محتويات
الحياة في القبر
يُطلق على الحياة في القبر اسم البرزخ، والبرزخ في اللغة هو الحاجز بين شيئين[١]، وقد قال تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ}[٢]، وفي الاصطلاح؛ الحياة التي تأتي بعد موت الإنسان، وهي الفترة بين خروجه من الدنيا ودخوله إلى الآخرة، قال جل وعلا: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[٣]، وقال المفسرون إنّ البرزخ هنا، بمعنى الحاجز بين البعث والموت أو الزمان الذي بين الموت والبعث.
كما اتفق العلماء على حقيقة سؤال الملكين وفتنة القبر بعد الموت؛ فإنّ كل إنسان سيُسأل بعد موته سواء دُفن في قبر أو بحر، وسيُجازى بالخير أو الشر كلٌ حسب عمله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: [فتُعادُ رُوحُه في جسَدِه، فيَأتيهِ مَلَكانِ، فيُجلِسانِه، فيقولانِ: مَن ربُّكَ؟ فيقولُ: ربِّيَ اللهُ، فيقولانِ: وما دِينُكَ؟ فيقولُ: ديني الإسلامُ، فيقولانِ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكم؟ فيقولُ: هو رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيقولانِ: وما يُدرِيكَ؟ فيقولُ: قرَأْتُ كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ فآمَنْتُ به وصدَّقْتُ...][٤]
وقد ثبت عذاب القبر ونعيمه بالاعتماد على الأدلة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية فقد قال تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}،[٥] ومن السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم: [أنَّهُ مَرَّ بقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ].[٦][٧]
هل يتزاور أهل القبور؟
ذكر أهل العلم أنّ الموتى من المنعمين يتزاورون أمّا غيرهم فلا، قال ابن القيم: (أَن الْأَرْوَاح قِسْمَانِ: أَرْوَاح معذبة، وأرواح منعمة. فالمعذبة فِي شغل بِمَا هي فِيهِ من الْعَذَاب عَن التزاور والتلاقي، والأرواح المنعمة الْمُرْسلَة غير المحبوسة، تتلاقى، وتتزاور، وتتذاكر مَا كَانَ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا، وَمَا يكون من أهل الدُّنْيَا).
وقد بيّنت الأحاديث الشريفة أنّ أرواح المؤمنين في البرزخ تتلاقى، وأنّهم يستقبلون من يأتي من بعدهم، ويسألونهم عن أهل الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: [إذا حضر المؤمنُ، أتتْه ملائكةُ الرحمةِ بحريرةٍ بيضاءَ، فيقولون : اخرُجي راضيةً مرضيًا عنك، إلى رَوْحٍ وريحانٍ وربٍّ غيرِ غضبانٍ، فيخرج كأطيبِ رِيحِ المسكِ ؛ حتى إنه ليناولَه بعضُهم بعضًا؛ حتى يأتوا به بابَ السماءِ، فيقولون : ما أَطيبَ هذا الريحِ التي جاءتْكم من الأرضِ ! فيأتون به أرواحَ المؤمنين، فلهم أشدُّ فرحًا به من أحدِكم بغائبِه يقدُم عليه، فيسألونه : ماذا فعل فلانٌ ؟ ماذا فعل فلانٌ ؟ فيقولون : دَعوه فإنه كان في غَمِّ الدنيا ...][٨].
وقد قال ابن تيمية: (وَأَرْوَاحُ الْأَحْيَاءِ إذَا قُبِضَتْ تَجْتَمِعُ بِأَرْوَاحِ الْمَوْتَى، وَيَسْأَلُ الْمَوْتَى الْقَادِمَ عَلَيْهِمْ عَنْ حَالِ الْأَحْيَاءِ، فَيَقُولُونَ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانٌ تَزَوَّجَ. فُلَانٌ عَلَى حَالٍ حَسَنَةٍ، وَيَقُولُونَ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُ: أَلَمْ يَأْتِكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، ذُهِبَ بِهِ إلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، وَأَمَّا أَرْوَاحُ الْمَوْتَى فَتَجْتَمِعُ: الْأَعْلَى يَنْزِلُ إلَى الْأَدْنَى، وَالْأَدْنَى لَا يَصْعَدُ إلَى الْأَعْلَى.)[٩]
هل يشعر أهل القبور بزيارة الأحياء؟
اختلف أهل العلم في كون الميت يعلم بزيارة أهله له أم لا، فقد وردت بعض الأحاديث التي تُؤيد القول الأول؛ وهو أنّ الميت يعلم بهذه الزيارة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: [ما مِن أحدٍ يمرُّ بقبرِ أخِيهِ المؤمنِ كانَ يعرفُه في الدُّنْيَا فيُسَلِّمُ عليهِ إلا عرفَهُ، وردَّ عليهِ السَّلامَ][١٠].
