محتويات
- ١ أبو بكر الصديق
- ٢ ولادة أبو بكر الصديق ونسبه
- ٣ إسلام أبو بكر الصديق
- ٤ فضائل أبو بكر الصديق
- ٥ خلافة أبو بكر الصديق
- ٦ أخلاق أبو بكر الصديق
- ٧ ألقاب أبو بكر الصديق
- ٨ مواقف تدل على شجاعة أبو بكر الصديق
- ٩ قصة أبو بكرٍ والعجوز
- ١٠ محمد عليه السلام وأبو بكر في الغار
- ١١ قصة أبو بكر الصديق مع الأصنام
- ١٢ مرض أبو بكر الصديق ووفاته
- ١٣ المراجع
أبو بكر الصديق
عُرف عبد الله بن عثمان القرشي بأبي بكر الصديق، ويلتقى بكنيته مع الرسول عليه السلام، إذ كان خير صاحب وصديق، وأول من آمن بدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام ونصره وشاركه في غزواته، وحماه من الأخطار التي تعترض طريقه، ومن الذين فدوا رسول الله ودعوته، وعرّض روحه للخطر في سبيل بقاء رسول الله الذي يحمل الدعوة الإسلامية إلى الناس وينشرها ويدعوهم إلى تصديق ألوهية الله وربوبيته والابتعاد عن عبادة الأصنام، والتوجه بدلًا منها إلى عبادة ربّ الخلق وتصديق معجزته المتمثلة في القرآن الكريم.
وكلّ ما قاله رسول الله صدّقه أبو بكر الصديق وعمل به ليصبح له فضل مرافقة محمد عليه السلام في الدنيا والآخرة؛ وذلك لشهرته بالصدق وتصديق رسول الله سواء في الجاهلية وقبل ظهور الإسلام أو في وجود الإسلام ودين الله الذي بين أهم المفاهيم والعادات والأخلاق التي يجب أن يحملها المسلمون، وكان الرسول عليه السلام هو من أطلق عليه لقب الصدّيق على جبل أحد عندما أهتز، وأتى بعد الرسول بسنتين وستة أشهر، وكان حكمه والطريق الذي سلكه أجمل درب وطريق سار عليه الإسلام بعد وفاة رسول الله، وعندما يمرض الرسول أو يعرض عليه موقف كان الصدّيق يصلي بهم ويحلّ مشاكلهم، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتبعوه ويقلدوه.[١]
ولادة أبو بكر الصديق ونسبه
أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان التيمي القرشي، عاش في فترة 50 ق.هـ - 13هـ/573م - 634م، ويُعد أبو بكرٍ الصديق أول خليفة بعد رسول الله (أول الخلفاء الراشدين)، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو الوزير الخاص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه ورفيقه في الهجرة النبوية من مكة المكرّمة إلى المدينة المنورة، وقد روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله فقال: [إنّ من أمنّ الناس عليّ في صٌحبته وماله أبو بكر، ولو كنتُ متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر][٢].[٣]
يرى أهل السنة والجماعة أن أبا بكرٍ خيرُ مخلوقٍ من الناس بعد الأنبياء والرسل، وهو أكثرَ الصحابة رضوان الله عليهم زهدًا وإيمانًا وتواضعًا، كما أنه أحبَّ الناس لنبي الله محمد بعد زوجته عائشة رضوان الله عليها، قال عمرو بن العاص للنبي صلى الله عليه وسلم: [يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال عليه الصلاة والسلام: عائشة، قال فمن الرجال؟ قال عليه الصلاة والسلام: أبوها][٤]، وسمّي بالصدّيق من قِبَل رسول الله، بسبب كثرة تصديقه له في مختلف الأمور.[٣]
إسلام أبو بكر الصديق
كان أبو بكرٍ الصدّيق على معرفةٍ عميقة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم أيام الجاهلية، وقد كانت الصلة فيما بينهما قوية، وكما ذكر ابن إسحاق وغيره بأن أبا بكرٍ كان صاحبًا للنبي محمد حتى قبل بعثته، وقد تعَلم منه الصدق والأمانة وحسن السجية والكرم في الأخلاق، الأمر الذي منعه من الكذب والافتراء على الناس، قال ابن إسحاق: (ثم إن أبا بكر الصدِّيق لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أحق ما تقول قريش يا محمد؟ مِن تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آبائنا؟)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى، إني رسول الله ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته)، وقرأ عليه القرآن، فلم يقر ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد وأقرّ بحقّ الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق)، وقد رُوي عن النبي أنه قال: [إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ فَقُلتُمْ كَذَبْتَ، وقَالَ أبو بَكْرٍ صَدَقَ، ووَاسَانِي بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَهلْ أنتُمْ تَارِكُوا لي صَاحِبِي مَرَّتَيْنِ، فَما أُوذِيَ بَعْدَهَا][٥].[٣]
وكان أبو بكر الصديق من الكنوز التي ادخرها الله تعالى لرسوله الكريم، إذ كان محبوبًا عند قريش، ولديه رصيد اجتماعي وعلمي عظيم في المجتمع ساهم في استجابة الكثير لدعوته إلى الإسلام من صفوة خير الخلق، وهو من العشرة المبشرين بالجنة ومنهم: عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وكانوا هؤلاء أول ثمار أبو بكر الصديق، إذ استجابوا لدعوته لهم إلى الإسلام، وبعد إسلام أبي بكر مضت الدعوة لله عز وجل في مهدها الأول فردية وسرّية وقائمة على اختيار الفئات التي تصلح أن تكون جماعة مسلمة ستسعى إلى دعوة الناس لدين الله وإقامة الدولة الإسلامية.[٦]
فضائل أبو بكر الصديق
يعد أبو بكر الصديق رضي الله عنه من أهم الأشخاص الذين عرفهم الدين الإسلامي لدورهم العظيم والمهم في الدولة الإسلامية، وهو أحب الناس إلى قلب رسولنا الكريم، إذ أسلم على يديه كبار الصحابة مثل عثمان رضي الله عنه، وأنفق ماله في سبيل خدمة الدعوة وعلى المسلمين حتى شهد له الرسول بأن ماله كان شديد النفع عليه، في حين كان يأمر الرسول بالنفقة وآداء الصدقات، وكان الصديق يتصدق بكلّ ماله دون أن يترك لنفسه شيئًا، وكانت أحب نساء الرسول صلّى الله عليه وسلم إليه عائشة ابنة الصديق رضي الله عنهما، وأحب الرسول عليه السلام ليصبح له فضل مرافقته في الدنيا والآخرة، وقضى معظم حياته داخل مكة المكرمة.
كما لعب أبو بكر دورًا مهمًا في قريش، إذ كان من أحد رؤسائها المعروفين بالصفات الفاضلة، وعمل أبو بكر في البيع والعمليات المتعلقة في التجارة التي بينت كرمه الشديد وحرصه على الناس الذي جعل منه شخصًا محبوبَا ومقربًا للرسول أكثر من غيره، وكان رضي الله عنه من أشجع الناس وأقواهم وأحبهم حتى بايعه الصحابة والأمة ليستلم القيادة بعد وفاة الرسول الكريم، وخطب خطبةً عظيمةً أوضحت مدى رحابة صدره وعظم شأنه، وقد جمع الصديق القرآن الكريم لأول مرة، وعندما توفي دفن بالقرب من صديقه رسول الله.[٧]
خلافة أبو بكر الصديق
بعد وفاة الرّسول صلى الله عليه وسلم في السنة الحادية عشر للهجرة، وعندما وصل خبر وفاته إلى الصحابة اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة بعد صلاة العصر، وبايعوا أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه، ثم بويع بيعةً عامة من على المنبر بإجماع الناس كافّة، إلّا أنّ عددًا يسيرًا من الصحابة كانوا قد تخلفوا عن هذه البيعة، وبذلك كانت مبايعة أبو بكر الصّديق رضي الله عنه بداية الخلافة الراشدة التي لم تزد عن ثلاثين عامًا، وقد سميّت بالخِلافةِ الراشدة؛ لأنهم ساروا على نهج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد استعان بعدد من الصحابة لمعاونته في أمور الدولة، وساعده عمر بن الخطاب في القضاء، وعين أبا عبيدة عامر بن الجراح مسؤولًا عن بيت المال، وعين زيد مسؤولًا عن البريد وشؤون الكتابة، وكان رضي الله عنه يشرف بنفسه على القضاء.[٨]
أخلاق أبو بكر الصديق
