منزلة الصحابة
الصحابة رضوان الله عليهم هم جيل لن يتكرر، ونخبة مختارة من المؤمنين، وقوم بارك الله فيهم، فقد اختار الله سبحانه وتعالى الصحابة على علم منه لتلقي تنزيله، وصحبة رسوله، والعمل بدينه، وجعل الله تعالى الصحابة خلفاء للنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، فاتمنهم على دينه، وكلفهم بتبليغه، وجعلهم أئمة الأمة وقدوتها في العمل به، وجعلهم المرجع في كل ما اختلف به الناس من تأويل كتابه العزيز، فهم النموذج الكامل لتطبيق الدين.
ومن حق الصحابة على الأمة الإسلامية محبتهم، والاعتراف بفضلهم، والثناء عليهم، والترحم عليهم والدعاء لهم، وعدم الاعتقاد بعصمة أحد من الصحابة لأن العصمة لم تثبت إلا للنبي، والصحابة بشر يُخطئون ويصيبون، والكف عن الخوض فيما حصل بينهم من خلاف لأن أكثر ما يُنسَب إليهم هو كذب واختلاق ونفاق، والحذر من سب أي صحابي أو لعنه فهو ظلم وإجرام بحق الصحابي، لأن في تكذيب الصحابي تكذيب لله عز وجل في تزكية الصحابة والثناء عليهم وطعنٌ في النبي.[١]
ما حكم سب الصحابة؟
إن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم هم خير هذه الأمة وأفضلها، وقد أثنى عليهم الله تعالى ورسوله الكريم في عدّة مواضع، فقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}[٢]، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن سب الصحابة في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة، فعن أبو سعيد الخدري عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [لا تَسُبُّوا أصْحابِي، فلوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ، ولا نَصِيفَهُ][٣]، فحكم مَن سبَّ الصحابة أنه مكذب لله ورسوله، فيجب أن يكون على علم بذلك، وأن تقام عليه الحُجّة، فإذا تاب ورجع عن ذلك فالله تواب رحيم، وإن تمادى في سب وقذف الصحابة على الرغم من معرفته وعلمه أنه مكذب وضال فحكمه أنه كافر مضل، وهذا حكم مَن سبَّ جميع الصحابة.
وأما مَن سبّ أحد الصحابة دون غيره كأن يسب عائشة أم المؤمنين أو أبو بكر أو عمر رضي الله عنهم أو غيرهم من الصحابة فإنه مطعونٌ بعدالته بل هو مكذب ومخالف ومنكر لأوامر الله تعالى في حب الصحابة وتعظيمهم، وقال الإمام أحمد بن حنبل فيما يتعلق بمن سب أحد الصحابة: "ما أراه على الإسلام"، وأما مَن سبَّ من تواترت النصوص بفضله أو لم تتواتر النصوص بفضله كوصفه بالجبن أو البخل أو غيرها فلا يكفّر لمجرد ذلك لعدم إنكاره شيء أتت به النصوص الشرعية، ولكنه يكون قد أتى ما يوجب تأديبه وتعزيره.[٤]
ماذا يترتب على من سب الصحابة؟
إن من أقبح أسباب السب التي قد يقع بها الشخص أن يقذف إحدى أمهات المؤمنين، فقذف أمهات المسلمين أو الوقوع في أعراضهن هو انتقاص ومسبّة للرسول صلى الله عليه وسلم، وسب أي أحد من أمهات المؤمنين أو الصحابة هو اتهام للنبي بأنه لم ينجح في دعوته، ولم يحقق البلاغ المبين، فقد قال جمهور من الفاسقين أن الصحابة ارتدوا بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، فالطعن في الصحابة هو طعن في الدين، وإبطال للشريعة ومبادئها السّمحة، وهدم لكل ما يدعو له الدّين،[٥]وهناك عدّة أقوال للعلماء فيما يترتب على من يسب الصحابة، تعرف عليها فيما يلي:[٦]
- ابن تيمية: قال ابن تيمية أن من سبَّ أحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من أهل بيته فيُضرب ضربًا شديدًا مبرحًا، ولكنه لا يُكَفَّر ولا يُقتَل.