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الميت إذا انصرف المشيعون عنه؛ فإنّه يسمع قرع نعالهم، قال صلى الله عليه وسلم: [أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إنَّ العَبْدَ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ وتَوَلَّى عنْه أصْحَابُهُ، وإنَّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ][١١].
ومن الشريعة أن يُسلم زائر القبر على الميت سلام من يُخاطبونه؛ إذ يقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين)، والخطاب بهذه الصيغة خطابٌ للذين يعقلون ويسمعون، ولو كان غير ذلك لكان الخطاب بصيغته هذه بمنزلة خطاب الجماد والمعدوم.[١٢]، وسواءٌ عرف الميت بالزيارة أم لم يعرف، فالمهم أن يزوره الإنسان ويدعو له؛ وزيارة القبور تُفيد الحي والميت؛ فإنّها تعين الزائر على تذكر الآخرة والموت حتى يكون مستعدًا للقاء الله، وتنفع الميت بترحم الزائر عليه والدعاء له.[١٣]
آداب زيارة القبور
إنّ زيارة القبور سنة رغّب الشرع بها؛ لأنّها تُذكر الإنسان بالآخرة والموت، وذلك يدعو إلى الزهد في الدنيا وعدم الرغبة بها، وتوجد عدة آداب لزيارة القبور منها الآتي:[١٤]
- السلام على المؤمنين، والدعاء لهم، فقد كان النبي إذا خرج إلى المقابر يقول: [السَّلَامُ علَى أَهْلِ الدِّيَارِ، وفي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ، : السَّلَامُ علَيْكُم أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وإنَّا، إنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ].[١٥]
- عدم الجلوس على القبور، وذلك لما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [لأَنْ يَجْلِسَ أحَدُكُمْ علَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيابَهُ، فَتَخْلُصَ إلى جِلْدِهِ، خَيْرٌ له مِن أنْ يَجْلِسَ علَى قَبْرٍ].[١٦]
- ألّا يمشي الزائر على القبر بنعال سبتية؛ وهي النعال المدبوغة بالقرظ، وقد سميت بذلك، لأنّ شعرها قد حُلق وأُزيل، وتعليل ذلك أن هذه النعال لباس لأهل التنعيم والترفّه، الذي يزور القبور ينبغي أن يكون مرتديًا لباس أهل الخشوع والتواضع.
- لا يوجد وقت محدد تُستحب زيارة القبور فيه، كما أنّ تقييد الزيارات بوقت مخصوص على الاستحباب، يُعدّ من المحدثات والبدع.
قد يُهِمُّكَ
يُستحب عند زيارتك للمسجد النبوي أن تزور قبره بعد أن تسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، ثم تصلي ركعتين في المسجد، ثم تتوجه إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام لزيارته، فتقف أمامه وتقول: (السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، صلى الله وسلم عليك وعلى آلك وأصحابك، ويدعو له، يقول: جزاك الله عن أمتك خيرًا، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده)، ثم تسلم على أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنها وتقول لهما: (السلام عليك يا أبا بكر الصديق ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيرًا، السلام عليك يا عمر بن الخطاب ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيرًا ورضي الله عنك) ثم تدعو لهما وتنصرف[١٧]
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى البرزخ"، almaany، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الرحمن، آية: 19-20.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 99-100.
- ↑ رواه البيهقي، في شعب الإيمان، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 1/300، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح.
- ↑ سورة غافر، آية: 45-46.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1361، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ↑ "حياة البرزخ "، islamway، 30-5-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 490، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ↑ "هل الأموات يتزاورون؟ "، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2020، بتصرّف.
- ↑ رواه عبد الحق الإشبيلي، في الأحكام الصغرى، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 345، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1374، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ↑ "هل يعرف الميت من يزوره من الأحياء ؟"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2020. بتصرّف.
- ↑ "حكم "، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2020. بتصرّف.
- ↑ "آداب زيارة القبور، وهل يشعر الميت بمن يزوره ؟"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 975، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 971، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ↑ "الأعمال المستحبة عند زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2020. بتصرّف.