اعراب ما بعد حتى

اعراب ما بعد حتى
اعراب ما بعد حتى

حتّى

(أموت وفي نفسي بقيّة من حتّى) عبارة تداولها الناس كثيرًا، وتوارثوها جيلًا عن جيل نقلًا عن سيبويه الذي ينسبون إليه هذا القول الذي ينسبه آخرون ـ أيضًا ـ إلى تلميذه الأخفش، وإن كان الشائع بين أغلب الناس أن قائل هذه العبارة هو سيبويه نفسه.

كثيرًا ما كنّا نمر على هذه العبارة دون أن نناقش الدلالات التي تشي بها، أو حتى نسأل عن الدواعي التي دفعت سيبويه إلى أن يقول هذه العبارة التي سارت بها الركبان، وعلّمها الشيوخ للصبيان في كل عصرٍ ومكان، وهو شيخ شيوخ النحو في زمانه، بل هو حَبره الأعظم، وعالمه الأفخم، ومالك زمامه في كل العصور باتّفاق أئمّة النحو أنفسهم، كيف لا؟ وما زالت درّته في النحو الموسومة بـ"الكتاب" تعدّ أشهر الكتب النحوية التي تدرّس في المعاهد والجامعات إلى وقتنا الحاضر.

فلا شكّ إذن أنه رأى في "حتى" ما لم يره غيره من العلماء، فهي رحلة دائمة بين الكلمات، تتلوّن بتلوّنها، وتتأثر بما يأتي بعدها من الكلام، فتتزين بزينته، وتتحلّى بحُليته، وتلبس لَبوسه حتى صارت تميل إلى عدة اتّجاهات، ولعلّ هذا هو ما حيّر لبّه، وأشغل نفسه، الأمر الذي دفعه إلى أن يقول تلك العبارة.[١]


أنواع حتّى في علم النحو

للحرف "حتى" استخدامات عديدة في اللغة العربية ذكرها النحاة في كتبهم، إذ ذكره ابن مالك في معرض حديثه عن حروف الجر، وأورده ابن آجروم في آجروميّته الشهيرة، وعدّه الحرف العاشر من حروف العطف، ليفيد انتهاء الغاية، نحو: أدرسُ حتى الصّباحِ، أي: أدرس إلى الصباحِ، كما قد يفيد ـ أيضًا ـ التعليلَ، نحو: تحرص الأمم على التعليم حتى تنهضَ، أي: كي تنهضَ، وتُسمّى حتّى التعليلية، وقد ذكر النحاة في كتبهم أن "حتى" تأتي في لغتنا العربية على أربعة أوجه، وهي:[٢][٣]

