مفهوم الخلافة

مفهوم الخلافة
مفهوم الخلافة

مفهوم الخلافة

لعل مفهوم الخلافة أحد أبرز المصطلحات المتكررة في كتب التاريخ الإسلامي، والخلافة في اللغة هي الإمارة أو الإمامة،[١]وأما في الاصطلاح فهي جمع الناس تحت سلطان واحد يحكمهم بشرع الله عز وجل وعلى منهج النبوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك مطلب عزيز يرنو إليه كل مسلم في هذه الحياة، كما أنه واحد من مقاصد الإسلام العظيمة ومن أسمى صور الوحدة والاعتصام التي أمر الله ورسوله عامة المسلمين بها، وقد أجمع علماء الأمة على وجوب تنصيب الخليفة من أجل إقامة المصالح الدينية والدنيوية، ولخص الماوردي رحمه الله المقصد من الخلافة بقوله: "الإمامةُ موضوعةٌ لخِلافة النبوَّة في حراسة الدِّين وسياسة الدنيا، وعَقْدُها لِمَن يقوم بها في الأمَّة واجبٌ بالإجماع".[٢]

وبعد انتشار الدين الإسلامي واتساع رقعته وتباعد أطرافه صار لكل قطر أو بقعة من الدولة الإسلامية والٍ أو حاكمٍ أو سلطان، وأجاز علماء الأمة ذلك بسبب تباعد الأماكن عن بعضها البعض وصعوبة التواصل بينهم على أن يكون المرجع النهائي في الأمر للخليفة الحاكم، ويكون اختيار الخليفة تبعًا لمجموعة من الشروط والأحكام التي يرضاها المسلمون بالإجماع كمقدرته على الحكم، وصيته في العدل والتقوى واتباع منهج الله وسنة نبيه وسعيه لتطبيقهما ما استطاع، وعلى مر التاريخ ظهرت الكثير من الحركات والدعوات الضالة التي تسعى للخلافة بغير هدى.[٢]


أنواع الخلافة

جعل الله بني آدم خلفاء في الأرض يخلف بعضهم بعضًا فيعمرونها جيلًا بعد جيل وخلفًا بعد سلف، ووعد الله تعالى المؤمنين المتمسكين بشرعه وهدي نبيه بالاستخلاف والتمكين في الأرض، والخلافة في الإسلام نوعان نوضح كلًا منهما بشيء من التفصيل فيما يلي:[٣]

  • خلافة عامة: وتعني خلافة البشر لبعضهم البعض، وعليه فإن كل ذي خلف من بني آدم يعتبر خليفة لأنه خلف عن سلفه، وهذا ما تفيد وتقر به الكثير من آيات القرآن الكريم.
  • خلافة خاصة: وهي خلافة أولياء الأمر المتمسكين بشرع الله عز وجل واتباع السنة مثل أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أجمع الصحابة والمعاصرون له على خلافته وطاعته وبايعوه على ذلك، ومثله الخلفاء الراشدون جميعًا ممن تبعوا أبا بكر وهم: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعثمان بن عفان رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبين الفقهاء أن كل من ملك أمره على الأمة باستخلاف أو بإجماع واتفقت عليه الأمة أو بغصب فإنما تجب طاعته ولا يجوز الخروج عليه إلا في حالة واحدة وهي الكفر، ولكن أخذ الخلافة بالغصب دون إرادة الأمة لا تجوز، والحاكم الذي يتولى السلطة بغير الشرع وبغير إرادة الشعب فهو عاصٍ ومخالفٍ للشرع.


تاريخ الخلافة الإسلامية

مرّ تاريخ الخلافة الإسلامية بفترات عديدة بارزة أثرت عليها العديد من العوامل والظروف، وفيما يلي نستعرض ذلك التاريخ:[٤]

  • عهد النبوة: الذي استمر ما بين السنوات (1-11) للهجرة أي خلال الفترة (622-632) للميلاد، إذ تشكل أول كيان إسلامي في المدينة المنورة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة، وفي السنة الثامنة للهجرة فتح المسلمون مكة فتوسعت الدولة الإسلامية وبدأت الكثير من القبائل تأتي وفودًا إلى النبي معلنة إسلامها ومبايعةً إياه، وعند وفاة النبي الكريم كانت الدولة تقتصر على الجزيرة العربية وحسب.
  • الخلافة الراشدة: التي استمرت ما بين السنوات (11-40) للهجرة أي خلال الفترة (632-661) للميلاد، إذ اختار المسلمون أبا بكر الصديق خلفًا للرسول لتمتد الخلافة لمدة ثلاثين سنة وتنتهي بولاية علي بن أبي طالب، وأثناء الخلافة الراشدة توسعت الدولة الإسلامية لتشمل بلاد الشام وسوريا ولبنان والأردن وقبرص وفلسطين ومصر، لكن مركز الخلافة بقي في الجزيرة العربية وفي المدينة المنورة تحديدًا.
  • الخلافة الأموية: استمرت الخلافة الأموية ما بين السنوات (41-132) للهجرة أي خلال الفترة (661- 750) للميلاد، والتي بدأت بتولي معاوية بن أبي سفيان لتستمر لمدة تسعين عامًا شهدت خلالها الدولة الإسلامية توسعًا أكبر لتصل إلى إيران والهند والصين وآسيا الوسطى في الشرق، والبرتغال وإسبانيا وجنوب فرنسا (بلاد الأندلس قديمًا) في الغرب، مرورًا بشمال أفريقيا، ولكن مركز الخلافة آنذاك كان في دمشق.
  • الخلافة العباسية: استمرت الخلافة العباسية ما بين السنوات (132-656) للهجرة أي خلال الفترة (750- 1258) للميلاد، ولا بد أن الفترة الطويلة تلك تخبرك عن مدى قوة الدول الإسلامية آنذاك، إذ وصلت إلى أقاليم جديدة في غرب أفريقيا ووسطها وشرقها بالإضافة إلى آسيا الوسطى، وكان مركزها مدينة بغداد، وذلك قبل أن تضعف وتتفكك على يد المغول الذين دخلوها في القرن الرابع الهجري وقتلوا خليفتها الأخير لتنتهي الخلافة الإسلامية معها.
  • المماليك: الذين استمرت دولتهم ما بين السنوات (648-922) للهجرة أي خلال الفترة (1250-1517) للميلاد، وشملت دولتهم مصر والشام والعراق، وفي هذه الفترة وُجدَت دول إسلامية مستقلة في بعض أقاليم العالم الإسلامي، كشمال أفريقيا والأندلس والهند والصين وآسيا الوسطى، وأعاد المماليك حكم العباسيين اسميًا ولكن قضى العثمانيون على دولتهم التي كانت القاهرة عاصمتها، ومع انتشار الإسلام في عهد الممالك إلى الهند وجنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا، إلا أن الأندلس خرجت نهائيًا من العالم الإسلامي عام 1492.
  • العثمانيون: الذي حكموا ما بين السنوات (1517-1924) للميلاد، وكانت بدايتهم في تركيا، وورث العثمانيون قيادة العالم الإسلامي بعد سقوط دولة المماليك في مصر والعراق والشام أوائل القرن السادس عشر، وامتد حكمهم إلى شمال أفريقيا، وفي العهد العثماني توسّع الإسلام وانتشر في تركيا والبلقان وشرق ووسط أوروبا بالإضافة إلى الدول والأقاليم التي انتشر بها سابقًًا، كانت مدينة اسطنبول مركز الدولة العثمانية وكانت اسمها قسطنطينية آنذاك، وبعد عام 1453 انهارت الدولة العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى، وأنهى كمال أتاتورك الخلافة الإسلامية عام 1924 وأصبحت تركيا دولة علمانية.


