوم العرض أي عرض الأعمال على الله، ثم يأتي الحساب، ثم ينصب الميزان وتوزن الأعمال، ويأتي الخلق للصراط، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم عند الصراط ويسأل الله تبارك وتعالى السلامة لأمته، فيمر وتمر أمته صلى الله عليه وسلم، كلٌ على قدر عمله فمنهم من يمر كالبرق ومنهم الجواد المضمر ومنهم من يسير كالماشي، فمن ينجو من الصراط ينطلق ليدخل الجنة ويأخذ ما أعد الله له من خير وكرامة، وأما من تخذله أعماله فيسقط في جهنم ويذوق سعيرها، ثم يشفع النبي صلى الله عليه وسلم للموحدين الذين لهم المعاصي فيشفعه الله فيخرج من النار عدد، وبعد ذلك يبقى الخلود، إما في الجنة، أو في النار.[٤]
المراجع
- ↑ د. هاني درغام (30/12/ 2010م)، "حقيقة الحياة الدنيا"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 8/ 5/ 2019م. بتصرّف.
- ↑ الشيخ ابن باز، "الحياة في القبر"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 8/ 5/ 2019م. بتصرّف.
- ↑ "مراحل الحياة التي يمر بها الإنسان بعد ولادته"، islamweb، 1/ 6/ 2004م، اطّلع عليه بتاريخ 8/ 5/ 2019م. بتصرّف.
- ↑ "ترتيب أحداث يوم القيامة"، islamqa، 30/ 11/ 2014م، اطّلع عليه بتاريخ 8/ 5/ 2019م . بتصرّف.