ماذا تعني الدراسات السريرية؟

ماذا تعني الدراسات السريرية؟
ماذا تعني الدراسات السريرية؟

الدراسات السريرية

يرجع الفضل في الكشف عن سلامة ونجاعة العلاجات والمعايير الطبية العالمية الراسخة حاليًا إلى إجراء الدراسات أو التجارب السريرية، وفي الحقيقة فإن كل علاجٍ جديد يبدأ العمل عليه على أرض الوقع في اللحظة التي يبدأ فيها المتطوعون بالمشاركة في الدراسات السريرية الخاصة بهذا العلاج، وهذا يعني أن الدراسات السريرية ركيزة أساسية لتطور العلوم الطبية والعلاجات الجديدة، وقد طور الباحثون معايير وأنظمة كثيرة لتنظيم مشاركة الناس في هذه الدراسات ومستوى السلامة والأمن والسرّية أو الخصوصية التي سيتمتعون بها أثناء مشاركتهم بهذه الدراسات والتجارب، والهدف من ذلك هو أن يستفيد المشاركون والباحثون والمجتمع العلمي ككل من إجراء هذه الدراسات، ومن الجدير بالذكر هنا أن فشل العلماء في التوصل إلى النتائج التي كانوا يتوقعونها لا يعني أن تجاربهم السريرية فاشلة أو دون قيمة؛ لأن مجرد الفشل أو عدم التوصل إلى نتيجة متوقعة سيُساهم في توجيه انتباه العلماء نحو المسار الصحيح والسليم بطريقة أو بأخرى[١].


أنواع الدراسات السريرية

تطمح الدراسات السريرية Clinical Studies عمومًا إلى تجربة العلاجات الجديدة على متطوعين من البشر، وقد قسم العلماء أنواع الدراسات السريرية إلى نوعين رئيسيين، هما[٢]:

  • التجارب السريرية Clinical Trials: يحصل المتطوعون الذين يخضعون إلى هذا النوع من الدراسات على منتجات أو إجراءات طبية؛ كالعقاقير الجديدة، أو الأجهزة الحديثة، أو حتى أنماط وتصرفات جديدة عليهم اتباعها كما هو حاصل عند تجربة أحد الأنظمة أو الحميات الغذائية مثلًا، وقد تطمح التجارب السريرية كذلك إلى مقارنة علاجات جديدة مع العلاجات الموجودة أو المتبعة أصلًا بين الأطباء، أو مقارنة العلاجات المتوفرة مع بعضها البعض، ومن بين الأمثلة على التجارب السريرية –مثلًا- إعطاء المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم دواء جديد لرؤية ما إذا كان هذا الدواء مفيد لهم أم لا.
  • الدراسات الاستطلاعية أو الرقابية Observational Studies: سيحاول الباحثون مراقبة الأشخاص ورؤية التغيرات التي تطرأ على أجسامهم عند إعطائهم علاجاتٍ كجزء من خطتهم العلاجية العادية، لكن دون حصر هؤلاء الأشخاص بعلاجاتٍ محددة كما هو حاصل في التجارب السريرية، وسيكون الهدف في النهاية هو جمع معلومات حول تأثير العلاجات على صحة هؤلاء الأشخاص، ومثال على ذلك ما هو حاصل عند رغبة الباحثين بمراقبة مجموعة من كبار السن لجمع معلومات أكثر عن تأثير سلوكيات حياتية معينة على وظائف القلب لديهم.

ومن المهم الإشارة هنا إلى وجود أنواعٍ فرعية كثيرة من التجارب السريرية والدراسات الاستطلاعية، خاصة بين باحثي علاجات السرطان؛ فهنالك –مثلًا- ما يُعرف بالدراسة التمهيدية Pilot Study أو دراسة الجدوى Feasibility Study التي يجريها الباحثون لفحص آلية قبل إجراء الدراسة الحقيقية، وتتضمن أنواع الدراسات السريرية الفرعية الأخرى كذلك ما يُعرف باسم التجارب الوقائية Prevention Trials، والتجارب المسحية Screening Trials، والتجارب العلاجية Treatment Trials، والتجارب الجماعية Cohort Studies، ودراسات الحالات والشواهد أو الدراسات الاستعادية Case Control Studies، وغيرها الكثير من أنواع الدراسات التي يختص بها خبراء البحث العلمي[٣].


آلية عمل الدراسات السريرية

تمرّ معظم التجارب السريرية بأربع مراحل أساسية لاختبار العلاج والجرعات والأعراض الجانبية التي من المحتمل ظهورها عند المتطوعين والمرضى، وسيكون قرار اعتماد العلاج سريريًا مرهونًا في النهاية بموافقة إدارة الغذاء والدواء أو الجهات الصحية المعنية بهذا الأمر في الدول حول العالم، وبالإمكان شرح المراحل الأربعة الأساسية التي تمرّ بها الدراسات أو التجارب السريرية على النحو الآتي[٤]:

