ضرب النّساء
حدّد الإسلام ضرب النّساء في حالات النّشوز فقط بعد أن كانت تُضرب بالجاهليّة بنشوز وغير نشوز، ناهيك عن وأدهنّ، ولا بدّ أن تفهم معنى النّشوز في سياقه الخاص ومن ثمّ العام، فالمقصود بالمرأة النّاشز في الإسلام هي التي تتعالى عن الإتيان بحقوق زوجها في فراش الزّوجيّة وتتمنّع عنه، أو إقدامها على فعل الخيانة في مال زوجها أو نفسها، وقد قيّد الإسلام ضرب المرأة النّاشز بقيود صارمة ولم يجعله مطلقًا، بل جعله مشروطًا بشروط لازمة، إذ يأتي الضّرب في المرتبة الثّالثة من التأديب بعد الوعظ والنّصح، ثمّ الهجران في الفراش، قال تعالى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}[١] والمراد بالضّرب هنا هو الضّرب التأديبي وليس المبرح، واشترط ألا يكون على الوجه وألا يصاحبه قسوة مفرطة ولا ألفاظ مهينة، هذا فيما يخص السّياق الخاص لضرب المرأة النّاشز، ولكن السّياق العام الذي جاء به إباحة ضرب المرأة النّاشز في القرآن الكريم والسّنة النبويّة المطهّرة، إنّما يحمل معنى التّنفير منه وتبغيضه، إذ الأصل هو إمساك نفسكَ عن ضرب زوجتكَ النّاشز، وهو ما تبنّاه جمهور العلماء واستحسنوه، وقالوا في تفسير آية النّشوز: "وإن تركَ فهو أفضل"، والمقصود إن امتنع الرّجل عن استخدام أسلوب التأديب بالضّرب للزّوجة النّاشز فهو الأفضل والأولى.[٢]
حديث الرّسول عن ضرب النّساء
في السنّة النبويّة الشّريفة الكثير من الأحاديث الصّحيحة التي يأمر بها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أصحابه وأتباعه بحسن معاشرة المرأة، ففي الحديث الذي رواه جابر رضي الله عنه، عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال في خطبة حجّة الوداع: [اتَّقوا اللَّهَ في النِّساءِ ، فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ اللَّهِ ، واستحلَلتُمْ فروجَهُنَّ بِكَلمةِ اللَّهِ ، وإنَّ لَكُم علَيهنَّ أن لا يوطِئنَ فُرشَكُم ، أحدًا تَكْرهونَهُ ، فإن فعلنَ فاضربوهنَّ ضربًا غيرَ مُبرِّحٍ ، ولَهُنَّ علَيكُم رزقُهُنَّ وَكِسوتُهُنَّ بالمعروفِ][٣]، وفي شرح هذا الحديث تذكير للزّوج بأن يتّقي الله تبارك وتعالى في زوجته، ويثني عليها بالكلام الطيّب والمعاملة الحسنة اللّينة، وأن يكسيها ويُطعمها، فهو واجب عليه تجاه زوجته سيُسأل عنه يوم القيامة، ولكن إن خالفت أوامره بغير ما أحلّ الله له أن يضربها ضربًا خفيفًا غير مبرح ولا يترك أثرًا على جسدها، إذ يراد به التأديب وليس الأذى الجسدي، والأولى ترك ضرب الزّوجة النّاشز لما قد يجرّه من فقدان الزّوج لأعصابه، أو لا يستطيع أن يتمالك زمام نفسه فيتعدّى عليها بالضّرب المبرح بغير ما شرّع الله.[٤]
آثار ضرب الزّوجة
كما أسلفنا الزّوج قوّام على زوجته قوامة ولاية ورعاية لا قوامة تسلّط وتجبّر، وقد صرّح له الإسلام بضرب زّوجته النّاشز مع الكراهية الشّديدة في ذلكَ، وتفضيل تجنّب هذا التّأديب للأسباب التّالية:[٥]
- ضرب الزّوجة بقسوة فيه إهانة لكرامتها وكسر لقلبها، فيتركها محطّمة بائسة.
- قد يُؤدي الضّرب إلى نتائج عكسيّة مثل أن تزيد في العناد، مما يؤجّج المشاكل أكثر بين الزّوجين وقد تؤول الحياة بينهما لتصبح جحيمًا وتصل للطّلاق.
- ضرب الزّوجة المهين لكرامتها قد يودي بها إلى تراكم مشاعر الحقد والبغضاء تجاه زوجها، فترغب بالتّنغيص عليه بأفعال انتقاميّة أو الهروب من المنزل.
