مفهوم الفلسفة الحديثة

مفهوم الفلسفة الحديثة
مفهوم الفلسفة الحديثة

الفلسفة الحديثة

منذ القدم ظهرت الفلسفة علمًا مُنفصلًا ومتطورًا، ولكنّها ضاعت عدة قرون في العصور المُظلمة، ولم تظهر مجددًا إلّا بعد الانهيار التدريجي لعصور القرون الوسطى المُظلمة، وتمَكَّن الرجال والنساء من إعادة اكتشاف أنفسهم وفصلها عن اللاهوتية والخُرافات الدينية المُنتشرة؛ إذ عُدّت الفلسفة الحديثة محاولةً لإعادة توجيه النفس للعيش في مشهد عقلي وعاطفي ونفسي جديد، ليظهر في أوروبا عصر فلسفي جديد منذ بدايات القرن السادس عشر سُمي بعصر الفلسفة الحديثة.

في القرن السابع عشر الميلادي صعدت هذه الفلسفة لأعلى مرتبة مزيحةً غيرها من الفلسفات القديمة، لتُصبح الفلسفة الرئيسية لنواحي الحياة الخاصة بالعامّة والطبقة الحاكمة، وسيطرت الفلسفة الحديثة على العلوم الاجتماعية والتاريخ، وسيطرت على علم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، وعلوم الثقافة.[١]


تاريخ الفلسفة الحديثة

بدأت الفلسفة الحديثة في شهر نوفمبر من عام 1633 ميلادي، حينما كان الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت يبحث في مكتبات أمستردام حول نسخ من حوارات العالم جاليليو حول النظام العالمي الجديد، ومن هذه الحوارات تمحورت عدة أفكار للفيلسوف ديكارت، ناقشها مع صديقه الراهب الفرنسي مارين مرسين، وتطورت هذه الحوارات لجدال بين الصديقين، مما قاد ديكارت لتحليل حوارات جاليليو ومغالطة بعض أفكاره، وبداية مشروعه الخاص بأطروحة أطلق عليها "جميع ظواهر الطبيعة"، تضمنت أيضًا حسابًا مركزيًا للكون.

في القرن السابع عشر الميلادي تمحورت وتأصلت أصول الفلسفة الحديثة، وبدايات هذه الفلسفة الحديثة كانت على يد ديكارت وتأملاته الفلسفية الأولى في عام 1641 ميلادي، وبعد سنوات بسيطة ظهر الكثير من الفلاسفة والمفكرين في القارة الأوروبية العجوز؛ كالفيلسوف سبينوزا واضع الأسس الميتافيزيقية الجديدة، الذي حارب مع العديد من الفلاسفة الثقافة الفكرية الشعبية التي تناهض تطور الفكر البشري.

ومع تطور الفكر الفلسفي ركزت الفلسفة على إلغاء الدراسات الفلسفية اللاهوتية والسياسية، وتبنّي بعض الفلاسفة إنكار المعجزات، وتشويه الأنبياء الكتابيين، وانتقاد الدين، والدفاع عن التسامح الفكري وحرية التعبير، وإظهار الديمقراطية على أنّها أفضل نظام سياسي يُمكن اتباعه.[٢]


خصائص الفلسفة الحديثة

خصائص الفلسفة الحديثة تمحورت وانبثقت من النظريات الذهنية في العصور الوسطى؛ إذ وجد نوعان رئيسيان من الفلسفة ينتشران في أوروبا وهما؛ سلطة الكنيسة التي بدأت بالتناقص مع الوقت، والسلطة المتزايدة للعلم. ومع مرور الوقت تغلبت الفلسفة الحديثة وإثر ذلك تقلصت سلطة رجال الدين، وأصبحت الثقافة الحديثة ترتكز على العلمانية بشكل رئيسي، كما أنّ الحكومات انتقلت من السلطة المطلقة للملوك والقياصرة لتصبح بين أيدي الشعب، لذى انتشرت الفلسفة الحديثة، ممّا أدى لتغيير العالم وعلومه، ومحاور القوى فيه، وأصبحت خصائص الفلسفة الحديثة أكثر وضوحًا ووظهورها رئيسي، وهي:[٣]

  • العلوم العملية الفلسفية؛ إذ اهتمّ أكثر في العلم، واعتُرف لأول مرة بالعلوم، قوة رئيسية متجاوزةً قوة الحروب والجيوش.
  • الفلسفة النظرية، وقد قادها العلمانيين وهدفها الرئيسي؛ إنهاء الفلسفة اللاهوتية الدينية العقيمة.


أبرز فلاسفة الفلسفة الحديثة

بدأت الفلسفة الحديثة رسميًا في عام 1641 ميلادي عن طريق الفرنسي ديكارت، وبجانب ديكارت، وُجِد العديد من الفلاسفة البارزين الذين طوروا علم الفلسفة الحديثة أشهرهم:[٤]

ديكارت

الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت كان كاثوليكيًا متدينًا، وعالم رياضي رائد في مجال الرياضيات، ويرجع الفضل إليه في اختراع الهندسة الجبرية، وإلى جانب العِلم كان ديكارت أحد أكثر الفلاسفة تأثيرًا في التاريخ، ولا زالت أفكاره ونظرياته أول ما يناقش في المناقشات الفلسفية المعاصرة، وقد ركز ديكارت في نظرياته على العلم، كما وجدت لديه العديد من النظريات عن وجود الخالق، وكانت إحدى الأشياء الرئيسية التي اعتقد بها ديكارت وجود الله ككائن لا نهائي، وكان ديكارت أيضًا مؤيدًا لما يسمى بـالحجة الأنطولوجية لوجود الله، ويقول فيها ديكارت أنّ فكرة وجود الله لها علاقة ضرورية بفكرة الوجود، كما جادل ديكارت بأنّ العقل والجسد، يجب أن يكونا مادةً متميزةً، وبالتالي يجب أن يكون العقل والجسد مادتين قادرتين على الوجود مستقلتين عن بعضهما البعض.

