محتويات
علاقة الإنسان بربه
تكتمل علاقة الإنسان بربه عندما يكون مسلمًا، وإلا فسيكون الأمر بالنسبة له ضبابيًا وغير منضبط بأحكام يعمق فيها الإنسان علاقته بربه، فالإنسان بفطرته يتجه لعبادة الله، ولكن البطولة في أن تُضبط هذه العلاقة بمسلكيات معينة تقربه من ربه، ويكون على قناعة بأنها الحق والطريق السليم لذلك، يقول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}،[١]، ويقترب الإنسان من ربه عندما يشعر بالضعف والعجز، فالحياة مليئة بالصعوبات والشدائد التي تضع الإنسان في مواقف لا ملجأ له فيها إلا الله، وفي نفس الوقت الحياة مليئة بالمغريات التي تجر الإنسان للابتعاد عن الله، فطبيعة الإنسان أن نفسه أمارة بالسوء، فقد يرتكب المعاصي ولكن الفرق بين المسلم وغيره في هذه الحيثية أنه يعرف بأن الله غفور رحيم بعباده، فسرعان ما يراجع المسلم نفسه ويحاسبها وينضبط فيتوب ويستقيم، فالتقرب من الله ومن النعم التي لا سبيل لإدراكها إلا بالتقرب من الله عز وجل ولا ملجأ فيها إلا إلى الله، يقول الله تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}،[٢]، فوعي الإنسان المسلم وإدراكه لحقيقة أن أمور الدنيا زائلة، وهي الحقيقة التي لا تضاهيها في الأهمية أيِِ من الحقائق ستُحول مفاهيمه الأساسية في حياته، فيرتقى في تفكيره وسلوكه ويحب الانتقال لما هو خير من الدنيا وما فيها، وهي الحياة الآخرة التي وعدنا الله بها، ووعده الحق غير القابل للتأويل أو التفسير، ويحضرنا في هذا المقام مقولة الخليفة عمر بن عبد العزيز عندما قال: "كانت لي نفس تواقة فلما وصلت إلى الخلافة تاقت نفسي إلى الجنة"، وأخيرًا تجلى هدي الله لعباده في حبه وعبادته والقيم التي يحبها الإنسان بطبيعته، فالله تعالى لم ينكرها على الإنسان ولكنه أنكرها إذا كانت سببًا في الابتعاد عنه، فيميز الإنسان بين الحياة الدنيا وزوالها، وبين الحياة الآخرة وبقائها، قال الله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}،[٣].[٤]
كيفية التقرب من الله
يتقرب الإنسان من ربه سواءً أكان مسلمًا أو غير مسلم، والدليل أن ثمة من يعبدون البقر معتقدين بأنها من تقربهم إلى الله، ومنهم من عبد الشمس، فجميع هذه المظاهر ما هي إلا تعبير من المخلوق يتقرب فيه لربه، ولكن الحق أن يتقرب الإنسان لربه كما أراد الله، وهو أن يسلم بأمره ويتبع الحق ويؤمن بالله ورسوله، وإن تقرب الإنسان لربه لها أساليب وطرق ذُكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفه، هي كالآتي:[٥]
- مخافة الله سبحانه وتعالى: مخافة الله تعالى من المفاهيم الإسلامية التي تدل على التقوى، وقد وصف الله سبحانه وتعالى أن أكرم الناس عند الله هو أتقاهم، والتقوى لا تأتي إلا بالالتزام لأوامر الله ونواهيه، فكلما تقرب الإنسان لربه زادت مخافته من الله وبالتالي تقواه.
- الخشوع في الصلاة: قال النبي عليه الصلاة والسلام: [إنَّما حُبِّب إليَّ مِن الدُّنيا النِّساءُ والطِّيبُ وجُعِل قُرَّةُ عَيْني في الصَّلاةِ][٦]، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، يسأل الله فيعطيه ويدعوه فيستجيب له، والصلاة هي صلة العبد بربه، والالتزام بها والخشوع فيها لها آثار عظيمة.
- نصر الله عز وجل: نصر الله يكون بنصر دينه، وهو الغني عنا وعن أعمالنا، فالعبد ينصر ربه عندما يرى الخطأ، ويُعرض عنه لوجه الله تعالى، فالتاجر قد تُعرض عليه أموال طائلة لكنها ليست بحلال، فيتقي الله ويرفض الخوض فيها، وبهذا يكون قد نصر دينه وتغلب على شهواته، فيتقرب العبد من ربه ويعوضه الله خيرًا في الدنيا والآخرة.
- حب الله ورسوله: محبة القلوب تظهر في الأعمال، فالمُحبّ لمن أحب لتابعُ، فمن أحب رسوله التزم بسنته، وحرص على أن يكون قدوة له، فالله تعالى قال:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}،[٧].
- الالتزام بالأخلاق الحسنة والإحسان للآخرين: ومن طرق الإحسان للآخرين كفالة الأيتام، وإطعام الفقراء والمساكين، وقضاء حوائج الناس، وتفريج كربهم، ومساعدتهم قدر المستطاع.
