محتويات
ما مفهوم العدالة في الفلسفة؟
تُعد العدالة في المساق الفلسفي كواحدة من الأنماط الأخلاقية التي يجب على الأفراد الالتزام به أثناء تعاملهم مع الأخرين، وهي إحدى أساسيات البيئة المجتمعية التي تجعل الأفراد يكسبون ولاء للأخرين ويُحسنون إليهم ويتصرفون معهم بنزاهة، وقد ارتبط مفهوم العدل كثيرًا بمفهوم المساواة، الذي يهتم بتوزيع كل شيئ- سواء أكانت مكافآت أم عقوبات- بشكل عادل بين الجميع، وعلى العموم فإن مفهوم العدالة في الفلسفة قد تباين بين الفلاسفة باختلاف وجهات نظرهم وآرائهم حول هذا الموضوع، وللتعرف أكثر على مفهوم العدالة في الفلسفة، سنوضح لك هذا المفهوم وفقًا لآراء اثنان من أشهر الفلاسفة؛ هما أفلاطون وأرسطو، وعلى النحو الآتي:[١]
مفهوم العدالة عند أفلاطون
تأثر الفيلسوف اليوناني أفلاطون بمفهوم العدالة بشكل كبير من معلمه الفيلسوف اليوناني الكبير سقراط، والذي كانت أهم أسئلته تدور حول طبيعة العدالة ومفاهيمها وكل ما يخصها، مما أدى إلى ترسيخ العدالة في أفلاطون على أنها المبدأ الحقيقي التي يجب أن تقوم عليه الحياة الاجتماعية السليمة، وقد تحدث في أهم أعماله المسمى بال "الجمهورية" عن العدالة، وكان أفلاطون من مناصري العدالة جدًا بسبب رؤيته للدول المقسمة التي انفصلت إلى مدينتين اثنتين، أحدهما فيها الكفاءة والأخرى يشوبها النقص، وهذا أدى إلى وقوف المواطنين ضد بعضهم البعض وانحياز كلٍ منهم إلى منطقته، وبالتالي تفشي الظلم الناتج عن الجهل والأنانية السياسية، وبالمختصر المفيد فإن أفلاطون قد قال بأن العدالة هي فضيلة مهمة مرتبطة بالشجاعة والحكمة وضبط النفس، وهي الرابط الذي يجمع المجتمع معًا. [٢]
مفهوم العدالة عند أرسطو
يعد أرسطو المولود في تراقيا اليونانية من بين أعظم تلاميذ أفلاطون، ومن طلابه الذين شاركوه نفس الفكرة بأن العدالة هي الجوهر الأساسي لقيام دولة عظيمة، وأن نظام الحكم لا يستمر لفترة طويلة إذ لم يُبنى على نظام عدالة صحيح، وقد وضع نظرية خاصة بالعدالة مبنية بجزء كبير منها على أراء أفلاطون حول هذا الأمر، لكن مع الأخذ بعين الأعتبار أن الهدف الرئيسي للإنسان هو الوصول إلى السعادة الحقيقية والتذكير بأن العدل هو أمرٌ نسبي من شخصٍ لأخر، وتوزيعه بين الناس يتوافق مع مقدار القيم لديهم، وتكمن العدالة في الانسجام داخل النفس وقال أرسطو بأن كل فرد عليه الالتزام بالأخلاق الحميدة تجاه الآخرين في المجتمع لتحقيق العدالة.[٢]
المبادئ التي تقوم عليها العدالة
يوصف مفهوم العدالة بأنه التزام الأفراد بالأخلاق الحميدة أثناء تأدية العمل والمنافسة فيما بينهم والإنصاف في توزيع الأحكام، وهو بالطبع مفهوم مرتبط بمفهوم المساواة، ويوجد بعض المبادئ والأخلاقيات التي تُبنى عليها العدالة، خاصة العدالة الإجتماعية، ومن بين هذه المبادئ، ما يلي:[٣]
- الوصول إلى الموارد: يُعد الوصول إلى الموارد أحد المبادئ الأساسية من العدالة الاجتماعية، وتختلف القدرة على الوصول باختلاف ظروف المجتمع ووفقًا لعوامله الاقتصادية والتعليم والتوظيف وبيئته السائدة؛ فمثلًا يؤثر التعليم الجيد على نسبة الأجور وطبيعة الوظائف التي بوسع الفرد الحصول عليها والعكس بالطبع صحيح؛ أي أن عدم توفير تعليم جيد ومنصف وعادل للأفراد سيزيد من البطالة وتدني الأجور وبالتالي الفقر وانحدار المستوى الاقتصادي.
