محتويات
تعريف الستر لغةً واصطلاحًا
الستر في اللغة يعني تغطية الشيء، فستر الشيء يستره سترًا أي أخفاه وتستر عليه، فقد ورد الستر في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: [أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رأى رجلًا يغتسلُ بالبرازِ بلا إِزارٍ فصعدَ المنبرَ فحمدَ اللهَ وأثْنى عليهِ ثم قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الحياءَ والسِّتْرَ فإذا اغتسلَ أحدُكم فليستَتِرْ]،[١]، أما الستر في الاصطلاح فهو سترًا يتعلق بالمسلم أي تغطية ما عيبوبه، وفي تعريف ابن حجر للستر المستمد من الحديث من ستر مسلمًا، أي رآه في مشهد قبيح ولم يظهره، ولكن هذا لا يعني تركه دون إنكار ذلك عليه فيما بينهما، فالستر يأتي في معصية قد انتهت، في حين الإنكار في معصية كان العاصي متلبس بها، وعليه فالستر في الأمور التي لا تجلب الأذى والفساد، فليس المقصود أن من يرى شخصًا يسرق ويؤذي الآخرين أن يخفي ذلك فهذا لا يدخل في باب الستر، ولكن لو أن هذا الرجل مستقيمًا في الظاهر ثم ارتكب ما لا يحل فالستر هنا مطلوب، وعليه فالستر مرتبط بالمصلحة العامة، ويكون فيما لا يتبعه ضرر بالآخرين، في حين الستر يأتي في باب الأمور التي لا تجلب الضرر ولا يترتب عليها مفسدة [٢].
حَديث من سَتَر مُسلمًا
جاءت الأحاديث النبويّة الشريفة مكملةً للقرآن الكريم لتوضّح وتفسّر ما جاء فيه وتعلّم المسلمين شؤون دينهم وتوجههم للأخلاق الحسنة، ولما فيه خير وصلاح هذه الأمّة، فاختلفت المواضيع حتى اشتملت على جميع نواحي الحياة، ومن المواضيع المهمّة موضوع الستر على المسلمين، فإن رأى أحدُهُم معصيّةً لمسلمٍ أو مسلمةٍ ستره ولم يفضحه، وقد حثّنا الرسول الكريم على ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: [مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ، وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ، وَمَن بَطَّأَ به عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ. غيرَ أنَّ حَدِيثَ أَبِي أُسَامَةَ ليسَ فيه ذِكْرُ التَّيْسِيرِ علَى المُعْسِرِ]،[٣].
معنى حديث من ستر مُسلمًا
الستر في الحديث الوارد أعلاه هو عام، ويشمل سترًا حسيًا ومعنويًا، ويقدر العلماء بأن الستر المعنوي أهم وأعظم، فالستر الحسي يكون بأن ترى شخصًا عاريًا فتغطيه من مالك، أو تعطيه نقودًا يكسي نفسه ويستر جسده، ولكن الأعظم هو أن تستر عورته في دينه عند ارتكابه معصيةً، إذ لا يجب فضحه وخزيه في الدنيا، فبسترك لأخيك عند ارتكابه معصيه ونصحه وتحذيره من معاودة ارتكابها وعدم الإفصاح للناس عنها ستكون قد فزت بثواب كبير عند الله مصداقًا لقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}،[٤]، كما أن الجهر بالسوء والقول به لا يحبه الله تعالى، لما له من دورًا كبيرًا في نشر الرذيلة بين أفراد المجتمع، فقال الله تعالى :{لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ}،[٥]، كما أن الرسول صلى عليه وسلم بين للمسلمين أن باب التوبة مفتوحًا لعباد الله، فقال: [إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا]،[٦]، فالله عز وجل يقبل توبة عبده فمن باب أولى للعبد أن يتقبل الستر في الدنيا على أخيه المسلم[٧].
كيفية الستر
كما ذكرنا آنفًا فأن للستر وجوه متعددة يستر فيها المسلم أخيه المسلم، سواءً أكان سترًا ماديًا أو حسيًا أو معنويًا، وفيما يأتي أوجه الستر[٨]:
- الستر على ذنب الدنيا: يرجح العلماء بأنه من المندوب ستر المسلم لأخيه المسلم، فمن اطلع على عيب أو ذنب أو عمل فاجر لمؤمن من ذوي الهيئات (الذين لهم مناصب وشأن) أو أمثالهم، ولم يشتهروا بالفساد والشر والأذى فمن المستحب سترهم، إذ أوصى الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بذلك، ويخص العلماء الستر ممن هم من أهل الدين، فالطعن فيهم هو طعن في الإسلام، وما يعيبهم يعيب أهل الإسلام، إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روته عائشة :[أَقِيلوا ذوي الهيئاتِ عثَراتِهم، إلَّا الحدودَ][٩].
- أن يستر المسلم على مَن غسَّله من الأموات: كما جاء في الحديث الشريف:[من غسلَ ميتًا فكتم عليه غفر اللهُ له أربعين مرةً ومن كفن ميتًا كساه اللهُ من سندسِ وإستبرقِ الجنَّةِ ومن حفر لميتٍ قبرًا فأجنَّهُ فيه أجرى اللهُ له من الأجرِ كأجرِ مسكنٍ أسكنه إلى يومِ القيامةِ][١٠].
- الستر في عدم تتبع العوارات: وهي علامة نفاق وتدل على أن الإيمان ضعيف في قلب المسلم الذي يكون جل اهتمامه أن يبحث عن عيوب الآخرين، فالأصل في المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فتتبع العورات يأتي من باب البحث عنها أي عدم أخذ الأسباب للستر.
- الاخلاص في النية: أي أن من يستر عيبًا لأخيه لا بد له أن ينصحه ابتداءً، كما ويجب أن لا يتخذ هذا الأمر ليعاير فيه أخيه ويذكره فيه كلما رآه.
حُكم الستر على المُسلم
يعد الستر على المُسلمين من فضائل الأعمال، فقد قالوا الفقهاء باستحباب الستر، ومنهم من قال بوجوبه وهو المرجح، ففي الموسوعة الفقهية جاء: "وَمِنَ الْمُقَرَّرِ شَرْعًا: أَنَّ السَّتْرَ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ لِمَنْ لَيْسَ مَعْرُوفًا بِالأْذَى وَالْفَسَادِ، فَقَدْ قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَل يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَال فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا السَّتْرُ فِي غَيْرِ الْمُشْتَهِرِينَ، وَقَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِذَا رَأَيْتَ إِنْسَانًا عَلَى مَعْصِيَةٍ فَعِظْهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَلاَ تَفْضَحْهُ"[١١].
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن يعلى بن أمية، الصفحة أو الرقم: 7/367 .إسناده صحيح.
- ↑ "ما المقصود بالستر في حديث: من ستر مسلما..."، islamweb، 9-11-2011، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2699 .[صحيح].
- ↑ سورة النور، آية: 19.
- ↑ سورة النساء ، آية: 148.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبو موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 2759 .صحيح.
- ↑ "معنى حديث "من ستر مسلماً ستره الله..""، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
- ↑ محمد الطايع (14-3-2010)، "ستر المسلم"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه صلاح الدين العلائي، في النقد الصحيح، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 35، حسن.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 3492، صحيح.
- ↑ "الستر على المسلم ..استحباب أم وجوب أم حرمة"، islamweb، 20-11-2011، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019.