محتويات
شكر النعم
إن نعم الله علينا كثيرة ولا تعدّ ولا تحصى، فحيثما وجّه الإنسان وجهه وجد العديد من النعم، ومن أعظم نعمه تعالى أن جعلنا مسلمين، فالدين والإيمان والثبات على الدين أكبر نعمة، والصحة في الجسد نعمة، وسلامة السمع والبصر نعمة، وتمييزنا عن سائر المخلوقات بالعقل نعمة، وجميع أعضاء الجسد نعمة، والذريّة الصالحة نعمة، والقدرة على الحركة نعمة، وغيرها العديد من النعم، وعن نعمة الإسلام نزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} [١]، وجميع هذه النعم تحتاج من العبد أن يشكر الله عليها، فبالحمد يديم الله النعم، ويحفظها ويبارك للإنسان فيها. [٢]
حديث عن شكر النعم
إن المسلم الحق يبقي لسانه رطبًا بذكر الله وحمده في الضراء كما في السراء، وقد وردت في السنّة النبوية الكثير من الأحاديث التي تبيّن أهميّة شكر الله تعالى على نعمه، وفيما يلي بعض هذه الأحاديث: [٣][٤]
- شكر الله على نعمه باللّسان: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله، إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ). [٥]
- شكر الله بالجوارح: بأن يسخّر هذه الجوارح في عبادة الله، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصلِّي حتى تَرِمَ، أو تنتَفِخَ، قدَماه، فيُقالُ له، فيقولُ: (أفلا أكونُ عبدًا شَكورًا). [٦].
- شكر الله على نعمه بالاعتراف بهذه النّعم والتحدّث بها: فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (التَّحدُّثُ بنعمةِ اللهِ شُكرٌ، وتركُها كُفرٌ، ومَن لا يشكرُ القَليلَ لا يَشكرُ الكثيرَ، ومَن لا يشكرُ النَّاسَ لا يشكرُ اللهَ، والجماعةُ برَكةٌ، والفُرقةُ عذابٌ) [٧].
- إظهار أثر نعمة الله والبعد عن التذمّر: عن زهير بن أبي علقمة رضي الله عنه قال أن عليه السلام قال: (إذا آتاكَ اللهُ مالًا فليُرَ عليكَ، فإنَّ اللهَ يحبُّ أنْ يَرَى أثرَه على عبدِه حَسَنًا ، ولا يحبُّ البؤسَ ولا التباؤسَ) [٨]
كيفيّة الدوام على شكر الله على النعم
إن الإنسان إذا أراد أن لا يغفل عن شكر الله وحمده يتعيّن عليه أن يداوم على عدّة أمور، وهي ما يلي:
- الحرص على التأمل في نعم الله: فالتفكّر في قدرة الخالق العظيمة في إبداع هذا الكون، والتمعّن حتى بأبسط الأمور المخلوقة من حولنا، تُشعر الإنسان بعظمة الله وحجم النعم التي أنعمها عليه، وبضعفه الكبير أمام قدرة الله، الأمر الذي يدفعه لدوام شكر الله عز وجل عليها، كما أن الانشغال عن التأمل يجعل من الإنسان شخصًا غافلًا معتادًا على رؤية تلك الأمور من دون إدراك قيمتها، فضعف الإيمان يقلّل من التدبّر والتفكّر في نعم الله، وقوّة الإيمان تكون في التدبّر في نعم الله. [٩]
- أن يقارن الإنسان نفسه بمن هو أدنى منه: إن نظر الإنسان إلى من هو أسوأ منه في المأكل والمشرب، وتخيّله زوال واحدة من النّعم التي يعدّها من المسلّمات لديه، تعد طريقة فضلى لإجبار نفسه على شكر الله على نعمه، وعندها يُدرك أن ما لديه من نعم تستحق شّكرًا دّائمًا. [١٠]
- عدم التغافل عن الحساب يوم القيامة: إن على الإنسان أن يتذكر دائمًا أنه سيُسأل يوم القيامة عن كل ما أنعم الله عليه، وإذا كان قد شكر الله عز وجل عليها وقدّرها، وكيف استخدمها أفي طاعة أم معصية، وهذا ما ورد في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [١١][التكاثر: 8]، وقد اختلف أهل التأويل في تفسير النّعيم المقصود في هذه الآية إذ قال بعضهم أنّها تعني الأمن والصحّة، بينما قال آخرون أنّها تعني السّمع، والبصر، وصحّة البدن، وقال آخرون أنّها العافية، بينما فسّرها البعض بأنّها رزق الإنسان من المأكل والمشرب، وذهب البعض بأنّ المقصود بالنّعيم في هذه الآية هو كل ما استلذّ وتمتّع به الإنسان من متاع الدّنيا. [١٢]
- اليقين التام بأن أحوال المسلم كلها خير من الله تعالى: فالمسلم الحق يثق بأن الضيق يستحق الشكر، وأنّ عليه الرضا والحمد في كافّة الأحوال، لأنه لا يعلم ما يخفيه الله تعالى من حكمة وراء كل حال يكون به العبد، فالله سبحانه وتعالى يبتلي عباده لينظر منهم صدق الولاء، وعظيم الرّجاء، وذل الدّعاء، والشّكر على الابتلاء والصبر عليه. [١٣]
ثمار شكر النعم
إن للشكر ثمارًا تعود على الشّاكر بالنّفع، نذكر منها ما يأتي: [١٤]
- الشكّر عبادة يتقرّب بها العبد من بارئه، ويجازى عليها بالحسنات والدّرجات العلى في الجنّة، فالشّكر صفة من صفات الأنبياء، والاتصاف بها تُعلي من مرتبة الشّاكر عند ربه في الملأ الأعلى.
