الحديث القدسي
الرضا والقناعة من أهم الفضائل التي تمكّن المسلم من احتمال الابتلاءات في الحياة والصبر عليها إلى حين الفرج، إذ يوجد من يُبتلى بمرض أو بنقمة أو ضيق في النعمة أو في الرزق، فقد قضى الله عزَّ وجلَّ على كل شخص نصيبه من البــــلاء؛ فقد قال الله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)[١]، ولقد أعطى الإسلام مكانة كبيرة لذلك الجانب لما له من أهمية في التأثير على سلوك مجتمع بأسره وتقويمه للأفضل، ولهذا لم تشملها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وحسب بل إنها ذُكرت كذلك في الأحاديث القدسية، وهو ما سنتحدث عنه في هذا المقال.
وهو حديث ورد على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل، ويأتي للرسول عبر إلهام أو رؤية في المنام ويعدّ من حيث المكانة ما بين القرآن الكريم والحديث الشريف، كما أن المتدبر لمعانيه وألفاظه وطريقة سرده سيلحظ اختلافًا عن القرآن الكريم في اللغة والبيان، وهذا من صور المعجزات النبوية ولا شك.[٢]
سمي الحديث القدسي بهذا الاسم، نسبة إلى القدس وهو الطُهر، وقد قال الله تعالى: (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)[٣]، ومعنى نقدس لك أي نُطهر أنفسنا لله، وبيت المقدس أي البيت المُطهر الذي يتطهر به الشخص من الذنوب،[٤] وسمي أيضًا بالأحاديث الإلهية نسبة للذات الإلهية الله، وسمي أيضًا بالأحاديث الربانية نسبة للرب عزّ وجل، ويعدّ الحديث القدسي منزّهًا لا عيب فيه ولا نقص، وهو ليس منقولًا بالتواتر كالقرآن الكريم وليس قطعي الثبوت، بمعنى أن علماء الفقه والمختصين عليهم التدبر والتحقق من كل حديث بحسب النزول والتاريخ الزمني وغيرها من المعايير الهامة خوفًا من التحريف والتدليس، وأما لفظ الحديث القدسي فهو من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعناه من الله تعالى، وتوجد الكثير من المؤلفات الموثقة في الحديث القدسي التي يمكن العودة لها كالتحفة السنية في الأحاديث القدسية لعبد الوهاب إسماعيل، والجواهر السنية في الأحاديث السنية لمؤلفه الشيخ العاملي.[٥][٦]
حديث قدسي عن الرضا
تُخَلِف قراءة الأحاديث القدسية في النفس سلامًا وسكينة وتقرب العبد من ربه، إذ على اختلاف طريقة الخطاب بين القرآن والحديث القدسي إلا أن كليهما يزيدان من قوة الرابطة الإيمانية ويوثق الجسر الذي يتعلق به العبد من الله فيرضى ويسلّم أمره له، وفيما يأتي أحاديث قدسية عن الرضا:[٧]
- ( عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ، ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ، فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ.وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا)[٨].[٩]
- روى أبو هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث القدسي: (ألا أعلّمك كلمة من تحت العرش من كنز من كنوز الجنة؟ تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقول الله عز وجل: أسلم عبدي واستسلم)[١٠]، وتتضح في هذا الحديث أهمية الاستسلام لله عز وجل.[١١]
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ المؤمِنَ عندي بمنزلَةٍ كلِّ خيرٍ يحمَدُني وأنا أنزعُ نفسَهُ من بينَ جنبيْهِ)[١٢]
- كان بالمدينةِ قاصٌّ، يُقالُ له: عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي عَمْرةَ، قال: فسمِعتُه يَقولُ: سمِعتُ أبا هُرَيرةَ، يَقولُ: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: (إنَّ عبدًا أصابَ ذَنبًا، فقال: أيْ رَبِّ، أذنَبتُ ذَنبًا فاغْفِرْ لي. فقال رَبُّه عزَّ وجلَّ: علِمَ عَبدي أنَّ له رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ، ويَأخُذُ به. فغفَرَ له، ثم مكَثَ ما شاءَ اللهُ، ثم أذنَبَ ذَنبًا آخَرَ، فقال: أيْ رَبِّ، أذنَبتُ ذَنبًا فاغْفِرْه. فقال رَبُّه: علِمَ عَبدي أنَّ له رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ، ويَأخُذُ به. فغفَرَ له، ثم مكَثَ ما شاءَ اللهُ، ثم أذنَبَ ذَنبًا آخَرَ، فقال: أيْ رَبِّ، أذنَبتُ ذَنبًا فاغْفِرْه. فقال رَبُّه: علِمَ عَبدي أنَّ له رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ، ويَأخُذُ به، قد غفَرتُ لعَبدي)[١٣].
أهمية الرضا
دوام الحال من المحال، فلا بد أن تمر على الإنسان أيام جميلة وأخرى عصيبة، وأيام سعيدة وأخرى فيها من المشاق والتعب والهموم الكثير، ولهذا فإن للرضا أهمية كبيرة في حياة الإنسان، وهي:[١٤]
- يجنب الرضا الإنسان ضيق الصدر وكدر الحال ودوام التفكير بالغد والحاضر، إذ يسلم أمره لله عن قناعة وثقة.
- يزيد من إيمان الإنسان وصلته بالله تعالى، فهو يعلم أن ما يمر به إنما هو ابتلاء وغمامة لا بد أنها ستنجلي.
- يسلح الإنسان بالطاقة الإيجابية والرغبة بالفرح والسرور، ويصرف عنه الشحنات السلبية والأفكار السوداوية ووساوس الشيطان.
- يقبل الإنسان على العمل ويدفع الكسل فهو على أمل دائم بأن الله لا بد سيرضيه إذا رضي.
- يعلم الرضا الإنسان أن يكثر من الحمد والثناء والشكر وذكر لله عز وجل حتى في الأزمات والمصائب.
أنواع الرضا
للرضا العديد من الأنواع، ومنها:[١٥]
- الرِّضا عن أَقدار الله عز وجل المختلِفة، مهما كانت كبيرةً على نفس المرء، أو مهما تعاظمَت، فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾.[١٦]
- الرِّضا عن شَرْع الله تعالى وحُكمه عزَّ وجل، بألّا يسخط شيئًا ممّا أنزل الله سبحانه وتعالى أو ممّا جاءت به الشريعة الإسلامية؛ بل الانقياد والخضوع والتسليم والطاعة هي ديدنه وصفته كل حين، آخذًا بكل الشريعة الإسلامية دون اختيار وانتقاء حسب أهواء النفس ورغباتها، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾[١٧].
المراجع
- ↑ سورة الإنسان ، آية: 2،3.
- ↑ "الصبر على البلاء"، الكلم الطيب، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 30.
- ↑ "تعريف الحديث القدسي لغة"، المكتبة الشاملة الحديثة، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "تعريف الحديث القدسي اصطلاحًا"، المكتبة الشاملة الحديثة، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "الفُروق بين القُرآن الكريم وبين الحديث القُدُسيِّ:"، المكتبة الشاملة االحديثة، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "أجمل 20 حديث قدسي عن رحمة الله بعباده"، edarabia، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2577 ، صحيح.
- ↑ "أجمل 20 حديث قدسي عن رحمة الله بعباده"، edarabia، اطّلع عليه بتاريخ 31-10-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الترغيب ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1580 ، صحيح .
- ↑ "فضائل لا حول ولا قوة إلا بالله"، مصراوي، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في النكت، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2/539، خلاصة حكم المحدث : حسن.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط ، في تخريج المسند ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 9256 ، إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- ↑ "الرضا"، جامعة الإيمان، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "الرضا عن الله"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة المعارج، آية: 19 - 22.
- ↑ سورة البقرة، آية: 208.