اعراب ما بعد غير

اعراب ما بعد غير
اعراب ما بعد غير

تعريف الاستثناء

يعدّ أسلوب الاستثناء في اللغة العربية أحد أهم أبواب الدرس النحوي وأكثرها شيوعًا في الحياة اليومية، وقد وضعه النحاة في المنصوبات، وجعلوه متعلقًا بباب المفعول به؛ لأنهم رأوا أن العامل في المستثنى إنما هو الفعل المحذوف الذي تدل عليه كلمة الاستثناء، وتقديره (اُستثني)، فأنت حين تقول: جاء القوم إلا زيدًا، فإنك تعني ـ بلا شك ـ بذلك: جاء القوم استثني منهم زيدًا، ولذلك يُعرف الاستثناء بأنه أسلوب لغوي يتضمن إخراج ما بعد أداة الاستثناء من الحكم الذي قُرّر لما قبلها، نحو: (حضرَ الطلابُ إلا سعيدًا)، فـ (سعيد) هنا صرفه وإخراجه بوساطة أداة الاستثناء ( إلا) حتى لا يشمله ما حُكم به على المستثنى منه من الحكم الذي قُرّر للطلاب ابتداءً وهو الحضور، وبما أن الاستثناء أسلوب فلا بدّ من أن تتوفر فيه مجموعة من العناصر والأركان المكوّنة له، مثله مثَل بقية الأساليب النحوية المعروفة الأخرى، وهذه العناصر هي:[١]

  • المستثنى منه: وهو الاسم الذي قُرّر له الحكم ابتداءً، ويأتي قبل أداة الاستثناء.
  • المستثنى: وهو الذي اُستثني من الحكم، ويقع بعد الأداة.
  • الأداة: وهي ما يُخرَج به المستثنى من الحكم الذي قُرّر للمستثنى منه، وهي ثمانية منهما ما هو حرف كإلا، ومنها ما هو اسم كغير وسوى، ومنها ما يجوز أن يكون فعلًا وحرفًا كخَلا، وعَدا، وحاشا، التي إن جُرّ ما بعدها فهي حروف جر، وإذا نصب ما بعدها عُدّت أفعالًا فاعلها ضمير مستتر فيها وجوبًا، أما ما بعدها فيُعرب مفعولًا به.


الاستثناء بغير وسوى

غير وسوى اسمان يستخدمان في الاستثناء، ويضافان إلى ما بعدهما، فاسم الاستثناء (غير) يستعمل صفة في الأصل، وهو نكرة مبهمة موغلة في الإبهام والتنكير، إذ إن إضافتها إلى الاسم المعرفة لا يكسبها تعريفًا، ولذلك يوصف بها الاسم النكرة المضاف إلى المعرفة، نحو قولنا: ( جاءني مشترٍ غيرُكَ)، فـ (غيرك) هنا وقعت صفة لـ (مشترٍ ) النكرة المرفوعة بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة، وقد أضيفت كلمة (مشترٍ) إلى المعرفة (الضمير الكاف) غير أن إضافتها لم تستطع أن تكسبها التعريف، ولم تقدر أن تخرجها عن النكرات، ولذلك، كان من الأخطاء الشائعة أن يعرف المتحدث أو الكاتب (غير) بـ (أل) التعريف بقوله: ( الغير)؛ لأن (غير) لا تفيدها (أل) التعريف شيئًا، كونها موغلة في الإبهام والتنكير كما أسلفنا، ومثل غير في التنكير، والتوغل في الإبهام، ووصف النكرة بها، وعدم اكتسابها للتعريف كلمة (سوى)، كقولنا: ( ما جاء من الطلاب سوى زيد) .