- الضّرب قد يترك آثار كدمات وجروح على وجهها وكامل جسدها.
مَعْلومَة
أوصى النّبي صلّى الله عليه وسلّم بالنّساء خيرًا، وكان يتعامل مع زوجاته باللّين واللّطف وطيب العشر، وهو قدوتنا عليه الصّلاة والسّلام، ويجب التّأسّي به وأخذه قدوة، وفيما يلي أمثلة لكيفيّة معاملته صلّى الله عليه وسلّم لزوجاته:[٦]
- كان عليه الصّلاة والسّلام يعدل بين زوجاته، ويراعي شقّ الغيرة الأنثويّة فيهنّ فيعفو ويصفح، ودليل ذلكَ ما رواه أنس قال: [كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عندَ إحدى أمَّهاتِ المؤمنينَ فأرسلت بقصعةٍ فيها طعامٌ فضربت يدَ الرَّسولِ فسقطتِ القصعةُ فانكسرت فأخذَ النبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الكِسرتينِ فضمَّ إحداهما إلى الأخرى فجعلَ يجمعُ فيها الطَّعامَ ويقولُ غارت أمُّكم فكلوا فأَكلوا فأمر حتَّى جاءَ بقصعتها الَّتي في بيتِها فدفعَ القصعةَ الصَّحيحةَ إلى الرَّسولِ وترَك المكسورة في بيت الَّتي كسرَتْها][٧].
- كان وفيًّا لبعض زوجاته حتّى بعد وفاتهنّ، فقد كان يحب أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وكان يذكرها بالطّيب حتّى بعد وفاتها، ويود صويحباتها، ولم يتزوّج عليها، بل ومكث ثلاث سنوات بعد وفاتها دون أن يتزوّج من حبّه ووفائه لها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:[ما غِرْتُ علَى امْرَأَةٍ ما غِرْتُ علَى خَدِيجَةَ مِن كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إيَّاهَا، قالَتْ: وتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بثَلَاثِ سِنِينَ، وأَمَرَهُ رَبُّهُ عزَّ وجلَّ أوْ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ أنْ يُبَشِّرَهَا ببَيْتٍ في الجَنَّةِ مِن قَصَبٍ][٨].
- كان عليه الصّلاة والسّلام يمازحهنّ ويضفي المرح والابتسامة لحياتهنّ، وقد بيّن عليه صلّى الله عليه وسلّم أنّ اللّهو واللّعب مع الزّوجة لا يُعد من اللهو، بل يؤجر عليه الزّوج.
- إذا بدر من أزواجه صلّى الله عليه وسلّم ما يسؤه كان يقابل الإساءة بالحكمة والعقل.
- كان يراعي صلوات الله عليه سنّ كل واحدة منهنّ ومتطلّبات هذا السّن، وكان صلى الله عليه وسلم يسرب إلى عائشة رضي الله عنها بنات الأنصار يلعبن معها، وكان صلى الله عليه وسلم يريها الحبشة وهم يلعبون في المسجد وهي متكئة على منكبه.
- شارك النبي زوجاته في مواقف عظيمة كثيرة وأحداث تهمُّ الأُمَّة بأجمعها، ففي يوم الحديبية أمر رسول الله أصحابه أن ينحروا الهدي ثم يحلقوا، فلم يفعل ذلك منهم أَحد، وردَّد ذلك ثلاث مرَّات دون أن يستجيب أَحد لأمره، ولمَّا لم يستجب أَحد إلى أمره دخل رسول الله على زوجته أم سلمة -رضي الله عنها- فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا نبي الله، أتحبُّ ذلك، اخرج لا تكلِّم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلِّم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بُدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلمَّا رأَوْا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل غمًّا، ورغم خطورة هذا الموقف إلاَّ أن رسول الله استحسن رأي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، فكان خيرًا وبركة على الأُمَّة كلها.[٩]
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية: 34.
- ↑ "ضرب المرأة في الإسلام: شبهة وردود"، islamsyria، اطّلع عليه بتاريخ 2020-8-3. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن محمد الباقر بن علي بن الحسين، الصفحة أو الرقم: 1905 ، صحيح.
- ↑ "ممارسة العنف مع المرأة ليس من شريعة الإسلام ."، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-8-3. بتصرّف.
- ↑ "ضرب النساء "، ar.islamway، اطّلع عليه بتاريخ 2020-8-3. بتصرّف.
- ↑ "المنهج النبوي في التعامل مع النساء"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 2020-8-3. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1903 ، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3817، صحيح.
- ↑ "تعامل الرسول مع زوجاته"، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 5-8-2020. بتصرّف.