محتويات
التمارض
يعد التمارض من الظواهر السلبيّة الموجودة والمنتشرة في المجتمعات وبين الأفراد بكثرة وخاصة بين الموظفين وطلاب العلم، فيتمارضون للحصول على راتب أو إجازة من دون وجه حق، والتظاهر بالمرض من الأمور المحرمة والمنهي عنها والأصل في المسلم أن يكون أمينًا في كل تعاملاته وأحواله ويبتعد عن الكذب والتلفيق قدر المستطاع، فالأمانة من الأمور المهمة والمطلوبة في الإسلام، وقد أمر الله تعالى بتأدية الأمانات إلى أهلها، والتمارض خاصة من أجل الحصول على شيء من غير وجه حق خيانة للأمانة وهو مخالف لما أمر الله تعالى به عباده المسلمين، وهي من آيات المنافق الذي إذا حدّث كذب، فالأصل في المسلم تأدية الأمانات إلى أهلها من صيام وصلاة وزكاة وتأدية حقوق العباد، فالتظاهر بالمرض خاصة فيما يتعلّق بالعمل هو خيانة للأمانة ونوع من البهتان والتزوير، فمن غش المسلمين حتى لو بالتمارض عليهم وإظهار خلاف ما يُبطن فهو ليس من المسلمين وأخلاقهم في شيء.[١]
فلا ينبغي لك أن تُظهر خلاف ما أنت عليه على الحقيقة من أنعم الله تعالى وفضله وتنكرها كالتظاهر بالمرض، لأنه يخشى من أن يكون المسلم الذي يتظاهر بالمرض أو أي شيء خلاف ما هو عليه أن يكون جحودًا لأنعم الله تعالى وفضله، وقد يكون جحدان النعم سببًا في زوالها فقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[٢]، فالمحافظة على نعم الله تعالى وأفضاله سبب من أسباب استدامة هذه النعم واستمراريتها ونزول الرزق على العباد، وتدوم النعم بالاعتراف بها في القلب، وعدم إنكارها باللسان، والثناء على الله تعالى وحمده وشكره عليها، واستخدام هذه النعم في المساعدة والإعانة على الطاعات من صلاة وصيام وعبادات، فبالشكر تدوم النعم وبالكفر تزول.[٣]
صحة حديث لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا
حديث لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا ونصه [لا تتَمارضوا فتَمرضوا، ولا تحفِروا قبورَكُم فتَموتوا][٤]، هو حديث منكر ولا يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يجوز تداوله أو الأخذ به في أي حالٍ من الأحوال، وقد نقل الألباني في السلسلة الضعيفة عن ابن حاتم أنه عندما سأل أُبي عن راوي حديث لا تتمارضوا فتمرضوا فتموتوا قال: سألت أبي عن حديث رواه عاصم بن إبراهيم الداري عن محمد بن سليمان الصغاني عن منذر بن النعمان الأفطس عن وهب بن منبه عن عبد الله بن عباس مرفوعاً بهذا الحديث، قال أُبي أنه حديث منكر، وقال الألباني أن علّة الحديث هو وجود محمد بن سليمان في سلسلة رواة الحديث لأنه من الرّواة المجهولين والذين لا يُعتدُّ بأحاديثهم ولا يؤخذ بها، وهذا الحديث الذي محمد بن سليمان في سلسلته هو حديث منكر لوجود لغط في سلسلة رواة الحديث،[٥][٦] وحديث لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا لم يقف العلماء على أي حديث صحيح قريب من هذا الحديث أو يشابهه، وقال المُلا علي وهو قارئ في الموضوعات الكبرى أن هذا الحديث ذكره ابن حاتم في العلل عن ابن عباس رضي الله عنه أنه منكر وقد أسنده الدليمي إلى وهب بن قيس وقال عنه مرفوعًا، فالحديث لا يصح ولا أصل له.[٧]
شرح حديث لا تتمارضوا فتمرضوا فتموتوا
إذا تساءلت عن شرح الحديث على الرغم من عدم صحته؛ فنقول بأن التمارض يعني التظاهر بالمرض والتعب الشديدين على الرغم من عدم وجود المرض الحقيقي والحقيقة هي السلامة منه، وهو نوع من أنواع الكذب على الناس، ونوع من النفاق والتزويز والكذب الواضح، ولا يجوز للمسلم أن يتظاهر بأي أمر مخالف للحقيقة الواقعة، وتشتد حرمة تظاهر الشخص بالمرض لوجود ما يخالف الشرع فيه من كذب وتزوير وبهتان، ومثال عليه بعض الموظفين أو بعض الطلاب الذين يتظاهرون بالمرض والتعب من أجل الحصول على التقارير الطبية التي تفيد بمرضهم وبالتالي الحصول على إجازة ويوم عمل كامل مدفوع الأجر من دون كَدٍ ولا