التوبة
التوبة لغة تعني الرجوع، أما اصطلاحًا فهي الرجوع عن المعصية والندم عليها والعودة إلى رضوان الله وطاعته، وقد بيّن الإسلام جميع الأمور التي تواجه المسلم في حياته، ومنها التوبة؛ فجعل لها شروطًا وكيفيّةً، وذلك ليعود إليها المسلم ويطبقها متى احتاج إلى ذلك، ولو لم يكن الإنسان خطّاءً بطبعه لما جعل الله في الشريعة الإسلامية التوبة، فالله عز وجل أخبر بما خلق، وجاءت الشريعة الإسلامية موافقة لطبيعة الإنسان، ومتلائمة مع احتياجاته.
كيفية التوبة
لتصحّ توبة العبد لله عز وجل يجب أن تكون مراعية للشروط الآتية:
- الإخلاص؛ ويعني أن يكون هدف التوبة ابتغاء وجه الله تعالى وطلب العفو منه وليس ابتغاء شيء من أمور الدنيا، فكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "إنما الأعمال بالنيات " (رواه البخاري).
- الندم على المعصية؛ فلا تكتمل التوبة إلا إذا شعر المسلم بالندم على فعل تلك المعصية.
- الإقلاع عن المعصية وتركها؛ فإن كانت في حق الله تركها مباشرةً، وإن كانت في حق الناس يجب إعادة الحقوق إلى أصحابها أو طلب السماح منهم كي تكون التوبة مقبولةً عند الله تعالى.
- العزم على عدم العودة إلى تلك المعصية مرة أخرى؛ فإن كان في قرارة نفسه يريد أن يعود للذنب ويحب فعله فلا تكون توبته مقبولة، لأن العزم على ترك المعصية أحد شروط التوبة، ولا تكتمل إلا بها.
- التوبة في وقتها؛ فلا تكون التوبة بعد فوات أوانها أي عند الموت كما فعل فرعون أو بعد خروج الشمس من مغربها، إذ يقول الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآْنَ} سورة النساء.
الرجوع إلى الذنب بعد التوبة
قد يتوب المسلم، وتكون توبة استوفت شروطها، إلا أنه يعود إلى الذنب مرة أخرى، ومع ذلك فإنّ الله عز وجل منّ على المسلم بأن جعل باب التوبة مفتوحًا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" (رواه مسلم)، فالله يحب أن يعود له العبد بعد كل ذنب فكل ابن آدم خطاء وخير الخطّائين التوابون.
ولنا في خير خلق الله أسوة حسنة فقد غُفِر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ومع ذلك كان يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة وفي رواية أكثر من مئة مرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" (رواه البخاري).
ويمكن استحضار قول ابن الجوزي في هذا السياق: "إذا وجدت في قلبك ظُلمة بعد معصية ارتكبتها، فاعلم أن في قلبك نورًا لولاه ما وجدت تلك الظلمة".