قد يُهِمُّكَ: الخلافة في القرآن الكريم

ورد ذِكر الخلافة في بعض المواضع من القرآن الكريم، وتم تفسيرها في كتب التفاسير على النحو الآتي:[٥]

  • قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[٦]، واختلف العلماء في التفسير على النحو الآتي:
  • المُراد بالخليفة هنا سيدنا آدم عليه السلام؛ وذلك لأنه خلف الجن وجاء بعدهم أو قيل لأنه يخلفه غيره، والصحيح هو لأنه خليفة الله عز وجل لإقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه بحسب تفسير البغوي.
  • أما ابن كثير فقال إن الله يخبر بني آدم بامتنانه عليهم لذكرهم في الملأ الأعلى والحديث موجه للرسول صلى الله عليه وسلم.
  • أما الشنقيطي فقد فسرها على نحوين؛ الأول أن المقصود هو آدم عليه السلام؛ لأنه خليفة الجن الذين كان يسكن معهم، والخليفة في اللغة العربية (فعليه بمعنى فاعل) لأنه إذا مات يخلفه من بعده، وعليه فهو من فعيلة بمعنى مفعول، وكون الخليفة آدم عليه السلام هو الظاهر المتبادر من سياق الآية، وأما النحو الثاني فإن كلمة (خليفة) مفرد أريد به الجمع أي خلائف وذلك أيضًا اختيار ابن كثير.
  • ومن ناحية أخرى قيلَ أن المقصود من الخليفة هم خلائف بني آدم أو أبنائه، لأن الله تعالى قال على لسان الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}[٧]، وبالطبع ليس سيدنا آدم من سيفسد في الأرض ويسفك الدماء وإنما بني آدم.
  • قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ}[٨]، وقال تعالى :{وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ}[٩]، وقال تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ}[١٠] والمقصود هنا ليس سيدنا آدم عليه السلام وحده وإنما بني آدم.
  • قال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}[١١]، وفي تفسير الآية أن الله سبحانه وتعالى أمر سيدنا داود بالحكم بين الناس بالحق وألا يتبع هواه في الحكم، والخليفة هنا هو المستخلف على الملك والذي يحكم بين الناس بالعدل.[١٢][١٣]
  • قال تعالى: {وَرَبُّكَ الغَنِيُّ ذُو الرَّحمَةِ إِن يَشَأ يُذهِبكُم وَيَستَخلِف مِن بَعدِكُم ما يَشاءُ كَما أَنشَأَكُم مِن ذُرِّيَّةِ قَومٍ آخَرينَ}[١٤]، فقد فُسِّرَ قوله تعالى:{وَيَستَخلِف مِن بَعدِكُم}[١٤]، بأن الله قادر على أن يأتي بقوم من بعدهم والمقصود في هذه الآية هم أهل مكة، ويقصد الله أنه قادر على أن يهلكهم ويأتي بقوم أفضل وأطوع منهم، وهذا هو التفسير الذي أجمع عليه معظم المفسرين.[١٢][١٥]


المراجع

  1. "الخلافة "، المعاني ، اطّلع عليه بتاريخ 29/1/2021. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "إعلانُ الخِلافةِ الإسلاميَّةِ - رؤيةٌ شرعيَّةٌ واقعيَّةٌ"، صيد الفوائد ، اطّلع عليه بتاريخ 29/1/2021. بتصرّف.
  3. "أنواع الخلافة "، إسلام ويب ، اطّلع عليه بتاريخ 29/1/2021. بتصرّف.
  4. "العالم الإسلامي "، الجزيرة ، اطّلع عليه بتاريخ 29/1/2021. بتصرّف.
  5. "الخلافة من مهام الإنسان في الكون"، الألوكة ، اطّلع عليه بتاريخ 29/1/2021. بتصرّف.
  6. سورة البقرة ، آية:30
  7. سورة البقرة، آية:30
  8. سورة الأنعام ، آية:165
  9. سورة النمل ، آية:62
  10. سورة الزخرف، آية:60
  11. سورة ص، آية:26
  12. ^ أ ب "آيات ورد فيها "خليفة""، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 30/1/2021. بتصرّف.
  13. "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى "، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 30/1/2021. بتصرّف.
  14. ^ أ ب سورة الأنعام، آية:133
  15. عبد الرحمن بن محمد القماش، الحاوي في تفسير القرآن الكريم، صفحة 6688 . بتصرّف.

فيديو ذو صلة :