أما بالنسبة لاستعمال (غير)، ومثلها سوى في الاستثناء، فلا يعدّ أصلًا فيهما، بل هو بالحمل على ( إلا )؛ إذ هي أم أدوات الاستثناء وأصلها، وغير وسوى لا تكونان إلا بمعناها في الاستثناء، ولما كان الأمر كذلك كان لا بدّ أن تأخذ غير وكذلك سوى في الاستثناء حكم المستثنى وموقعه، فهما مضافتان إلى ما بعدهما الذي هو المستثنى في الأصل، نحو قولنا: (نجح الطلابُ غيرَ خالدٍ)، فـ (غير) هنا: تأخذ حكم المستثنى في الجملة، وتعرب: مستثنى منصوبًا وجوبًا، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف و(خالدٍ) الذي هو مستثنى في الأصل يعرب: مضافًا إليه مجرورًا، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، وإذا ما أردنا أن نعرب غير وسوى إعرابًا صحيحًا فلا بدّ لنا أن نكون على علم بأقسام الاستثناء؛ لأن معرفة أقسام الاستثناء هي الأساس في كيفية الإعراب الصحيح لهما، وهذه الأقسام هي:

  • الاستثناء المتصل: وهو ذلك الاستثناء الذي يكون فيه المستثنى من نفس نوع المستثنى منه، كقوله تعالى: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) [العنكبوت:14]، ونلاحظ هنا أن كلًا من المستثنى (خمسين)، والمستثنى منه (ألف سنة) من نفس الجنس؛ ولذلك كان هذا النوع من الاستثناء متصلًا، وهو نوعان:
    • الاستثناء التام المثبت (الموجب): وهو ما توفرت فيه عناصر الاستثناء جميعًا، ولم يُسبق بنفي، أو شبه نفي.
    • الاستثناء التام المنفي (غير الموجب): وهو ما توفرت فيه عناصر الاستثناء، ولكنه سبق بنفي أو شبهه، كقوله تعالى: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) [هود:81]، وحكم المستثنى في هذا النوع هو جواز النصب على الاستثناء، أو الإتباع على البدلية، أي: اعتبار المستثنى بدلًا جزئيًّا من المستثنى منه، وعندها يتبعه في حركة إعرابه أيضًا، وقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو الآية السابقة بالرفع (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امرأتُك).
  • الاستثناء المنقطع: وهو ذلك النوع من الاستثناء الذي يكون فيه المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، كقوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [الأنعام:119]، إذ نلاحظ أن المستثنى في الآية، وهو (ما اضطررتم إليه)، لا يدخل في المستثنى منه (ما حرم عليكم)؛ لأنهما ليسا من الجنس نفسه؛ فهذا حلال، وذاك حرام؛ ولذلك يقال: إن الاستثناء منقطع، وحكم هذا النوع من الاستثناء واجب النصب عند البصريين، وهوالصحيح المشهور من أقوال النحاة، بينما يجوز فيه النصب، أو الاتباع باعتباره بدل جزء من كل عند الكوفيين.
  • الاستثناء المفرغ (الناقص): وهو الاستثناء الذي لم يذكر فيه المستثنى منه، كقوله تعالى: (وما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)[آل عمران:144]، وهنا نلاحظ أن الاستثناء هنا مفرغ؛ لأن المستثنى منه في الآية غير موجود، وحكم المستثنى في هذا النوع من الاستثناء يكون بأن يُعرَب حسب موقعه من الجملة؛ فقد يقع خبرًا مرفوعًا، كالآية السابقة، وقد يأتي فاعلًا، أو مفعولًا، أو غير ذلك.[٢]

أما غير وسوى فهما تأخذان في الإعراب حكم الاسم الواقع بعد أداة الاستثناء ( إلا) حسب التفصيل الآتي:[٣]