- الإنصاف: يحقق هذا البند العدالة الاجتماعية من خلال توفير فرص متكافئة للأفراد وتوفير موارد بشكل منصف لجميع الأفراد داخل هذا المجتمع، وهذا يظهر بوضوح-مثلًا- عند توفير متطلبات بعض الطلاب المحتاجين إلى المزيد من الدعم والموارد التعليمية لإكمال شهادتهم الجامعية أكثر من طلاب أخرين.
- تسليط الضوء على التنوع: يؤدي هذا الأمر إلى تحقيق العدالة المجتمعية من خلال التركيز على التنوع والاختلافات بين الأفراد في المجتمع وهدم الحواجز بينهم؛ مثل الحد من التمييز في العمل وفقًا للعرق، أو الجنس، أو الهوية، أو الدين، فضلًا عن توفير فرص متكافئة للأفراد أثناء التقديم للعمل.
- حق المشاركة: يدعم حق المشاركة العدالة الاجتماعية من خلال منح الأفراد الحق والفرصة للمشاركة في صنع القرارات المؤثر ة بشكل واضح على طبيعة حياتهم.
- حقوق الإنسان: تعد من أهم المبادئ المؤثرة على العدالة الاجتماعية؛ لأنها تدعم حرية التعبير وحقوق التصويت وضمانات العدالة الجنائية وغيرها من الحقوق الأساسية التي يشترك بها جميع الأفراد بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي، وفي المناسبة فإن بوسعك معرفة المزيد عن حقوق الإنسان عبر قراءة اتفاقية حقوق الانسان.
أنواع العدالة
تستند العدالة على بعض القوانين الموضوعة تِبعًا للمعايير المجتمعية المؤمنة للحقوق بين الجميع، وللعدالة عدة أوجه ذات مفاهيم وخصائص مختلفة عن بعضها البعض، ولتمييز هذه الاختلافات سنوضح لك أنواع العدالة كالآتي:[٤]
- العدالة التوزيعية: تسمى أيضًا بالعدالة الاقتصادية ويُقصد بها إعطاء جميع الأفراد حصصهم من الفوائد والموارد المتوفرة بإنصاف عادل، ولقد حصل اختلاف كبير حول هذا المفهوم نظرًا إلى إمكانية أن يكون التوزيع عادلًا إذا كانت المكافآت والحصص مساوية لمساهمات الأفراد في المجتمع أم لا، وهذا النوع من العدالة يحرص على استقرار المجتمع ويمنع حدوث النزاعات لأنه يؤمن حاجيات الجميع، ويشمل هذا النوع من العدالة كل من حقوق العمل وحقوق الوظائف.
- العدالة التنظيمية: تهتم العدالة التنظيمية باتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة وتطبيقها بإنصاف وحيادية على جميع الأفراد، أي تطبيق "المعاملة العادلة"، مما يُطمئن الشعب ويحثهم على قبول أي قرارات حتى لو لم يكونوا على قناعة تامة بها، ويؤدي إلى حل النزاعات في الكثير من الأوقات.
- العدالة الجزائية: يسعى هذا النوع من العدالة إلى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل؛ أي أن الأفراد يجب أن يعامَلوا بنفس الطريقة التي يعاملون بها الآخرين؛ وذلك للحد من الظلم والتعدي على الأخرين من دون جزاء مناسب، لذلك فهو يهدف إلى تقديم المخطئين إلى العدالة حتى ينالوا جزائهم لردعهم وسيادة الأمن والعدل في المجتمع، وهذا سبب رئيسي لكونها ضمن الإجراءات القانونية الدولية وحقوق الإنسان.