  • حتى الناصبة للفعل المضارع: وهنا لا بدّ أن يأتي بعدها فعل مضارع، إذ تنصب حتى الفعل المضارع بعدها بالفتحة الظاهرة، كما هو الحال في الفعل (يقولَ) في قوله تعالى:{وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:214]، أو تنصبه بالفتحة المقدرة كالفعل (نرى) في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}[البقرة:55]، أو تنصبه بحذف النون كالفعل (يخوضوا) في قوله تعالى: {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء:140] وحين نتكلم عن حتى الناصبة للفعل المضارع لا بدّ أن نشير إلى أنّ (حتى) الناصبة للفعل المضارع لها عدّة معانٍ، نذكر منها:
    • تأتي بمعنى كي، وتفيد التعليل، أي أنّ ما قبلها يكون سببًا بما بعدها، نحو قول أحدهم لرجل كافر: أسلِمْ حتى تدخلَ الجنة؛ أي: أسلم كي يكون الإسلام علة دخولك الجنة.
    • تأتي بمعنى (إلى) وتكون بمعنى الغاية، والغاية تعني أن يكون ما بعد (حتى) غاية انقضاء وانتهاء ما قبلها؛ مثل قوله تعالى: {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه:91] أي: إلى أن يرجع؛ فرجوع موسى عليه السلام هو غاية انقضاء وانتهاء عكوفهم الذي ورد ذكره في الآية سابقًا لحتى.
    • تأتي بمعنى (إلا) الاستثنائية، وهذا مما زاده ابن مالك في شرح التسهيل، إذ ذكر أن (حتى) تأتي بمعنى (إلا) الدالة على الاستثناء، وقد خرَّج على هذا الوجه قول الشاعر: ليس العطاءُ من الفضولِ سماحةً ~ حتى تجودَ وما لديكَ قليلُ، أي: إلا أن تجود وما لديك قليل.
  • (حتى) الجارة: وتكون حتى هنا حرف جر، تجر الاسم الواقع بعدها، ويدلّ عليها أنه يصحُّ لنا أن نحذفها ونضع مكانها حرف الجر (إلى) مع استقامة المعنى، وقد ورد شاهد على ذلك في كتاب الله تعالى، إذ جاءت حتى جارَّةً للاسم الصريح، وذلك كقوله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5]، إذ جُرّت كلمة (مطلع) بعلّة أن (حتى) جاءت حرف جر، والمعنى: سلام هي إلى مطلع الفجر.
  • (حتى) الابتدائية: ومعنى ذلك أنها تأتي حرفًا يُبتدأ به الكلام، ويستأنف عما جاء قبله؛ ولذلك كان لا بدّ أن يقع ما بعدها جملةً تامةً اسمية أو فعلية، نحو قولنا: نجح الكلُّ حتى محمدٌ ناجحٌ، وقولنا: انتشر استخدام الحاسوب حتى عمّ كل مكان.
  • (حتى) العاطفة: يقول النحاة: إن (حتى) العاطفة تكون بمنزلة الواو، ويترتَّب على هذا ما يأتي:
    • عندما تأتي (حتى) عاطفة فإنه يلزم منها الاشتراك بين كل من المعطوف والمعطوف عليه في المعنى والإعراب، كحرف العطف (الواو) تمامًا، فإذا قلنا: مات الناس حتى الصالحون، اقتضت (حتى) المشاركة بين كل من المعطوف (الصالحون)، والمعطوف عليه (الناس) في الإعراب، وما دامت كلمة (الناس) مرفوعةً، فإن كلمة (الصالحون) ينبغي أن تكون مرفوعة أيضًا كونها تابعة لها، وهذا هو ما عنيناه بالمشاركة في الإعراب، إضافة إلى أن (حتى) العاطفة في هذا المثال تقتضي المشاركة بين المعطوف (الصالحون) والمعطوف عليه (الناس) في المعنى، لتصبح دلالة المثال: يموت الناس، ويموت الأنبياء.
    • أن (حتى) العاطفة تفيد مطلق الجمع بين كل من المعطوف والمعطوف عليه كما هو الحال بالنسبة للواو العاطفة، من غير دلالة على الترتيب بينهما.
    • من المعاني التي ذكرها النحاة لحتى العاطفة التدرج والغاية، ومعنى التدرج: أن ما قبل (حتى) ينقضي تدريجيًّا، حتى يبلغ التدريج به الغاية، وهي الاسم المعطوف؛ كقولهم في المثال المشهور: أكلت السمكة حتى رأسها؛ أي: تدرجت في الأكل من السمكة حتى وصلت الرأس فأكلته، ومعنى الغاية: آخر الشيء ونهايته، ومن خلال استقراء الشواهد نستنتج أنه لا يمكن اعتبار حتى حرف عطف إلا إذا كان المعطوف بها اسمًا وليس فعلًا أو ضميرًا، وبه غاية في نقص، نحو قولنا: (هزم العرب الأمم جميعها حتى اليهود)، أو غاية في زيادة، كقولنا: (أعطى زيد الكثير حتى المئات)، وينبغي أن يُعلم أنه قد يأتي موضع في الكلام يكون صالحًا لأنواع (حتى) الابتدائية والجارة والعاطفة؛ بمعنى أنه يجوز أن تأتي (حتى) محمولةً على أنها ابتدائية؛ فترفع الاسم الواقع بعدها باعتباره مبتدأ، كما يجوز لها أن تُحمَل في ذات المثال على أنها جرف جر، فيكون الاسم الواقع بعدها اسمًا مجرورًا، ويجوز أن تُحمَل ـ كذلك ـ على أنها حرف عطف، فيُعطَف بها الاسم الذي بعدها على الاسم الذي جاء قبلها رفعًا ونصبًا وجرًّا، ولعل من أشهر الأمثلة التي وردت فيها (حتى) وقد احتملت هذه المعاني الثلاثة في نفس المثال المقولة المعروفة: (أكلت السمكة حتى رأسها)، إذ يجوز لنا في كلمة (رأسها) ثلاثة أوجه إعرابيّة، باعتبار نوع (حتى)، وهي:
      • النصب: وذلك على اعتبار أن (حتى) حرف عطف بمعنى (الواو)، عُطِفَ بها (الرأس) على (السمكة) المنصوبة لوقوعها مفعولًا به، والمعطوف على المنصوب منصوب مثله كما هو معروف في درس العطف، وعندها يكون تقدير الكلام كالآتي: أكلت السمكة ورأسَها.
      • الرفع: وذلك باعتبار أن (حتى) ابتدائية، وهنا يكون الاسم الواقع بعدها مرفوعًا باعتباره مبتدأ محذوفًا خبره، وعند ذلك يكون التقدير: حتى رأسُها مأكولٌ.
      • الجر: وهذا على اعتبار كون (حتى) حرف جر بمعنى (إلى)؛ أي: أكلت السمكة إلى رأسها، وعلى هذه الأوجه خُرّج قول الشاعر: ألقى الصحيفةَ كي يُخفِّف رحله ~ والزادَ حتى نعله ألقاها
  • ملاحظة: رُويت كلمة (نعله) بالأوجه الثلاثة: الرفع باعتبار (حتى) ابتدائية، وبهذا تكون كلمة (نعله) مبتدأ، والجملة الفعلية (ألقاها) في محل رفع خبر، والنصب باعتبار أن (حتى) حرف عطف، وهنا تكون كلمة (نعله) منصوبة؛ لأنها اسم معطوف على (الصحيفة) المنصوبة لوقوعها مفعولًا به، وعندها تكون كلمة (ألقاها) توكيدًا لفظيًّا للفعل (ألقى) الذي ذُكر في بداية البيت، والجر باعتبار أن (حتى) وقعت حرف جر، وهنا تكون جملة (ألقاها) توكيدًا لفظيًا أيضًا.


شواهد من استعمال حتى

الشواهد في كتب التراث على استعمالات حتى كثيرة ومتنوعة، لا يمكن حصرها في عجالة، غير أننا نورد منها على سبيل المثال ما يأتي:[٤]

  • قال تعالى: {ثمّ بدا لهم من بعدِ ما رأَوُا الآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حتى حِين} [يوسف:11]
    • فقد ورد الحرف (حتّى) في الآية الكريمة حرف جرّ، جُرّ به الاسم الظاهر (حين)، أما معناه فقد أفاد انتهاء الغاية، أي: ليسجننه إلى حين.
  • قال الشاعر: قَهرْناكمُ حتى الكماةَ فأنتمُ ~ تَهابونَنا حتى بَنِينَا الأَصاغِرا
    • وردت حتى في هذا البيت عاطفة، والعاطفة ـ كما تعطف الاسم على الاسم فقط، لكن الشاعر في هذا البيت عطف (الكماةَ) وهي اسم ظاهر على الضمير (كم)، الذي هو في محل نصب، والشيء نفسه ينطبق هنا في قوله: (حتى بنينا)، فجاءت (حتى) هنا عاطفة، و(بني) التي الأصل فيها (بنين) حُذفت النون منها للإضافة؛ لأنها ملحق بجمع المذكر السالم منصوب بالياء؛ لأنه معطوف على الضميرالواقع قبلها (نا) الذي هو في محل نصب مفعول به، ومما يحسن ذكره هنا أنّ الاسم المعطوف الذي يأتي بعد (حتى) يكون غاية لما قبلها سواءً تعظيمًا أم تهوينًا، وقد اجتمعا هنا في هذا البيت؛ فقد ورد التعظيم في صدر البيت (قهرناكم حتى الكماةَ)، بينما ورد التهوين في العَجُز (تهابوننا حتى بنينا الأصاغرا).
  • قال جرير: فما زالتِ القتلى تَمُجُّ دماءَها ~ بدجلةَ حتى ماءُ دجلةَ أشْكَلُ
    • جاءت (حتى) هنا ابتدائية، وكما هو معلوم فإن الابتدائية تدخل على الجمل اسميةً أوفعلية، وقد دخلت هنا في هذا البيت على جملة اسمية، مؤلفة من مبتدأ هو (ماء)، وخبر هو (أشكل).
  • وقال الفرزدق: فواعجبا، حتى كُلَيْبٌ تَسبُّني ~ كأنّ أباها نَهْشَلٌ أو مُجاشِعُ: ويصدق في هذا البيت ما قيل في بيت جرير المذكور آنفًا، فـ (حتى) وقعت ابتدائية التي تدخل على الجمل، وقد دخلت في هذا البيت على الجملة الاسمية المؤلفة من المبتدأ (كليب)، والخبر هو الجملة الفعلية (تسبّني).
  • قال تعالى : {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91]
    • جاءت (حتى) في هذه الآية حرف جرّ يفيد انتهاء الغاية، وحاصل المعنى هنا: لن نبرح عاكفين (إلى أن يرجع) إلينا موسى. والقاعدة تقول:

ينصب الفعل المضارع بعد حتى إذا دل زمانه على المستقبل، وهذا متحقق هنا في الآية؛ وذلك أنّ رجوع موسى ـ عليه السلام ـ حاصل بعد قولهم: (لن نبرح...)، أي: إنّ زمن الرجوع زمن مستقبَلٌ إذا ما قيس بزمن قولهم: (لن نبرح)، وهذا هو السبب في نصب الفعل المضارع هنا بعد حتى.


نماذج إعراب حتى

فيما يأتي نماذج إعراب حتى:

  • حتى حرف جر وغاية:
    • قال تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5].
      • حتى: حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
      • مطلع: اسم مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، وهو مضاف.
      • الفجر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
    • قال تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [المعارج:42]
      • حتى: حرف جر وغاية، مبني على السكون، لا محل له من الإعراب.
      • يلاقوا: فعل مضارع منصوب، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، وواو الجماعة ضمير متصل مبني في محل رفع فاعلن والمصدر المؤول في محل جر بحتى.
  • حتى حرف عطف:
    • قاوم أهلُ فلسطين المحتلَّ حتى الأطفالُ.
      • حتى: حرف عطف يفيد الغاية مبني على السكون، لا محل له من الإعراب.
      • الأطفالُ: اسم معطوف على (أهل) مرفوع مثله، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
  • حتى ابتدائية:
    • قال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]
      • حتى: حرف ابتداء مبني على السكون، لا محل له من الإعراب.
      • إذا: اسم شرط مبني على السكون في محل نصب على الضرفية، وهو مضاف.
      • بلغوا: فعل ماض مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
      • النكاح: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، والجملة الفعلية في محل جر مضاف إليه، وجملة (إذا بلغوا النكاح) ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
    • وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتانُ في الماء)[رواه الترمذي: حسن لغيره]
      • حتى: حرف ابتداء مبني على السكون، لا محل له من الإعراب.
      • الحيتانُ: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعة الضّمة الظاهرة على آخره، والخبر محذوف تقديره: مُستغفِرة، أي حتى الحيتان في الماء مُستغفِرة له.


المراجع

  1. (17 - 8 - 2019)، "أموت وفي نفسي شيء من حتى"، القافلة، اطّلع عليه بتاريخ 17 - 8 - 2019. بتصرّف.
  2. (17 - 8 - 2019)، "نصب الفعل المضارع"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 17 - 8 - 2019. بتصرّف.
  3. "حرف حتى في النحو"، الألوكة، 17 - 8 - 2019، اطّلع عليه بتاريخ 17 - 8 - 2019. بتصرّف.
  4. (17 - 8 - 2019)، "من أدوات اللغة العربية:ثمّ، ثُمّ، حاشا، حبذا، حتى، حيث، خلا، ربّ"، ديوان العرب، اطّلع عليه بتاريخ 17 - 8 - 2019.

فيديو ذو صلة :