- إسحاق بن راهوية: قال أن من شتم أو سبّ أصحاب النبي يعاقب ويُحبس.
- ابن أبي موسى: قال أنه من سب الصحابة والسلف الصالح، ومن رمى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فإنه لا يُزوَّج وهو ليس بكفء، فهو مارق من الدين ولا ينعقد له نكاحٌ على مسلمة إلا إذا تاب وأظهر توبته.
- عمر بن عبد العزيز: قال أن من سبّ الصحابة أو أي أحد منهم فيُعاقب بجلده بالسوط، ولا يُقَتل إلا من سب الرسول صلى الله عليه وسلم.
- الإمام مالك بن حنبل: قال أن من سب الصحابة يجب تأديبه وجلده، وأما من سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يُقتَل.
- عبد الملك بن حبيب: قال أن عقوبة من يُبغِض الصحابة أو يسبهم، هو ضربه مع التكرار، وسجنه حتى يموت، ولكن لا يجب قتله إلا إذا سبَّ النبي.
- القاضي أبو يعلى: قال أنه من كان مستحلاً لسب الصحابة فهو كافر، وأما إذا لم يكن مستحلًا فهو فاسق وليس كافر.
مَعْلومَة
من هو الصحابي؟ الصحابي هو مفرد الصحابة، والصحابي هو كل من لقي الرسول صلى الله عليه وسلم أو رآه ومات وهو مؤمن به وبرسالته، ويدخل في تعريف الصحابة؛ الخلفاء الراشدين، وزوجات النبي أمهات المسلمين، وأقرباؤهم المسلمون الهاشميون، وكل من لقي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن به وثابت على إيمانه حتى لقي وجه ربه وهو على هذه الحال، فالصحابة هم كل من صحب النبي، فإنه يحصل لهم بصحبته درجة لا تحصل لغيرهم، ومكانة لا تليق إلا بهم، ولم يبلغ أحد منزلة أو مكانة كالمكانة التي أدركها الصحابة بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا مقام ولا رتبة أعلى ولا أشرف من رتبة ومقام الصحابة الذين ارتضاهم الله تعالى لصحبة نبيه، سيد الناس، وخاتم النبيين، وأشرف المرسلين، والمبعوث رحمة للعالمين، فالصحابة هم خير الناس بعد المرسلين والنبيين علمًا وعملاً وتصديقًا، وقد أخبر الله تعالى عن فضل أصحاب نبيه، وشهد لهم بالصلاح والتقوى وكمال الظاهر، ووعدهم بجنات ومغفرة وأجر عظيم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الصحابة هم أول من يدخل الجنة بل هم أكثر أهل الجنة، وأنه لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا كافر منافق.
وقد اختص الله تعالى صحابته من القرون والأمم السابقة بالسبق في دخول الإسلام، والسبق في نصرة النبي، والجهاد لإظهار دينه وتبليغه للناس كافة، فهم أول من جاهد في سبيل الله تعالى، وأول من دعا إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، فدخل الصحابة التاريخ من أوسع أبوابه، ونالوا المجد بكل أسبابه بالسبق في دخول الإسلام، والصبر، والهجرة، وحُسن الإيواء، ونصرة النبي، والجهاد، وتبليغ الدين، والذكر الحَسَن، فخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة، والمسلمون الذين اتبعوهم بإحسان، فالصحابة هم خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم الذين حض النبي أمته على اتباعهم والسير على خطاهم.[٧]
المراجع
- ↑ الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر، "منزلة الصحابة في الدين"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.
- ↑ سورة الفتح، آية:29
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:3673، صحيح.
- ↑ "حكم من سب الصحابة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.
- ↑ "سب الصحابة رضي الله عنهم"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.
- ↑ سعد بن عبد الله الحميد رابط المادة، "حكم من سب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رابط المادة"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.
- ↑ الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر، "منزلة الصحابة في الدين"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.