كيف يمكن تحقيق العدالة؟
تتحقق العدالة من خلال اتباع الكثير من المبادئ والقيم المتعلقة بحقوق الإنسان بصورة جوهرية، ومن بين هذه المبادئ ما يلي:[٥]
- تعزيز المساواة: ترتبط العدالة الاجتماعية مع حقوق الإنسان وهدفها تحقيق كرامة الإنسان بشكل متساوٍ بين الجميع؛ مثل ضمان الحقوق الصحية للجميع، وحقوق التعليم، والابتعاد عن التمييز، والحد من الفقر.
- مكافحة التمييز: تتحقق العدالة من خلال الحد من التمييز المباشر وغير المباشر للأفراد بناءًا على صفات معينة؛ كالعرق، أو الدين، أو الجنس، أو الرأي السياسي مثلًا.
- تعزيز أنظمة الرفاهية: تتوفر العدالة من خلال تقديم الدعم الاجتماعي من قِبَل الحكومة إلى المواطنين لتلبية احتياجاتهم الرئيسية؛ مثل الإسكانات المناسبة وإجازات الأمومة للموظفات وحماية حقوقهن في العمل.
- تعزيز حقوق العمل: يعد تكافؤ فرص العمل من بين بنود التوزيع العادل للثروات على أفراد المجتمع، كما إن فرص العمل المناسبة توفر للناس حياة كريمة ومريحة وتحد من الفقر، وهذا أدى في المناسبة إلى ظهور العديد من قوانين العمال التي تسن معايير الصحة والسلامة، والأجر المتساوي، وقيود ساعات العمل، وحرية تشكيل النقابات والانضمام إليها، والكثير من القوانين الأخرى التي تحمي العمال.
- مساءلة الحكومة: تتحقق العدالة أيضًا من خلال إعطاء الأفراد الحق بمساءلة الحكومة بأي قرار لا يناسب الشعب وبتقديم الطلبات لها لتهيئة الظروف اللازمة لتحقيق العدالة الاجتماعية.
قد يُهِمُّكَ: ما الفرق بين العدالة والمساواة؟
يكمن الفرق الرئيسي بين العدالة والمساواة في حقيقة أن المساواة تطالب بالحصول على مكانة متساوية لجميع الأفراد في المجتمع، أما العدالة فهي تعني الإنصاف بين هؤلاء الأفراد في جميع الجوانب المختلفة، ويُستخدم كلا المصطلحين بشكل كبير في المجتمع دون التمييز بينهما وفي بعض الأحيان بمنهجية خاطئة من خلال تطبيق مصطلح المساواة بمعاملة الجميع بالمثل من دون الانتباه إلى الظروف والأسباب، أما العدالة إذا استُخدمت بالشكل الصحيح فهي تنصف بين الأفراد وتعطي كل شخص حقه، والعدالة تتعلق بالنظام القانوني بشكل أكبر في جميع أنحاء العالم طِبقًا لسياسات وظروف كل دولة.[٦]
- ↑ Barry Brian, "Justice", rep.routledge, Retrieved 4/1/2021. Edited.
- ^ أ ب Dr. Bibi Afifeh Hamedi Dashti (20-6-2016), "The Concept of Justice in Greek Philosophy (Plato and Aristotle)", brewminate, Retrieved 4/1/2021. Edited.
- ↑ "THE FIVE PRINCIPLES OF SOCIAL JUSTICE", onlinedegrees, Retrieved 4/1/2021. Edited.
- ↑ Michelle Maiese and Heidi Burgess (7-2003), "Types of Justice", beyondintractability, Retrieved 4/1/2021. Edited.
- ↑ Sian Lea (19-2-2017), "Five Ways Human Rights Help The Fight For Social Justice", eachother, Retrieved 4/1/2021. Edited.
- ↑ Upen (16-9-2018), "Difference Between Equality and Justice", pediaa, Retrieved 4/1/2021. Edited.