- الشّكر يحفظ النّعم من الزّوال، ويُربيها، ويزيد بركتها.
- الشّكر من أسباب نيل رضا الله سبحانه وتعالى.
- الشّكر بالسرّاء والضرّاء سبب في نيل الأجر في الدّنيا والآخرة.
- الشّكّر سبب في منع العذاب، ودفع البلاء، ونجاة للشّاكر من كل كرب.
- الشّكر يسمو بالنّفس، وينأى به عن الحسد والحقد، فالشّاكر قنوع بما لديه من نعم، صابر وشاكر على الابتلاء.
نصائح تعين على شكر النّعم
توجد الكثير من الأسباب والوسائل التي إن التزمها المسلم استطاع أن يجاهد نفسه ويكون شاكرًا لأنعم ربّه، غير جاحد بها، ومن هذه الوسائل نذكر ما يأتي: [١٥]
- اجتناب المعاصي: فالمعاصي تميت القلب، وتبعد العبد عن ربّه، وتجعل القلب قاسيًا وعرضةً لوساوس الشيطان، فيصبح من الجاحدين بنعم الله عليه.
- إدراك أنّ الإنسان بمنزلة العبد المملوك لله سبحانه وتعالى: فالإنسان لا يملك شيئًا على الإطلاق، وإنّ ما فيه من خير إنّما هو من فضل الله عليه، وهو عطاء مطلق من الله سبحانه وتعالى، فترسيخ مثل هذه المعلومة في عقل ويقين المسلم تجعله شاكرًا لتفضّل الله سبحانه وتعالى عليه بالنّعم.
- إخراج الصّدقات: بنيّة الشكر لله سبحانه وتعالى، والمداومة على تذكّر نعم الله.
- ذكر الله سبحانه وتعالى: الإكثار من ذكر الله عزّ وجلّ يحيي القلب، ويجعله مرتبطًا ببارئه، وقريبًا منه، ويسهل عليه تذكّر نعم الله عليه وشكره عليها.
- التواضع: إن الكبر من أكثر الأسباب التي تمنع شكر العبد لبارئه على نعمه؛ فالمتكبّر يعتقد أنّ النعم التي يملكها إنما امتلكها بفضله هو لا بفضل ربه، وأنّه مالك مطلق لها، ولا ينسب الفضل بهذه النّعم لله سبحانه وتعالى؛ إذ لا بد من التواضع والتذلّل لله تبارك وتعالى، لاستشعار نعمه عليه والمواظبة على شكره عليها.
- مجاهدة الشيطان: بدوام الاستعاذة منه، وعدم الانصياع لوساوسه، والابتعاد عن كل عمل أو قول يزيد من سطوة الشّيطان على الإنسان.
- مجانبة أهل الغفلة: لأنّ مخالطتهم تميت القلب، وتُلهي العقل بكل ما هو غير مفيد، فيبتعد العبد عن التفكّر العميق بنعم الله عليه وتُنسيه شكر النعم.
- الإكثار من الدّعاء: فالدّعاء مخ العبادة، وليكون المسلم شكورًا، يجب أن يُكثر من طلب تحقيق مثل هذا المطلب من الله سبحانه وتعالى، فقد ثبت عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال لمعاذ رضي الله عنه: ( يا معاذُ واللهِ إنِّي لأُحِبُّك، فقال معاذٌ: بأبي أنتَ وأُمِّي واللهِ إنِّي لأُحِبُّك، فقال: يا معاذُ أوصيك ألَّا تدَعَنَّ في دبُرِ كلِّ صلاةٍ أنْ تقولَ: اللَّهمَّ أعِنِّي على ذِكرِك وشُكرِك وحُسنِ عبادتِك)[١٦]
المراجع
- ↑ سورة المائدة، آية: 3.
- ↑ "شكر النعمة حقيقته وعلاماته"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-2. بتصرّف.
- ↑ "كيف يقوم العبد المسلم بشكر ربه تعالى على نعمِه الكثيرة ؟"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-2. بتصرّف.
- ↑ "شكر الناس"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 3082 ، خلاصة حكم المحدث : حسن.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم: 6471، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 3014، حسن.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن زهير بن أبي علقمة، الصفحة أو الرقم: 330 ، صحيح.
- ↑ "التفكر بالنِعم… العبادة المُغترِبة"، basaer، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-2. بتصرّف.
- ↑ "نعم الله علينا كيفية التعامل معها وكيفية أداء شكرها"، lahaonline، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-2. بتصرّف.
- ↑ سورة التكاثر، آية: 8.
- ↑ "تفسير ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ"، quran، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-2. بتصرّف.
- ↑ "الحث على شكر النعماء والصبر عند البلاء"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-2. بتصرّف.
- ↑ "الشكر على النعم أعلى منازل العبادة والتقرب إلى الله"، felesteen، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-2. بتصرّف.
- ↑ "وسائل تبعث على شكر النعم واستمرارها وزيادتها"، annajah، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-2. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان ، في صحيح ابن حبان، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 2020، خلاصة حكم المحدث : صحيح.