- التقرب إلى الله بالنوافل: يقول الله تعالى في حديث قدسي:[إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ]،[٨]، فالشق الأول من الحديث هو الالتزام بالفرائض والابتعاد عن المحرمات كما أمر الله، وفي الشق الثاني التقرب إلى الله أكثر بالنوافل التي تأتي بالمرتبة الثانية بعد الفرائض، ومنها صلاة الضحى، والصدقات، ورعاية الأيتام، وصيام النوافل كصوم يومي الإثنين والخميس، وغيرها الكثير من الصالحات التي تستوجب محبة الله والقرب منه.
- الدعاء: الله يحب عباده اللحوحين الذين يسألونه ويدعونه باستمرار، فالله قريب مجيب، وعندما يدعو العبد فهو مؤمن بقدرة الله على استجابة دعائه، وهو قريب منه ليسأله.
- ذكر الله والصلاة على رسوله: إن مداومة الإنسان على ذكر الله والصلاة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تقربه من ربه، وقد ورد في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة الكثير من الأذكار التي يتقرب فيها الإنسان من ربه، وبالتالي ستكون له حصنًا في حياته اليومية وقبولها عند الله.
- الاستغفار: ذُكر فضل الاستغفار بالتقرب إلى الله في القرآن الكريم، وما يناله العبد من ربه في استغفاره وتحقيق مساعيه الدنيوية، إذ يقول الله عز وجل :{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}،[٩].
كيف يقرب الله العبد منه
يبتلي الله العبد فيدعوه ويتقرب منه، وكلما زاد الابتلاء ودعا العبد ربه كلما تقرب منه، فيفرج همه ويصح بدنه ويرزقة من حيث لا يحتسب على دعائه وصبره، وفي الحديث الذي رواه البخاري يقول الله عز وجل لعباده: [ومن تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ]،[١٠]، لذلك فالدعاء هو مفتاح التقرب إلى الله، وهو ما يحفظ الإنسان ليبقى في رعاية الله سبحانه وتعالى[١١]
مظاهر البعد عن الله
يمتلئ قلب الإنسان بما يبعده عن الله عز وجل، وفيما يأتي سنذكر بعضًا منها على سبيل المثال لا الحصر، هي كالآتي:[١٢]
- تراخي العبد وتكاسله في العبادات والطاعات التي تقربه من الله، فبمجرد انجراره في الأمور الدنيوية من شانها أن تبعده عن الله، فلا يخشع في صلاة، ولا يبادر في عمل الخير والإحسان للآخرين، وغيرها الكثير مما يبعده عن الله، فقد يصلي ويصوم ويؤدي جميع الفرائض، ولكنه في غفلة بأمور الدنيا ومصاعبها، فما أجمل أن يرى الإنسان غيره يحتاج لمساعدة أيًا كان نوعها ويقدمها له دون أيّ اعتبار لمصلحة تخصة، إذ ينتابه شعور فريد بالتقرب من الله.
- تقربه من أشخاص ورفاق تبعده عن الله، وهو ما حذر منه الرسول صلى الله علية وسلم، وسماهم أصدقاء السوء، فيرافق العبد أصدقاءً يتباهون بارتكابهم المعاصي، ويحاول تقليدهم وينجر معهم إلى الهاوية التي تعود عليه بالضر في دنياه وآخرته.
- ممارسته اليومية التي تبعده عن عبادة الله والتقرب منه، فالالتزام بالصلاة في المساجد لوحده كفيل بأن يقرب العبد لربه، وفيها يجتمع مع مصلين لهم هدف مشترك وهو الصلاة والتقرب من الله، فيسمع من هذا ويناقش هذا حتى يمتلىء قلبه بالإيمان، وبالتالي تصبح هذه الممارسة اليومية جزءًا لا يتجزأ من شخصيته وسلوكه اليومي.
المراجع
- ↑ سورة آل عمران، آية: 102.
- ↑ سورة البقرة، آية: 186.
- ↑ سورة التوبة ، آية: 124.
- ↑ تركي بن علي الميمان (31-3-2014)، "علاقة المسلم مع ربه"، khutabaa، اطّلع عليه بتاريخ 4-11-2019. بتصرّف.
- ↑ ندى حسن (1-3-2018)، "كيف أقوي علاقتي بربي؟ وما هي منافع التقرب من الله "، ts3a، اطّلع عليه بتاريخ 4-11-2019.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 3949، حسن صحيح.
- ↑ سورة الأحزاب ، آية: 71.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502.صحيح .
- ↑ سورة نوح، آية: 10 -11.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2675. صحيح.
- ↑ Randa Abdulhameed ، "اجمل دعاء للتقرب إلى الله عز وجل "، thaqfya، اطّلع عليه بتاريخ 13-11-2019.
- ↑ "دعاء للتقرب من الله عز وجل 2018 ادعية التقرب إلي الله"، fakera، اطّلع عليه بتاريخ 4-11-2019. بتصرّف.