سبينوزا

الفيلسوف باروخ سبينوزا كان يُعدّ واحدًا من أهم الفلاسفة في عصر ديكارت، وقدم فلسفة منهجية ابتعدت جذريًا عن فلسفة ديكارت، وكان أهم أعماله هو كتاب الأخلاق، الذي نُشر بعد وفاته في عام 1677ميلادي، ويُنظر إليه أحيانًا على أنّه واحد من أعظم المغامرين في فلسفة العصر الحديث، وطرح سبينوزا أفكاره عن التطرف، وبعكس ديكارت اعتقد سبينوزا أنّ الشك لم يلعب أيّ دور مفيد في تطوير الفلسفة، كما يعتقد سبينوزا أن حواسنا تعطينا معرفة مشوشة وغير كافية، لذلك بالنسبة لسبينوزا يُمكن الوصول إلى بعض الاستنتاجات حول طبيعة العالم ببساطة من خلال التطبيق المستمر للأفكار الذاتية للفكر البشري.

جون لوك

حملت أفكار وأعمال الفيلسوف البريطاني جون لوك أساسًا قويًا للفلسفة البريطانية الليبرالية سُميت بالفلسفة التجريبية البريطانية، ويتميز عمل لوك بالميل إلى التركيز على الأدلة التجريبية للمنطق المُجرد، وقد رأى أنّ حواسنا زودتنا بنوع ضعيف من المعرفة، بسبب وجود أجسام خارجية مؤثرة، كما أنكر لوك أنّ جميع البشر لديهم فكرة فطرية عن الله، ولكنّه اعتقد أنّه من الممكن إظهار وجود الله فقط بوجودنا نحن البشر.

جوتفريد فيلهلم ليبنيز

الفيلسوف الألماني جوتفريد فيلهلم ليبنيز كان واحداً من أقوى وأشهر الفلاسفة في عصره، وقد قام بتطوير رائد في كل تخصص أكاديمي شغله، وبشكل خاص دراساته عن الفلسفة الطبيعية، كما اعتقد ليبنيز أنّ الكون يجب أن يتكون من مواد، ولكن هذه المواد يجب أن تكون بسيطة، ونشر ليبنيز منشورات، وكتب عديدة بين أعوام 1965-1710 ميلادي تثبت نظرياته.

جورج بيركلي

جورج بيركلي أسقف أيرلندي وفيلسوف لاهوتي استوحى فلسفته من فلسفة لوك وديكارت، وقد قدم فلسفة مركزية جريئة تهدف إلى تغيير اتجاه الفلسفة، وإعادة تأسيس الفلسفة الدينية الحديثة، وقد ركز بيركلي تركيزًا رئيسيًا على نظريات الشك؛ إذ اعتقد بيركلي أنّ السبب الرئيسي للشك، هو الاعتقاد بأننّا لا ندرك الأشياء مباشرة، بل فقط من خلال الأفكار الذاتية.


الفرق بين الفلسفة الحديثة والمعاصرة

الفلسفة الحديثة ركزت رئيسيًا على الفلسفة التقنية والفلسفة النظرية، وبسبب هذه الفلسفة أصبح الإنسان تحت رحمة عقله وتفكيره، لا تحت رحمة السلطة الدينية أو السياسية القديمة، وتميزت الفلسفة العلمية المنبثقة من الفلسفة الحديثة، تطلبها لعدد كبير من الأفراد المُنظمين والمفكرين، واتجهت هذه الفلسفة ضد الفوضوية والفردية، لأنّها تتطلب بنية اجتماعية متماسكة جيدًا، وهذا على عكس الفلسفة اليونانية والفلسفة الدينية القديمة، فهي محايدة من الناحية الأخلاقية. [٣]

الفلسفة المُعاصرة نشأت في القرن التاسع عشر الميلادي، والنقطة الرئيسية بالاختلاف بين الفلسفة الحديثة والمعاصرة، أنّ الفلسفة المعاصرة ارتبطت رئيسيًا بفلاسفة الأوساط الأكاديمية وأساتذة الجامعات، وفيما بعد في بداية القرن العشرين بدأت الفلسفة المعاصرة بالانقسام والتشعب والاختلاف، وقد تأثرت هذه الفلسفات بالاختلافات الثقافية والجغرافية، وبالأفكار الماركسية الفلسفية، وكان أشهر فلاسفة العهد المعاصر؛ الفرنسي هنري بيرجسون، والأمريكي جان ديوي، والإنجليزي ألفريد نورث وايتهيد. [٥]


المراجع

  1. Frank Breslin (21-11-2017), " What is Modern Philosophy? Part 1"، huffpost, Retrieved 10-05-2020. Edited.
  2. steven nadler, "Who was the first modern philosopher?"، the-tls, Retrieved 10-5-2020. Edited.
  3. ^ أ ب Elmar Hussein (27-9-2015), "General Characteristics of Modern Philosophy"، elmarhussein, Retrieved 10-5-2020. Edited.
  4. "Modern Philosophy", newworldencyclopedia,11-10-2018، Retrieved 10-5-2020. Edited.
  5. Avrum Stroll Kurt von Fritz Richard Wolin David T. McLellan Albert William Levi Armand Maurer (16-6-2017), " Western philosophy "، britannica, Retrieved 10-5-2020. Edited.

فيديو ذو صلة :