محتويات
صلة الرحم
صلة الرحم هي عبادة أمر بها الله عز وجل، وتُعدّ من أنواع الإحسان للأقارب وإبقاء المودة والخير بينهم، وصلة الرحم لا تقتصر على وصل الإناث فقط، بل هي للأنثى والذكر على حدّ سواء، فكلاهما من رحم واحد، وتكون صلة الرحم عن طريق حسن المعاملة، والزيارات المستمرة، وبشاشة الوجه، وأن يصل المرء رحمه بمحبه ولُطف، ويكون عمله لله تعالى حتى يأخذ الأجر كاملًا، فهي من أعظم الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وتعد من سمات الشخص قوي الإيمان.
ولهذه العبادة فضائل عديدة تعود على الفرد في مجالات حياته المختلفة، وتكون أحيانًا بالإنفاق أو تقديم النصح لهم ومساندتهم في الأوقات الصعبة ومشاركتهم في الأفراح والأحزان وعدم الإساءة إليهم بأيّ طريقة من الطرق، فصلة الرحم هي الإحسان إلى الأقرباء، فواصل الرحم هو من يحسن إلى رحمه، والقاطع هو من يسيء إليهم، ويمكن أن يكون لا واصل لرحمه ولا قاطعًا له فلا يحسن إلا لمن أحسن إليه، أي أنه لا يصل إلى درجة الإساءة لرحمه، وعليه فهو لا يعد قاطعًا.[١]
حديث نبوي عن صلة الرحم
ذكر الله سبحانه وتعالى في الكثير من مواضع القرآن الكريم عن الأرحام وصلتهم والإحسان إليهم، إذ حذرت الكثير من الآيات الكريمة من قطع ما أمر الله به أن يوصل، ووُصف من يفعلوا ذلك بالفاسقين، فقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[٢]، وفي آية أخرى ذكرت قاطعي الأرحام مباشرةً وأن الله يلعنهم وبيعدهم من رحمته، إذ قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}[٣]، أما السنة النبوية الشريفة فقد جاءت بالعديد من الأحاديث التي حثت على صلة الرحم، وهي كالآتي:[٤]
- الحديث الذي رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: [مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ]،[٥]، ففي شرح الحديث أن الله يوسع الرزق ويؤخر الأجل لمن يصل رحمه، وتأخير الأجل أي الزيادة في العمر تعني الزيادة بالبركة، والتوفيق وعمارة الوقت.
- عن عائشة رضي الله عنها قالت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرها: [إنَّهُ من أُعْطيَ حظَّهُ منَ الرِّفقِ ، فقد أُعْطيَ حظَّهُ من خيرِ الدُّنيا والآخرةِ، وصلةُ الرَّحمِ، وحسنُ الخلقِ وحسنُ الجوارِ، يُعمرانِ الدِّيارَ ، ويزيدانِ في الأعمارِ][٦].
- عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تَقُولُ مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ][٧].
- الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم :[مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ][٨]، ففي شرح الحديث ما يرسخ الإيمان عند المسلمين، وما يجب عمله يكون الإيمان صحيحًا ومنها صلة الرحم.
فئات الرحم
واختلف علماء الشريعة في تحديد من هم الأرحام الذين من الواجب صلتهم، فالبعض قال أنهم المحارم أي الأقارب الذين لا يحل للذكر أو الأنثى الزواج من منهم، وفي هذا الرأي يدخل الوالدان، والأولاد وأولادهم، والإخوة وأولادهم، والأخوات وأولادهن، والأعمام، والعمات، والأخوال والخالات، فمثلًا أولاد العم كون ابن العم يمكنه الزواج من ابنة عمه لا يدخل في هذا الرأي، وفي رأي آخر اعتبر الأرحام هم الذين يتوارثون، وفي هذا الرأي يخرج الخالات مثلًا، ولكن العلماء ضعفوا هذا الرأي كثيرًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [الخالةُ بمنزلِةِ الأمِّ][٩]، وأخيرًا اعتبر العلماء برأي ثالث أن الأرحام كل ما يأتي من جهة الرحم، أي الأقرباء ممن ربطتهم علاقة من الرحم تجب صلتهم، وفي هذا الرأي فأولاد العمة يدخلوا في الأرحام الواجب صلتهم، وأولاد الخالة كذلك.[١]
كيفية صلة الرحم
ليس لصلة الرحم أو قطيعته حدودًا، فصلة الرحم يمكن أن تكون بالكلام الطيب، ومواساة الفقير من الرحم، ورد السلام والإبتداء به، والإعانة على الرحم في فعل الخير وغيرها، وكذلك القطيعة؛ فالجفاء والابتعاد من القطيعة، وعدم الإنفاق قطيعة، وعدم مساعدة المظلوم منهم قطيعة وغيرها، وهنا لا بد من الإشارة لقضية يجهلها العديد من الناس، وهي اعتبارهم أن المكافئ أي الذي لا يصل أو يقطع هو واصل لرحمه، فالمكافئ ليس بواصل بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم:[ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها]،[١٠]، وقد جاء رجل للرسول صلى الله عليه وسلم فقال: [يا رسولَ اللهِ إنَّ لي قرابةً أصِلُهم ويقطَعوني وأُحسِنُ إليهم ويُسيئون إليَّ وأحلُمُ عنهم ويجهَلون عليَّ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لئنْ كان كما تقولُ لكأنَّما تُسِفُّهم المَلُّ ولا يزالُ معك مِن اللهِ ظهيرٌ ما دُمْتَ على ذلك]،[١١]، فالشاهد مما سبق بأن الصلة الحقيقية هي وصل من قطعك، فمن زاره قريبًا له فردها إليه فهو ليس بواصل، وإنما من باب المكافئة في الزيارة، وعليه فالواصل من يصل من يسيء إليه ويبادر بزيارة من لا يزوره.[١٢][١٣]
فضل صلة الرحم
صلة الرحم من العبادات التي تقرب الإنسان لربه، فهي مرتبطة بالإيمان والإحسان، وفيما يأتي ذكر لبعض فضائل صلة الرحم:[١٣]
- صلة الرحم من الإيمان: وقد تحدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث شريف وربطها بأمور أخرى تُحدث التعاون والألفة بين الناس، وهي إكرام الضيف والكلام الطيب.
