التوبة
تعرف التوبة بأنها الندم والرجوع عن فعل ما أو ذنب معروف بأن فيه معصية لله تعالى، وهي ترك الذّنب مخافةً لله والعزم على عدم الرجوع إليه والرغبة بطاعة الله عز وجل، وأصل كلمة التوبة هي من تاب، أو ثاب، أو أناب، وتعني الرجوع إلى الله تعالى العطوف الرحيم الذي يقبل التوبة مهما كان الذنب عظيمًا، فهو التواب على عباده، وهي الهداية والوقاية من اليأس والقنوط كما جاء في السنة النبوية في العديد من الأحاديث، وإن التوبة النصوح تُقبل ما دام باب التوبة مفتوحًا، وباب التوبة مفتوح حتى طلوع الشمس من مغربها.[١]
شروط التوبة النصوح
إن للتوبة النصوح العديد من الشروط التي يجب توفرها لقبولها بإذن الله، ومن هذه الشروط:[٢]
- الإقلاع عن المعصية وتركها تمامًا والابتعاد عنها وعن أصحاب السوء، والإكثار من الاستغفار، ويجب بعد التوبة مجاهدة النفس لعدم تكرار فعل المعصية.
- العزم على عدم الرجوع إلى المعصية مطلقًا بصدق وقوة، فمن عزم وتاب واستطاع غلب نفسه عن المعصية تاب الله عليه، وكانت توبته صحيحة.
- الندم على الفعل؛ فما دام العبد يذنب ويتوب فإن الله سيغفر له، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [الندم توبة] [٣].
- طلب السماح من الشخص إن كانت المعصية بحق عبد من العباد؛ كالاعتداء بالضرب، أو السرقة، أو أكل مال اليتيم ظلمًا، فيجب الاعتراف بالذنب للشخص المُتأذي، وطلب السماح منه، ومحاولة إصلاح الذنب، كرد المال لصاحبه، أو استرضاء المظلوم، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مَن كانت عندَه مَظلَمةٌ لأخيه مِن عِرضِه ومالِه فلْيستحِلَّه اليومَ قبْلَ أنْ يأخُذَه به حينَ لا دينارَ ولا درهمَ] [٤].
- التوبة قبل الغرغرة، فالغرغرة هي بلوغ الروح الحلقوم والموت، فبعد الوصول إلى هذا الحد لا تقبل التوبة، فمن كان على كفر ومات لا تقبل توبته إن بلغ الحد المذكور.
- الإكثار من أعمال البر، فإن أصحاب الحقوق قد يطالبونه بها يوم القيامة، والله حكَم عدل فقد يوفيهم إياها من حسناته، فعليه أن يكثر من عمل الخير والحسنات.
صلاة التوبة
أجمع أهل العلم على مشروعية صلاة التوبة، فعن أبي بَكْرٍ الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ] [٥]. وعن أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا (شك أحد الرواة) يُحْسِنُ فِيهِمَا الذِّكْرَ وَالْخُشُوعَ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، غَفَرَ لَهُ)] [٦]، وسبب صلاة التوبة هو وقوع المسلمِ في معصية سواء أكانت كبيرة أو صغيرة، فيجب عليه أن يتوب منها فورًا، ويندب له أن يصلي هاتين الركعتين، إذ يعمل عند توبته عملًا صالحًا وهو هذه الصلاة، فيتوسل بها إلى الله تعالى رجاء أن تقبل توبته وأن يغفر له ذنبه، ويستحب آداء هذه الصلاة عند عزم المسلم على التوبة من الذنب الذي اقترفه، سواء أكانت هذه التوبة بعد فعله للمعصية مباشرة أو متأخرة عنها، فالواجب على المذنب المبادرة إلى التوبة، لكن إن أخّرها قبلت.
وتشرع هذه الصلاة في جميع الأوقات لأنها من الصلوات التي لها سبب، فتشرع عند وجود سببها، فيصلي التائب ركعتين ويستغفر الله تعالى، ويستحب له أن يجتهد في عمل الصالحات، لقول الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [٧]، وومن أفضل الأعمال الصالحة التي يفعلها التائب، الصدقة، فإن الصدقة من أعظم الأسباب التي تكفر الذنب، قال الله تعالى: [إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ][٨]. [٩]
أمور تُعين على التوبة
توجد العديد من الأمور التي تعين العبد التائب على تحمل التوبة، من أهمها: [١٠]
- اليقين بأن التوبة من أسباب محبة الله تعالى له، قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [١١]، ومحبة الله هي من أعظم النعم، وأكبر المنح أن يكون العبد ممن يحبهم الله جل جلاله.
- إن التّوبة تُشير إلى أن الله تعالى أراد بالتّائب خيرًا.
- أن يستشعر التّائب أن حياته بعد التوبة ستكون حياة جديدة ومختلفة، إذ سيجد فيها عز الطاعة بعد أن ذاق ذلّ المعصية، وسيشعر بطمأنينة في قلبه، وانشراح في صدره بعد أن كان فاقدًا لها.
- استشعار التّائب أن الله الكريم يفرح بتوبته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن أَحَدِكُمْ إِذَا اسْتَيْقَظَ علَى بَعِيرِهِ، قدْ أَضَلَّهُ بِأَرْضِ فلاةٍ][١٢]، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: في هذا الحديث إثبات الفرح لله عز وجل ولكنه ليس كفرح المخلوقين بل فرح يليق به جل وعلا، ويستفاد من هذا الحديث كمال رحمته عز وجلَّ ورأفته بعباده، فالله تعالى يحب رجوع العاصي إليه، وإذا علم العاصي أن الله يفرح بتوبته هذا الفرح لا بد أنه سيحرص غاية الحرص على التوبة.
المراجع
- ↑ "كيف أتوب ؟"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.
- ↑ "خمسة شروط للتوبة الصادقة"، islamweb، 2006-11-20، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن معقل، الصفحة أو الرقم: 5/194، خلاصة حكم المحدث:إسناده صحيح
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 7361، خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أبو بكر الصديق، الصفحة أو الرقم: 2/385، خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبو الدرداء، الصفحة أو الرقم: 3398، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح بنحوه
- ↑ سورة طه، آية: 82.
- ↑ سورة البقرة، آية: 271.
- ↑ "صلاة التوبة"، islamqa، 2007-3-6، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.
- ↑ "عصرة التوبة ولذة الإنابة إلى الله"، islamway، 2019-9-3، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 222.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2747، خلاصة حكم المحدث : [صحيح]