  • المرحلة الأولى: يستعين الباحثون في المرحلة الأولى بمجموعة صغيرة من المتطوعين الأصحاء، أي ما بين 20-80 شخصًا؛ وذلك لأخذ فكرة مبدئية عن سلامة العلاج وتحديد الجرعات المناسبة منه.
  • المرحلة الثانية: يأتي الآن دور فحص جدوى العلاج على 100-300 شخص لأخذ صورة أشمل عن قدرته أو فاعليته، وتحديدًا عند المصابين بالمرض الذي يهدف هذا العلاج إلى التعامل معه، وسيحاول الباحثون الحصول على المزيد من المعلومات حول سلامة العلاج وأعراضه الجانبية أثناء هذه المرحلة أيضًا.
  • المرحلة الثالثة: يستمر الباحثون أثناء المرحلة الثالثة بجمع المزيد من المعلومات حول سلامة ونجاعة العلاج الجديد، فضلًا عن دراسة الدواء على شرائح وفئات سكانية جديدة من الناس وبجرعات مختلفة، وربما إعطاء العلاج بالتزامن مع أدوية أخرى أو بعد خلطه مع أدوية أخرى، ومن المتوقع أن يصل عدد المتطوعين عند هذه المرحلة إلى أكثر من 3 آلاف شخص، وقد يتمكن الباحثون من إقناع الجهات المعنية بإعطائهم تراخيص لاستخدام الدواء أو العلاج على الناس كما هو حال الأدوية الأخرى.
  • المرحلة الرابعة: تُجرى تجارب المرحلة الرابعة بعد سماح إدارة الغذاء والدواء بإعطاء العلاج أو الدواء للناس، وسيحاول الباحثون الآن تحديد نجاعة وسلامة الدواء على شرائح سكانية أكثر شمولًا وتنوعًا، والبحث عن الأعراض الجانبية للدواء على المدى البعيد.


إيجابيات وسلبيات الدراسات السريرية

تحمل الدراسات والتجارب السريرية بعض الإيجابيات والمخاطر بالنسبة للأفراد أو المتطوعين الذين يرغبون بالانخراط في هذه التجارب؛ وبوسعك أخذ لمحة سريعة عن هذه الإيجابيات والمخاطر كما يلي[٥]:

إيجابيات الدراسات السريرية

  • يتمكن المتطوعون من الحصول على علاجات جديدة ومجانية وغير متوفرة لغيرهم من الناس.
  • يتمكن المتطوعون من إجراء فحوصات مجانية ومقابلة أطباء وممرضين مختصين[٦].
  • قد تكون العلاجات الجديدة أكثر نجاعة وفعالية من العلاجات السابقة.
  • يتمكن الباحثون من رؤية التقدم أو التطور الحاصل في حالة المرضى والمتطوعين عن كثب وبدقة عالية.

سلبيات الدراسات السريرية

  • لن يكون بمقدور المتطوعين أو المرضى اختيار العلاج الذي يرغبون بتجربته داخل الدراسة، وإنما سيرجع القرار إلى الباحثين.
  • تبقى احتمالية أن يكون العلاج الجديد فاشلًا أو غير فعّال واردة دون شكّ.
  • قد يكون للعلاج الجديد أعراضٌ جانبية سيئة أكثر من العلاجات المتوفرة من قبل.
  • سيحتاج المريض أو المتطوع إلى الخضوع لفحوصات أكثر قبل وبعد العلاج.
  • سيحتاج المريض أو المتطوع إلى الإمضاء وتعبئة الكثير من الاستبيانات والنماذج الورقية.
  • لن يحصل جميع المتطوعين على العلاج الجديد؛ لأن بعضهم سينضمون إلى المجموعة التي ستتلقى علاجًا غير حقيقي أو ما يُعرف بمجموعة السيطرة Control Group؛ وذلك لمقارنة نتائجهم بالمجموعة التي تلقت علاجًا حقيقًا.


مَعْلومَة

قد تعتقد للوهلة الأولى عند قراءتك لمفاهيم وأنواع الدراسات السريرية أن هذا النوع من الأبحاث هو حديث بالكامل، لكن الحقيقة هي أن أول تجربة سريرية أجريت في العالم قد وردت في العهد القديم، تحديدًا في سفر دانيال الذي جاء على ذكر قصة نبوخذ نصّر أثناء حكمه لمدينة بابل القديمة؛ فقد أمر نبوخذ نصّر شعبه بأن يأكلوا اللحم فقط بسبب اعتقاده أن هذا الأمر هو كافٍ للحفاظ على صحة أجسامهم، لكن بعض أفراد العائلة الحاكمة اعترضوا وفضلوا تناول الخضراوات، وهنا اقترح نبوخذ نصر إجراء تجربة عبر السماح لهؤلاء الفئة بتناول البقوليات والماء لمدة 10 أيام فقط ورؤية النتائج بعد ذلك، وقد لاحظ نبوخذنصر بعد انتهاء هذه المدة أن الذين اتبعوا حمية الخضراوات قد تمتعوا بصحة أفضل من الذين تناولوا اللحوم، وهذا كان كافيًا لدفع نبوخذنصر إلى السماح لمحبي البقوليات بتناول هذه الأطعمة بعد ذلك[٧].


المراجع

  1. Jill M. Novitzke, RN (1-2008), "The significance of clinical trials", J Vasc Interv Neurol., Issue 1, Folder 1, Page 31. Edited.
  2. "Learn About Clinical Studies", U.S. National Library of Medicine,3-2019، Retrieved 15-7-2020. Edited.
  3. "Types of clinical trials", Cancer Research UK ,8-2-2019، Retrieved 15-7-2020. Edited.
  4. "What Are Clinical Trials and Studies?", National Institute on Aging (NIA),9-4-2020، Retrieved 15-7-2020. Edited.
  5. "Advantages and disadvantages of being in a clinical trial", Cancer Australia,30-6-2017، Retrieved 15-7-2020. Edited.
  6. "Advantages and disadvantages of clinical trials", Pancreatic Cancer UK, Retrieved 15-7-2020. Edited.
  7. Dr Arun Bhatt (3-2010), "Evolution of Clinical Research: A History Before and Beyond James Lind", Perspect Clin Res., Issue 1, Folder 1, Page 6–10. Edited.

فيديو ذو صلة :