- صلة الرحم سببًا في بركة العمر والرزق: وهما من الغرائز الثابتة في النفس، فمن وصل رحمه بارك الله له فيهما.
- صلة الرحم مرتبطة بصلة الله: فمن وصل رحمه اتصل بالله تعالى، بدليل قول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: [الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تَقُولُ مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ]،[١٤].
- صلة الرحم سببًا في دخول الجنة: ففي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن من يصل رحمه يدخل الجنة بسلام، فقال: [يا أَيُّها الناسُ ! أَفْشُوا السلامَ، وأطْعِمُوا الطعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نِيَامٌ، تَدْخُلوا الجنةَ بسَلامٍ].[١٥]
أسباب قطيعة الرّحم
توجد العديد من الأسباب التي تؤدي بالمسلم إلى قطيعة رحمه، وفيما يأتي ذكرها:[١٦]
- الجهل: فجهل المسلم لثواب صلة الرحم وعقاب تركها هي من أهم الأسباب التي تؤدي إلى قطع الرحم.
- ضعف التقوى: فإذا ضعفت التقوى في قلب المسلم وقلّ دينه فإنه لن يبالي بأجر زيارة الرحم ولن يعبأ بذلك ولن يطمع بفضائل الصلة العاجلة أم الآجلة.
- الكِبَر: فبعض الأشخاص إذا تولى منصبًا رفيعًا أو وظيفةً قياديةً فإنه غالبًا سيتكبّر على أهله وأقربائه ويمتنع عن زيارتهم أو التودد لهم، وسيشعر بأنه الأولى أن يزوره أقاربه بدلًا من أن يزورهم ويطمئن على أحوالهم.
- كثرة العتاب: فبعض الأشخاص إذا تأخر أقاربه بزيارته أو الاطمئنان على حاله فإنه سيمطرهم بوابلٍ من الأسئلة واللوم والعتاب الشديد على تأخرهم عن زيارته، مما سيجعلهم يترددون كثيرًا في زيارته في المرات القادمة أو يباعدون في أوقات الزيارة خوفًا من لومه وعتابه.
- عدم الاهتمام بالزائرين: إذ لا يبدي بعض الأشخاص أيّ اهتمام بمن يزوره من أقاربه ولا يفرح بقدومهم ولا يبتسم بوجههم، ويستقبلهم بتكاسل وتثاقل شديدين وكأنهم حمل عليه، مما يجعلهم يترددون أو يتركون زيارته في بعض الأحيان.
- الشح والبخل: إذ يتهرب بعض الأشخاص ممن أعطاهم الله مالًا ورزقًا واسعًا من زيارة أقاربه له، وربما يؤجل زيارتهم لمرات عديدة خوفًا من طلبهم له ببعض المال أو الطلبات أو الاستدانة منه بخلًا وشحًا منه.
- الانشغال بالدنيا: فالكثير من الأشخاص قد تُنسيهم ملاهي الدنيا وأشغالها عن زيارة أهلهم وأقاربهم، إذ قد يموت أحد أقارب الشخص دون أن يعرف بذلك، ويكون قد أضاع على نفسه أجرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة.
- نسيان الأقارب في المناسبات: فربما يحدث أن ينسى الشخص دعوة أحد أقاربه في الولائم والمناسبات فيفسّر الطرف الآخر هذا النسيان بأنه تجاهل واحتقار له من الطرف الآخر، فيعمد إلى عدم زيارته وصلته أو مشاركته في مناسباته الأخرى.
- المشاكل بين الأقارب: فربما تؤدي بعض المشاكل العائلية مثل الطلاق والتقارب في المساكن وعدم توزيع الميراث إلى حدوث قطيعة بين العائلات والأقارب.
- الحسد: فالحاسد غالبًا هو شخص لا يحب الخير لغيره، وإذا رأى الآخرين يتنعمون سيحسدهم على ما آتاهم الله من فضله، وربما يؤدي به الحسد إلى قطيعة رحمه.
المراجع
- ^ أ ب عبدالرحمن بن عايد العايد، "صلة الرحم"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 27.
- ↑ سورة محمد، آية: 22- 23.
- ↑ "فضل صلة الرحم في القرآن الكريم والسنة النبوية "، islamway، 2-2-2017، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 5985 .صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 519 ، إسناده صحيح.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2555 . صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6138 .صحيح.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 2699 ، [صحيح].
- ↑ رواه صحيح البخاري، في البخاري ، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 5991 .صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 451 .أخرجه في صحيحه.
- ↑ "كيف تكون صلة الرحم؟ وما هو حد القطيعة؟"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "صلة الرحم في الإسلام"، arhamy، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2555 .صحيح.
- ↑ رواه ابن الملقن، في البدر المنير، عن عبدالله بن سلام، الصفحة أو الرقم: 9/42، إسناده حسن.
- ↑ ابن باز والألباني، "لا يدخل الجنة قاطع رحم"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 12-1-2020. بتصرّف.