اتصف أبو بكر الصديق رضي الله بالعديد من الصفات سنوجز بعضها فيما يلي:[٩]
- كثير الكرم والعطاء، وكان رضي الله عنه يتصدق بكل ماله في سبيل الله، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أفضل الخلق بعد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَأنَاهُ ، مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّه].[١٠]
- يحرص على المحبة والأخوة بينه وبين أصحابة، ففي ذات يوم تخاصم مع عمر بن الخطاب وذهب إلى بيته ليستسمحه ولكن عمر رفض وفي ذلك يقول أبو الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: [كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ .فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الخَطَّابِ شَيْءٌ ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلاَثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لاَ، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي مَرَّتَيْنِ، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا].[١١]
- شديد الورع والخوف من الله تعالى، فقد روي عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أنها قَالَتْ: [كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الغُلاَمُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ].[١٢]
- متواضعًا وزاهدًا لا يتكبّر على أحد.
- العفو والصفح عن المسيئين، فقد عفا سيدنا أبو بكر عن مسطح بن أثاثة الذي تكلم في حادثة الإفك، فلما برأ الله سبحانه وتعالى عائشة من هذه الحادثة، قال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره [والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال]،[١٣] فأنزل الله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}،[١٤] قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: [بلى والله ؛ إني لأحب أن يغفر الله لي]، فرجع سيدنا أبو بكر إلى مسطح النفقة التي كان ينفقها عليه، وقال:[والله لا أنزعها منه أبدًا].[١٥]
ألقاب أبو بكر الصديق
لُقّب أبو بكر الصديق رضي الله عنه خلال حياته بالعديد من الألقاب، من أبرزها ما يأتي:[١٦]
- الصدّيق: لُقّب أبو بكر بالصدّيق من قِبَل النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ وجاء هذا اللقب لكثرة تصديقه لرسول الله، قالت السيدة عائشة: [لما أُسرِيَ بالنبيِّ إلى المسجدِ الأقْصى، أصبح يتحدَّثُ الناسُ بذلك، فارتدَّ ناسٌ ممن كانوا آمنوا به، و صدَّقوه، وسَعَوْا بذلك إلى أبي بكرٍ، فقالوا: هل لك إلى صاحبِك يزعم أنه أُسرِيَ به الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ؟، قال: أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدَقَ، قالوا: أوَ تُصَدِّقُه أنه ذهب الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ وجاء قبل أن يُصبِحَ ؟ قال: نعم إني لَأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ في غُدُوِّه أو رَوْحِه]،[١٧] وسُمّي بالصدّيق لذلك.
- العتيق: لُقّب النبي أبا بكرٍ بالصدّيق، فقالت السيدة عائشة رضوان الله عليها: [أنَّ أبا بَكْرٍ ، دخلَ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: أنتَ عتيقُ اللَّهِ منَ النَّارِ فيومئذٍ سُمِّيَ عتيقًا]،[١٨] وتتعدد الأسباب الواردة لتسمية أبي بكرٍ بالعتيق، فقد ورد عن مجموعةٍ من المؤرخين أنه سُمّيَ عتيقًا لجمال وجهه، وقيل لِقِدَمِهِ في الخير.
- الصاحب: لُقب أبو بكرٍ الصدّيق بالصاحب في كتاب الله تعالى، فقد قال الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها}،[١٩] كما لم يختلف العلماء على أنه هو المقصود.
- وقد لُقّبَ أبو بكرٍ بالأتقى كما وَرَد في كتاب الله {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى}[٢٠]، ولُقّبَ بالأوّاه للدلالة على خشيته ووجله من الله تعالى.[٢١]
مواقف تدل على شجاعة أبو بكر الصديق
ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها بأن أبو بكر الصديق كان رجلًا أسيفًا أي رقيق القلب، ورقة قلبه لم تكن هي الصفة الوحيدة التي يتصف بها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، إذ أنه حاز على الكثير من الفضائل مثل الصدق والأمانة والعطف على الفقراء والرحمة بالعبيد، كما يعد أفضل رجال الأمة بعد النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن طيبة القلب لا تنفي وجود بعض الصفات المغايرة لأبي بكر الصديق أول خلفاء المسلمين، وهي صفة الإصرار والقوة التي ظهرت بوضوح عندما صمّم على حرب المرتدين الذين ادعوا النبوة، بالإضافة إلى الشجاعة التي كانت ظاهرة بوضوح في مسيرة أبي بكر الصديق سواء في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم أو في نصرة الإسلام.
إذ تحدثت السيدة عائشة عن الكثير من المواقف التي تدل على شجاعة أبي بكر الصديق في نصرة الدعوة الإسلامية، فالموقف الأول يتمثل في اجتماع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يوميًا وكان عددهم 39 رجلاً، اقترح حينها أبو بكر الصديق على الرسول الكريم الاختفاء عن الأنظار قليلاً، فاقتنع النبي صلى الله عليه وسلم بكلامه، فخرج المسلمون وتفرقوا في نواحي المسجد، وبعدها وقف أبو بكر الصديق خطيبًا يدعو لدين الله تعالى، وعندما بدأ أبو بكر يخطب بالمشركين ثاروا عليه وضربوه ضربًا مبرحًا، ومن شدة الضرب أغمي عليه، وجاءت عشيرته فخلصوه من المشركين وبعدها حُمل إلى أهله، كما كان لعروة بن الزبير رواية تؤكد شجاعة أبو بكر، إذ سأل ابن عمرو بن العاص عن أشد المواقف التي تعرّض لها الرسول الكريم من المشركين، فقال له بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يومًا يصلي عند حجر الكعبة، إذ جاءه عقبة بن أبي معيط ووضع ثوبه حول عنق النبي صلى الله عليه وسلم وخنقه بشدّة، وحينما شاهد أبو بكر الصديق ذلك وضع يده على كتف عقبه ودفعه عن نبي الله، كما أن شجاعة أبو بكر الصديق كانت واضحة بقوة في المعارك، وهذا ما أكده علي بن أبي طالب عندما قال بأن الصدّيق كان أشجع الناس.[٢٢]
قصة أبو بكرٍ والعجوز
راقب عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- بعد وقت الفجر وجذب انتباهه خروج الخليفة لأطراف المدينة، ثم مروره بكوخٍ صغير يَدخله لعدة ساعات ثم يخرج وينصرف، ولم يكن عمر بن الخطّاب يعلم ماذا يفعل أبو بكرٍ ولا يعلم من صاحب هذا البيت، وتكرر هذا الأمر مع مرور الأيام وما زال ابن الخطاب لا يعلم شيئًا في ذاك الوقت، إلى أن قرر عمر دخول المنزل في أحد الأيام عقب خروج أبي بكرٍ منه ليعلم سرّ هذا البيت، ودخل عمر هذا البيت الصغير فوجد عجوزًا مسنّة لا تقوى على الحركة وكفيفة لا تُبصِر، والغريب أن ابن الخطّاب لم يجد سيئًا آخر في المنزل واحتار مما رأت عيناه، ثم سأل العجوز المسنّة عن سبب قدوم الرجل (أبو بكرٍ الصدّيق) إلى بيتها يوميًا عقب صلاة الفجر، فأجابت بأن هذا الرجل يأتي صباحًا في كُلّ يومٍ لتنظيف البيت وإعداد الطعام ثم ينصرف دون أن يتكلم، فجثم عمر بن الخطاب على ركبتيه واجهش بالبكاء وقال عبارته المشهورة: لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر.[٢٣]
محمد عليه السلام وأبو بكر في الغار
كان الصّديق من الأشخاص الذين شاركوا رسول الله وحدته في الغار، وحمى الرسول من أيّ خطر قد يعترض طريقه، ونقل الماء والطعام ليشربان ويأكلا منه بمساعدة خادمه الذي أخفى آثارهما وابنته ذات النطاقين أسماء رضي الله عنها، وكان يمشي في أوقات النهار بين الناس لمعرفة ما يدور بينهم من أخبار ومكائد وأمور يريد أهل قريش فعلها من أجل الوصول لمحمد عليه السلام، ودفعوا الأموال والهدايا والمكافأت لمن يستطيع معرفة مكان الرسول، واشترى دابة ليتنقلا عليها ويسيرا بها لكن الرسول عليه السلام لم يرد أخذها حتى دفع ثمنها.
وقد كان من أكثر الناس شعورًا في قلب الرسول وحزن عليه في سبيل ما عانوه لنقل الدعوة، وكان يبكي على حاله إن وخزت شوكة قدم الرسول، واتصف بلين القلب والحب الكبير الذي يحمله للرسول عليه السلام كون مصير أمة كاملة معلقًا به، وفي حال حدث له أمر ما فسوف يصيب هذا الأمر أمة بأكملها وسيضيع الناس ويبقون في الظلمات، لذلك وضع روحه أمام روح رسول الله وتوقن بأن الله سبحانه وتعالى سوف ينصره ويعمي عيون الأعداء عنه ويبعدها لترتد عليهم.[٢٤]
قصة أبو بكر الصديق مع الأصنام
يلتقي أبو بكر الصديق مع الرسول عليه السلام بالجد السادس من قريش ليصبح من الأشخاص الذين حرّم الله أجسادهم على النار، ويستمتع برفقة رسول الله ويحصل على فضل تواجده هو والفاروق والرسول الكريم في نفس الغرفة، وكان يعرف بالكرم والشجاعة وعدم عبادة الأوثان، إذ لم يسجد أمام صنم ولم يتذوق الخمر كونه عالمًا بمضاره، ويفضل أن يبقى بكامل قواه وعقله، كما أسلم والداه وقبلوا رسالة رسول الله.
وعندما كانوا في الجاهلية وكان الآباء يأخذون أولادهم من أجل السجود للأصنام وعبادتها، أظهر أبو بكر فطنة وقدرات عقلية تتمثل بـ؛ عندما طلب من الصنم حمايته وتقديم الخدمات له كتوفير الطعام، وعندما لم يحصل على ردّه ألقى بالحجارة على الأصنام وغادر لأنه يعلم لا فائدة ولا ردّ من أصنام لا تتكلم ولا تتحرك، وأطلع الراهب الذي التقاه على رؤيا قد راودته، وفسّرها الراهب على أنه سوف يأتي نبي وسيصبح أبو بكر مقربًا منه ويخلفه بعد وفاته وصح تفسيره، وكان أبو بكر الصديق ومحمد عليه السلام على معرفة من بعضهم، وعندما نزل الوحي أول ما بدأت الدعوة آمن بدين الله ولم يتردد ولم يساوره الشك، وعندما مرض وأشتد المرض أشار عليه بتنصيب عمر بن الخطاب خليفة بعده.[٢٥]
مرض أبو بكر الصديق ووفاته
كانت بداية مرض أبا بكر رضي الله عنه أنه اغتسل وكان الجو باردًا فأصابته الحمى خمسة عشر يومًا لا يخرج إلى الصلاة، فأمر عمر بن الخطاب أن يصلي بالناس، وكان يزداد مرضًا كلّ يوم، وكانوا الناس يزورونه في بيته، وكان أكثرهم ملازمة له في مرضه عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولما اشتد مرض أبو بكر الصديق رضي الله عنه، عهد بالخلافة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبعد مشاورته لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وقراءة كتابه بشأن خلافةِ عمر، سألهم إن كانوا راضين به خليفةً لهم فأجابوه بالسمع والطاعة.[٢٦]
شهد الثاني والعشرون من شهر جمادى الآخرة عام 13 هجريًا وفاة الصدّيق أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، وكان قد بلغ من العمر (63 عامًا)، وقد غسلته زوجته الصحابية أسماء بنت عميس -رضي الله عنها-، وصلى عليه خليفته الفاروق عمر بن الخطاب، ونزل إلى قبره كُلٌ من عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفان وطلحة وابنه عبد الرحمن، ثم دُفن إلى جوار رسول الله، وقد جُعل رأسه عند كتفي النبي، وقد ارتجت المدينة المنورة لوفاة الصدّيق أبي بكرٍ، ولم يأتِ يومٌ على المدينة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أشدُ حُزنًا وأكثر بكاءً وإيلامًا من ذلك اليوم، ثم جاء علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- مسرعًا وباكيًا ومسترجعًا ووقف في البيت الذي دُفِنَ فيه أبو بكر وقال: رحمك الله يا أبا بكرٍ، كنت إلفَ رسول الله وأنيسه، ومستراحه وثقته، وموضع سره ومشاورته، إلى أن قال: والله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله بمثلك أبدًا، كنت للدين عزًا وحرزًا وكهفًا، فألحقنا الله عز وجل بنبيك محمد عليه الصلاة والسلام ولا حرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك، ثم سكت الناس جميعًا حتى قضى عليٌ كلامهُ، وبكوا حتى تعالت أصواتهم وقالوا: صدقت.[٢٧]