  • وجوب النصب: ويكون ذلك عندما يكون الاستثناء واحدًا من اثنين:
    • تامًّا مثبتًا، كقولنا: (حضر الطلاب غيرَ زيدٍ). فـ (غير) مستثنى منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف، و(زيدٍ) مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، وكقولنا أيضًا: ( جاءت الطالباتُ سوى هندٍ )، فـ (سوى): مستثنى منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف؛ منع من ظهورها التعذر، وهو مضاف، و(هندٍ) مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
    • منقطعًا، كقولنا: (دخل الطلاب غيرَ كتبِهم)، فـ (غيرَ) مستثنى منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف، و(كتبِ) مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، و(هم) ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.
  • جواز النصب على الاستثناء، أو الإتباع على البدلية: وذلك نحو قولنا: ( ما جاء المعلمون غيرَ عليٍّ)، وذلك بنصب (غيرَ) على أنها مستثنى جائز النصب، أو( غيرُ عليٍّ) بالرفع؛ باعتبارها بدل جزء من كل من كلمة (المعلمون)، ومنه قول الله تعالى: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه) [النساء:95] برفع (غير) باعتبارها بدلًا من ( القاعدون )، وقد قُرئت الآية الكريمة بنصب (غير) باعتبارها مستثنى منصوبًا جوازًا.
  • الاستثناء المفرغ (الناقص): نحو قولنا: (ما رأيتُ في وجهك غيرَ الخيرِ) فـ (غير) تُعرَب: مفعولًا به منصوبًا، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، و(الخير) مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، فـ (غير) هنا أُعربت بحسب موقعها من الجملة، لأن المستثنى منه محذوف من الكلام، ومنه قول الشاعر: ولم يبقَ سوى العدوا ~ ن دِنّاهم كما دانوا، والشاهد فيه: إعراب (سوى) حسب موقعها من الكلام؛ لأن الاستثناء حينما يكون مفرغًا يعرب المستثنى فيه حسب موقعه من الجملة، وقد وقع إعرابه هنا: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، وهو مضاف، و(العدوان) : مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.


نماذج إعراب ما بعد غير

فيما يأتي نماذج إعراب ما بعد غير: [٤]

  • مَضَى اليومُ غَيْرَ نِصْفِهِ.
    • مَضَى: فعل ماضٍ مبني على الفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.
    • اليوم: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
    • غَيْرَ: مستثنى منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف.
    • نِصْفِهِ: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرةعلى آخره، وهو مضاف، والهاء ضمير متصل مبني على الكسرة في محل جر مضاف إليه.
  • لم يمَضِ مِنَ الليلِ غَيْرَ القَلِيلِ (أو غَيْرِ).
    • لم: حرف نفي وجزم وقلب،مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
    • يمضِ: فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره هو.
    • مِن: حرف جر مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
    • الليلِ: اسم مجرور بمن، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
    • غَيْرَ: مستثنى منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، أو (غيرِ) بدل جزء من كل مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، وهو مضاف.
    • القَلِيلِ: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
  • قال تعالى:(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران: 85].
    • الواو: حرف استئناف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
    • من: اسم شرط جازم مبنيّ على السكون في محلّ رفع مبتدأ.
    • يبتغِ: (فعل الشرط) فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلّة من آخره، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره هو.
    • غيرَ: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف.
    • الإسلام: مضاف إليه منصوب، وعللامة نصبه الكسرة الظاهرة على آخره.
  • قال تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ) [النساء:95]
    • لا: حرف نفي مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
    • يستوي: فعل مضارع موفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها الثقل.
    • القاعدون: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم.
    • من: حرف جر مبني على الفتح في لا محل له من الإعراب.
    • المؤمنين: اسم مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.
    • غيرُ: بدل من (القاعدون) مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف.
    • أولي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف.
  • لَمْ يَتَحَدَّثْ فِي الصّفِّ غيرُ تِلْمِيذَيْنِ:
    • لَمْ: حرف نفي وجزم وقلب، مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
    • يَتَحَدَّثْ: فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه السكون الظاهر على آخره.
    • فِي: حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
    • الصّفِّ: اسم مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
    • غيرُ: فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف.
    • طالبين: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء لأنه مثنى.


المراجع

  1. "الاستثناء تعريفه وأنواعه"، كلية التربية للعلوم الإنسانية، 19 - 8 - 2019، اطّلع عليه بتاريخ 19 - 8 - 2019. بتصرّف.
  2. "أنواع الاستثناء مع الأمثلة"، الموسوعة العربية الشاملة، 19 - 8 - 2019، اطّلع عليه بتاريخ 19 - 8 - 2019. بتصرّف.
  3. "الاستثناء بغير وسوى"، جامعة بابل، 19 - 8 -2019، اطّلع عليه بتاريخ 19 - 8 -2019. بتصرّف.
  4. "الاستثناء بـ: غَيْر- سِوَى:نماذج في الإعراب"، أستاذ اللغة العربية نور الدين فقري، 20 - 8 - 2019، اطّلع عليه بتاريخ 20 - 8 - 2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :