محتويات
تعريف الظّهار
الظّهار بتشديد وكسر الظاء هو مصدر مشتق من كلمة الظّهر، وهي من التصرّفات الجاهليّة التي كانت سائدة بين العرب للفصل بين الأزواج، فيتلفّظ الزوج الذي كره زوجته وأراد أن ينفصل عنها دون أن يطلق سراحها لتتزوّج بغيره بصيغ بعينها، كأن يقول: "أنتَ عليّ كظهر أمّي"، أو استبدال الأم بواحدة من المحرّمات عليه مثل الأخت أو العمّة أو الخالة، ويقاس على هذه القاعدة، والظّهار ليس طلاقًا ففي الطّلاق يحق للمرأة بعد أن تنتهي من عدّتها أن تتزوج رجلًا غير زوجها السّابق، بينما في الظّهار فتكون كالمعلّقة، فلا هي متزوّجة ولا هي مطلّقة، وقد نزل نص شرعي في القرآن الكريم بتحريم الظّهار لما فيه من ضرر معنوي وجسدي على المرأة، بعدما جاءت امرأة للنّبي صلّى الله عليه وسلّم تشكو له ظهار زوجها لها، فنزلت سورة المجادلة لتحريم الظّهار تحريمًا مطلقًا، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}[١] وفي هذا المقال سوف نتعرف على كفارة الظهار وأنواعه وحجمه الشرعي.[٢]
كفّارة الظّهار
إن تلفّظ الرّجل بلفظ الظّهار أو قرن ما بين لفظ الظّهار مع تعليقه بأمر ما يعد مظاهرًا لزوجته، وبما أنّ الظّهار حرام فلا يرتفع إلا بكفّارة مغلّظة لصيانة عقد الزّواج من العبث، حدّدها العلماء حسب النص القرآني بما يلي: تحرير رقبة قبل أن يجامع زوجته أو حتى يمسّها بالتقبيل أو بأي من الممارسات التي تسبق الجماع؛ لأنّها أصبحت محرّمة عليه وأجنبيّة عنه بحكم الظّهار، فإن عجز عن الإتيان بهذه الكفّارة انتقل إلى الكفّارة التالية:[٣]
- صيام شهرين متتابعين، ففي عصرنا هذا لا وجود للرّق أو العبيد، فيصعب على الزوج عتق الرّقبة، عندها ينتقل إلى هذه الكفّارة وهي صيام شهرين متتابعين قبل أن يمس زوجته، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[٤].
- إطعام ستّين مسكينًا إذا عجز الزوج المظاهر عن تحرير رقبة، ومنعه عذر صحّي عن الصّيام شهرين متتابعين، قال الله تعالى: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[٥].
أنواع الظّهار وحكمه الشّرعي
كما بيّنّا في بداية المقال، فإن الإسلام حرّم الظّهار، ومن أقدم على مظاهرة زوجته وجبت عليه الكفّارة، وإن وطأ زوجته أو جامعها قبل الإتيان بالكفّارة فهو آثم وعليه الاستغفار والتّوبة، وألا يعود لوطئها قبل أن يأتي بكفّارة الظّهار، وأمّا الظّهار فنوعان إمّا ظهار مؤقّت بوقت، أو ظهار دائم، ويختلف الحكم الشّرعي لكل منهما، وفيما يلي تفصيل كليهما:[٦]
- الظّهار المؤقّت: كأن يقرن الزوج الظّهار بوقت معيّن أو أمر معيّن، كأن يقول لزوجته مثلًا أنتِ عليّ كظهر أمي أو أختي إن خرجتِ من المنزل، فإن خرجت وقع الظّهار وعليه الكفّارة، وإن لم تخرج لم يقع ويحل له وطء زوجته وليس عليه كفّارة، أمّا إن قال لزوجته أنتِ عليّ كظهر أمّي لأسبوع أو شهر أو سنة أو طوال شهر رمضان إلى آخره يقع الظّهار حتى تنتهي المدّة المشروطة والمتلفّظ بها بصيغة الظّهار، وليس عليه كفّارة باتّفاق العلماء، فعند انتهاء الوقت يزول أثر الظّهار ويحلّ للزّوج مجامعة زوجته دون كفّارة.
- الظّهار المؤبّد: وهنا يبطل عامل الوقت، فهو غير مؤقّت ويتأبّد الظّهار ولا يحل إلا بكفّارة أو يبطل بالاتفاق بموت أحد الزوجين لزوال محل حكم الظّهار، وإن طلّق الرّجل زوجته بعدما ظاهرها وتزوّجت رجلًا غيره ووقع بينهما الطّلاق فلا يحل له إرجاعها ومجامعتها إلاّ بتقديم الكفّارة؛ لأنّ الظّهار قد انعقد موجبًا حكمه وهو الحرمة، فبقي على ما انعقد عليه وهو ثبوت حرمة لا ترتفع إلاّ بكفّارة، وهو القول السّائد عند جمهور المالكيّة، أمّا عند الشّافعيّة فالظّهار ينتهي بموت أحد الزوجين، وإذا طلّق الرجل زوجته قبل أن يمسّها فلا كفّارة عليه، ودليلهم في ذلك أن الكفّارة مرتبطة بالظّهار والعود عنها، أي أن الظّهار لا يثبت بأحدهما، ولأنّ كفّارة الظّهار هي كفّارة اليمين فلا تؤتى كفّارة اليمين إلا بحنثه، وكذلك كفّارة الظّهار لا تُؤتى إلا بالحنث، والحنث فيها هو العزم على وطء الزوجة.
- الظّهار الكنائي: وهو أن يقول الزوج لزوجته أنتِ علي كأمي، فالصيغة هذه تحمل معانٍ عديدة، إما أن يكون القصد كأمه من ناحية الإحترام والحب والكرامة، وإما أن يكون القصد كأمه من ناحية التحريم، فلا يثبت شيء من هذه الاحتمالات إلا بالنية، فإن كانت النية كأمه من ناحية الحب فلم يكن ظهارًا، وإن كانت النية من ناحية التحريم كان ظهارًا، وإن كان قاصدًا الطلاق كان طلاقًا كنائيًا، وإن كان في كلامه شيئًا يكون لاغيًا ويصدق في النية، وهذا الأكثر من ناحية الحنابلة والحنفية والإمامية والشافعية، فالنية هي أصل وأساس كل شيء وكل عمل ينوي الإنسان فعله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ][٧]. [٨]
الفرق بين الظهار والطلاق
لقد تعرفنا سابقًا المقصود بالظهار وأحكامه وكفارته وأنواعه، وهنا سوف نتعرف على الطلاق والمقصود به هو حل بعض النكاح أو أكمله، وهو جائز وذكر ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية وبإجماع المسلمين، والطلاق مكروه عند عدم الحاجة إليه، وأكره الأشياء عند الله تعالى هو الطلاق، إذ لم يحرمه على العباد للتوسعة لهم، ويخص الطلاق أمر العلاقات بين الزوجين في حياتهم الاجتماعية، والذي ينظم هذه الحياة هم الزوج والزوجة، ويمتد هذا الأثر إلى أبنائهم، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[٩]، وعدم تنظيم هذه الحياة يؤدي إلى خلل بالغ يهدم حياتهم، وأخذ تعبير الطلاق من التحرر والانطلاق، ويبنى الزواج على المودة والسكن والتعاطف والحب والكرامة والاهتمام والإحترام والتعاون بين الأزواج، وإذا انعدمت هذه الخصائص بين الأزواج يكون من الصعب الاستمرار فيه، فيكون في هذه الحالة الطلاق وسيلة أرادها الله تعالى لكلا الزوجين، ليرزق كل منهما زوجًا آخر خيرًا من الذي قبله، ويكون الطلاق حرام في حالة أن يطلق الزوج زوجته ثلاث طلقات في كلمة واحدة كأن يقول لها: "أنتِ طالق ثلاثًا"، أو أن يقول لها طالق في ثلاث كلمات وفي مجلس واحد كأن يقول "أنتِ طالق طالق طالق"، فهذه الحالة محرمة بالإجماع، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: [أخبَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن رجُلٍ طلَّق امرأتَه ثلاثَ تطليقاتٍ جميعًا، فقام غَضْبَانَ، فقال: أيُلعَبُ بكتابِ اللهِ وأنا بَيْنَ أظهُرِكم؟!].[١٠]. [١١]
المراجع
- ↑ سورة المجادلة، آية: 2.
- ↑ " كتاب الظهار"، wikisource، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "كفارة الظهار"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 20/10/2019. بتصرّف.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 3.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 4.
- ↑ "انتهاء حكم الظهار"، islamport، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن تيمية ، في مجموع الفتاوى، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 20/223، صحيح.
- ↑ " أنواع الظهار"، almerja، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية: 21.
- ↑ رواه الألباني، في التعليقات الرضية، عن محمود بن لبيد الأنصاري، الصفحة أو الرقم: إسناده صحيح، 243/2.
- ↑ "الطلاق فى الإسلام "، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 20-10-2019. بتصرّف.