مفهوم الصدقة الجارية

مفهوم الصدقة الجارية
مفهوم الصدقة الجارية

الصدقة الجارية

الصّدقة الجارية هي التي تبقى مدة طويلة من الزمن، كبناء مسجد، وحفر بئر، وأما الصّدقة التي لا تبقى فهي الصّدقة على فقير بالمال أو بالطعام، وهذه وإن كانت صدقة ولها أجرها وثوابها إلا أنها ليست من الصدقات الجارية؛ لأنها لا تدوم إلى الأبد، فالصّدقة الجارية تبقى مستمرة بعد وفاة الشخص وتستمر حسب التيسير، وتقتصر الصدقة الجارية على ما جاء في الحديث النبوي الشريف عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [إذا مات الإنسانُ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ؛ صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتَفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدْعو له][١].[٢]

فمن أشكال الصدقة الجارية التصدّق بمردود بيت، فإذا صرفتَ أجرته على أعمال الخير فهذه صدقة جارية، وفي الصّدقة على الفقراء، وفي مساعدة طلبة العلم، ومن الصّدقات الجارية؛ الحج، والعمرة، والأضاحي، كلها من الصّدقات الجارية، وإذا كان لك أرض وتبرعت بها لبناء مسجد أو مدرسة أو مكان علم لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلم الشرعي فهي صدقة جارية، وأما العلم النافع الوارد في الحديث وهو أيضًا من الصدقات الجارية ومثاله نفع الناس بالعلم مثل؛ الإفتاء والتذكير والتعليم وترك مؤلفات مفيدة للأجيال القادمة ونحو ذلك، والولد الصالح هو الولد الذي أحسن والداه تربيته، فتعود عليهما فضائل هذه التربية بعد موتهما من جرّاء دعاء هذا الولد لهما، فلا ينقطع عملهما من الدنيا وتبقى صدقة جارية لهما مدى الحياة.[٣]


ما فضل الصدقة الجارية؟

ورد عدد من الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة التي تبيّن فضل الصّدقة الجارية، فقال الله سبحانه وتعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[٤]، وفي الحديث النبوي الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [ما مِن مُسلِمٍ يتصَدَّقُ بصَدَقةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولا يَصعَدُ إلى السَّماءِ إلَّا طَيِّبٌ، إلَّا كأنَّما يَضَعُها في كَفِّ الرَّحمنِ عزَّ وجلَّ، فيُرَبِّيها كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّه، أو فَصيلَه، حتى إنَّ التَّمرةَ لَتَعودُ مِثْلَ الجَبَلِ العَظيمِ][٥]،[٦]ومن أهم فضائل الصّدقة:[٧]

  • الصّدقة تُطفئ غضب الله سبحانه وتعالى.
  • الصّدقة تمحو الذنوب والخطايا كما تطفئ الماء النار، كما ورد في الحديث الصحيح عن معاذ بن جبل عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [والصَّدقةُ تُطفِئُ الخطيئةَ كما يُطفِئُ الماءُ النَّارَ][٨].
  • الصّدقة وقاية لك وإبعادًا لك عن النار وجحيمها.
  • المتصدّق يستظلّل في ظلّ صدقته يوم القيامة بغض النظر عن نوع الصّدقة التي تصدقتها قليلة كانت أم كثيرة.
  • الصّدقات دواء لآلام القلب وأمراض الجسد والرّوح.
  • الصّدقة هي نوع من دفع البلاء والوباء عن نفسك وعن أسرتك.
  • المسلم لا يصل إلى حقيقة البرّ إلا بالصّدقة.
  • أنّ المنفق على الصّدقات يدعو له الملك بخلاف المُمسك الذي يدعو عليه المَلك لقلة صدقته وإمساكه.
  • يبارك الله تعالى للمُتَصدّق في ماله وولده.
  • المُتصّدق يدعوه الله تعالى يوم القيامة من باب يُُدعى باب الصّدقة.
  • يُضاعف الله تعالى للمُتصدّق حسناته، قال سبحانه وتعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[٩].


صور الصدقة الجارية

أفضل الصدقات الجارية هي ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه، ففي الحديث النبوي الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [سبعٌ يَجري للعبدِ أجرُهُنَّ ، و هوَ في قَبرِه بعدَ موتِه : مَن علَّمَ علمًا ، أو أجرَى نهرًا ، أو حفَر بِئرًا ، أوغرَسَ نخلًا ، أو بنَى مسجِدًا ، أو ورَّثَ مُصحفًا ، أو ترَكَ ولدًا يستغفِرُ لهُ بعد موتِه][١٠]، وتفصيل أنواع وصور هذه الصّدقات هي:[١١][١٢]