المراجع
- ↑ عبد الرحمن السحيم، "سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-28. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في البخاري، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 3654، صحيح.
- ^ أ ب ت "أبو بكر"، marefa، اطّلع عليه بتاريخ 9-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم: 6885، أخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو الدرداء، الصفحة أو الرقم: 3661، صحيح.
- ↑ "إسلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه"، islamweb، 12-12-2010، اطّلع عليه بتاريخ 16-10-2019. بتصرّف.
- ↑ عبد الملك قاسم (2017-3-16)، "فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-28. بتصرّف.
- ↑ "كم كانت مدة خلافة أبو بكر"، kololk، اطّلع عليه بتاريخ 29-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "نبذة يسيرة عن حسن خلق أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ."، islamqa، 13-11-2018، اطّلع عليه بتاريخ 29-10-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة وابن مسعود، الصفحة أو الرقم: 5661، صحيح .
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أبو الدرداء ، الصفحة أو الرقم: 3661، [صحيح] .
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3842 ، [صحيح]
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط ، في تخريج صحيح ابن حبان، عن ائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 7099 ، صحيح.
- ↑ سورة النور، آية: 22.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4212 ، أخرجه في صحيحه .
- ↑ "كم عدد ألقاب أبو بكر الصديق؟"، elfagr، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 306، متواتر.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3679 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح .
- ↑ سورة التوبة، آية: 40.
- ↑ سورة الليل، آية: 17.
- ↑ "ما هي القاب ابو بكر الصديق رضي الله عنه"، manhwaa، 16-10-2017، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "7 مواقف اختبرت شجاعة "أبو بكر الصديق " فكيف تصرف ؟"، amrkhaled، اطّلع عليه بتاريخ 16-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "قصة ابو بكر الصديق مع العجوز العمياء"، kermalkom، 21-2-2015، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في الغار"، aljamaa، 2005-2-7، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-28. بتصرّف.
- ↑ نبيل عوضي (2019-10-6)، "قصة أبو بكر الصديق رضي الله عنه"، maktubes، اطّلع عليه بتاريخ 2019-11-28. بتصرّف.
- ↑ "خلافة أبي بكر الصديق - (18) مرض أبي بكر الصديق ووفاته "، islamway، 20-4-2017، اطّلع عليه بتاريخ 29-10-2019. بتصرّف.
- ↑ MAKTUBES (6-10-2019)، "قصة أبو بكر الصديق رضي الله عنه"، maktubes، اطّلع عليه بتاريخ 9-11-2019. بتصرّف.