تعبٍ من الشخص، وهو نوع من المحرمات وأخذ المال بالباطل وأكل السّحت،[٨] فالعافية للمؤمن خير له من البلاء والمرض، فلا يجوز للمسلم أن يتظاهر بالمرض أو التعب من أجل مكسب من مكاسب الدنيا، لأنه قد يبتليه الله تعالى بما لا يُطيقه ولا يقدر عليه فلا يستطيع الصبر ويتسخّط على قضاء الله وقدره، وربما يسوقه هذا البلاء إلى الكفر، فالسنّة النبوية تُعلّمنا عدم تمني المرض أو التظاهر بالتمارض، وقد ذُكرت الكثير من الأحاديث النبويّة التي تحث على طلب العافية في البدن والجسد لما في ذلك من أجر عظيم في الدنيا والآخرة ودفع للأسقام والبلايا.[٩]
قد يُهِمُّكَ
إن المرض يختلف عن التمارض، وهو الإصابة بداء يمنع الشخص عن أداء واجباته وأعماله الدينية والدنيويّة، وهو مظهر من مظاهر الضعف البشري، ونوع من الابتلاء الذي يصيب عباد الله الصالح والطالح منهم، الطائع والعاصي فلا يقتصر المرض على شخص دون غيره، والمرض على الرغم من أن ظاهره فيه الشر الكثير إلا أنّ باطنه خير ورحمة بالعبد وتخفيف عنه من ذنوبه، فإذا مرضت وصبرت على ما أصابك من مرض وتعب يصبح هذا المرض منحة تكفر بها السيئات وتُرفع بها الدرجات عند الله تعالى، وهذا عام في كل أمراض الدنيا وهمومها وأسقامها التي قد تصيب الإنسان، فقد ورد في الحديث الشريف عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ][١٠]،
فالمرض وإن كان في ظاهره يحمل البلاء فإن باطنه فيه من الخير والمنح اللامحدودة، وإذا مرضت وصبرت فإنك ستجني ثمرات مختلفة منها:[٩]
- تكفير الذنوب: فالمرض فيه تكفير لذنوبك وتخفيف منها، وهذا يشمل المرض النفسي والمرض البدني، فالأمراض النفسية من الهموم والأحزان والتعب يشملها الله تعالى بتكفير الذنوب إذا صبرت واحتسبت ذلك عند رب العالمين.
- رفع الدرجات: فمن أهم فوائد وثمرات الصبر على المرض هي رفع درجاتك عند الله تعالى، فقد يكون لك منزلة كبيرة وعظيمة عند الله تعالى ولكن عباداتك وأعمالك لا تؤهلك لوصولها، فيُنزِل الله عليك المرض ليرتقي بك لتلك الدرجات التي كتبها الله تعالى لك، فالشوكة التي تشاك بها يكتب الله لك فيها حسنة ويحط عنك سيئة، وهي من البشارات العظيمة للمسلمين عامة للصبر على المرض والبلاء، ففي المرض والصبر تكفير للخطايا والأسقام وتخفيف من هموم الدنيا ومصائبها، وفيه زيادة في الحسنات بإجماع العلماء المسلمين والأدلة في الأحاديث النبوية.
- استمرار الأجر والثواب: فما كنت تفعله في صحتك وعافيتك من طاعات وعبادات ومنعها المرض عنك؛ فإن الله تعالى يكتب لك أجر عمل تلك الأعمال التي كنت تقعلها وأنت صحيح معافى من دون زيادة ولا نقصان.
- دخول الجنة: فبعض الأمراض التي إذا صبرت عليها واحتسبت الأجر عند الله تعالى فإنها ستكون سببًا في دخولك الجنة مثل فقدان البصر، فمن صبر على فقدان بصره فسوف يعوّضه الله تعالى بدلاً عنه بالجنة.
المراجع
- ↑ حسام الدين عفانه، "حكم إعطاء إجازة مرضية كاذبة "، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 112.
- ↑ "لم يثبت شرعا أن من ادعى شيئا على نفسه كفقر أو مرض لزم أن يصاب به"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الزرقاني ، في مختصر المقاصد، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1178، خلاصة حكم المحدث : لا يصح.
- ↑ "أحاديث منتشرة لا تصح"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2020.
- ↑ "صحة حديث: لا تمارضوا فتمرضوا.."، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2020. بتصرّف.
- ↑ "رتبة حديث "لا تمارضوا فتمرضوا..""، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2020. بتصرّف.
- ↑ "حديث (لا تمارضوا فتمرضوا)"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب "المرض في السنة النبوية"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 5641، خلاصة حكم المحدث : [صحيح] .