  • بناء مسجد: وهي من أفضل الصّدقات التي من الممكن أن يتصدّق بها المؤمن.
  • نشر العلم الشرعي: عن طريق توزيع المصاحف والكتيبات والإسطوانات وإيصالها لأكبر عدد ممكن من الناس.
  • حُسُن تربية الأولاد: فمن أحسن تربية أبنائه، وأحسن تعليمهم سيكونوا له حجابًا من النار، لذلك عليك الحرص على تربية أبنائك تربية إسلاميّة وشرعيّة وفق تعاليم الدين الإسلامي، ففي الحديث النبوي الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [إنَّ الرجُلَ لَتُرْفَعُ درجتُهُ في الجنةِ فيقولُ : أنَّى لِي هذا ؟ فيُقالُ : بِاستغفارِ ولَدِكَ لَكَ][١٣].
  • إطعام الطعام: ولا يُشتَرَط أن يكون التصدّق بالطعام على القريب فقط، وإنما على جميع الفقراء والمحتاجين.
  • سقي الماء: فالماء من أفضل الصّدقات الجارية التي يمكنك إهداؤها لروح أمواتك ومن تحب، ففي الحديث النبوي الشريف عن سعد بن عبادة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [أفضلُ الصدقةِ سقيُ الماءِ][١٤].
  • حفر الآبار: فبما أنّ سُقيا الماء هي من أفضل الصّدقات، فيمكنك القيام بذلك عن طريق حفر الآبار وإيصال الماء للأشخاص المحتاجين له.


قد يُهِمُّكَ: الصدقة الجارية عن الميت

الصّدقة الجارية عن الميت مشروعة بل ومفيدة للطرفين؛ المُتَصَدّق والمُتَصَدّق له، ففي الحديث النبوي الشريف عن عائشة أم المؤمنين قالت: [أنَّ رَجُلًا أَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تُوصِ، وَأَظُنُّهَا لو تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَلَهَا أَجْرٌ، إنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ][١٥]، فالحديث يدل على أنّ الصّدقة تنفع الميت وتصل له، ويحصل الحي الذي تصدّق على نفس الأجر الذي يُحصّله الميت من الصّدقة؛ لأنه مُحسن متبرع بماله وجهده، فإذا حجيتَ عن أمك أو أبيك المتوفين فلك أجر ولأمك وأبيك الأجر أيضًا، فالمؤمن بتقديمه للصدقة عن والديه يحصل على الأجر العظيم والثواب الكبير من ذلك، ولأن الصدقة الجارية للمؤمن بعد موته إنما هي من جراء عمله في الحياة الدنيا، فعمل المؤمن لا ينقطع في الحياة الدنيا في ثلاث حالات؛ علم ينتفع به، وولد صالح يدعو له، وصدقة جارية، كما جاء في الحديث النبوي الشريف عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [إذا مات الإنسانُ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ ؛ صدقةٍ جاريةٍ ، أو علمٍ يُنتَفَعُ به ، أو ولدٍ صالحٍ يدْعو له][١].

والدّعاء أيضًا فيه خير عظيم وأجر كبير يصل للميت ولكنه لا يحل بأي حال من الأحوال مكان الصدقة الجارية، فالصدقة مشروعة والدّعاء مشروع، ولكن الفرق بينهما باستمراريّة الأجر، فالصدقة الجارية سمّيت جارية لاستمراريّة وديمومة أجرها، ولكن الدّعاء آني فمتى ما انقطع دعاؤك عن ميّتك فلن يصل له أجر، وبأي حال من الأحوال فالصدقة والدّعاء للميت مطلوبان فلا يُغني أي منهما عن الآخر، ولا يقتصر الدعاء والصدقة الجارية عن الميت القريب مثل الأب والأم والأخ والأخت، فقد تكون عن أحد الأصدقاء أو أحد الأقارب أو حتى الجيران، فلا تُشترط القرابة لوصول الصدقة للميت، فالصدقة الجارية من أفضل ما يُمكنك أن تهديه لأهلك وأحبابك وأقاربك، وفي نفس الوقت سيصلك الأجر بإذن الله تعالى على ما تصدقت به في حياتك الدنيا.[١٦]


المراجع

  1. ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم: 793 ، صحيح.
  2. "ما هي الصدقة الجارية؟ وما الذي يصل الميت من أعمال الحي؟"، الاسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 21/1/2021. بتصرّف.
  3. "معنى (الصدقة الجارية، والعلم الذي ينتفع به)"، ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 21/1/2021. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية:245
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم:9565 ، صحيح .
  6. "حكم إخراج زكاة الفطر بعد خروج وقتها"، نداء الإيمان، اطّلع عليه بتاريخ 21/1/2021. بتصرّف.
  7. "الصدقة.. فضائلها وأنواعها "، طريق الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 21/1/2021. بتصرّف.
  8. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:2/107، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما .
  9. سورة البقرة، آية:245
  10. رواه السيوطي، في الجامع الصغير ، عن أنس ، الصفحة أو الرقم:4627، خلاصة حكم المحدث صحيح.
  11. "ما هي الصدقة الجارية؟ وما الذي يصل الميت من أعمال الحي؟"، الاسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 21/1/2021. بتصرّف.
  12. "الصدقة.. فضائلها وأنواعها "، طريق الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 21/1/2021. بتصرّف.
  13. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم:1617، خلاصة حكم المحدث صحيح.
  14. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن سعد بن عبادة، الصفحة أو الرقم: 1255، خلاصة حكم المحدث صحيح .
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1004، خلاصة حكم المحدث صحيح.
  16. "الصدقة مفيدة للميت والمتصدق"، ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 21/1/2021. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :