ما هي الفلسفة الحديثة

ما هي الفلسفة الحديثة
ما هي الفلسفة الحديثة

الفلسفة

يشغل تفكيرنا المتواصل السؤال عن معنى الوجود، وماهية كل الأشياء من حولنا، وتتناول الفلسفة الإجابة تلو الإجابة عن هذه المواضع والأسئلة التي طالما حيرت عقول البشر، فاعتبرت منذ قديم الزمان أم العلوم، إذ بوَّبت المواضيع التي تناولتها ضمن الفكر الفلسفي بطرقه وتصوراته ونظرته الإجمالية، والفلسفة هي كلمة يونانية مركبة من شطرين، الأولى فيلو وتعني الصديق أو المحب والأخرى صوفيا وتعني الحكمة أو المعرفة، فهي بذلك المعنى يصبح مفهومها حب الحكمة والمعرفة والتعلم، وكانت الفلسفة بداية تحاشي الإنسان للجهل ومحاربته له.[١]


الفلسفة الحديثة

يتميز القرن العشرين بالانفجار المعرفي في مجالات التكنولوجيا وعلوم الطبيعة، فالفيزياء الحديثة توضّح صورة العالم الحاضر بما يتجاوز كثيرًا الصورة التي قدمتها الفيزياء الكلاسيكية، فمثلًا النظرية النسبية ونظرية الكم تقدمان رؤية جديدة للعالم، خاصة في المجالات الفيزيائية الكبيرة جدًا والصغيرة جدًا، أما فيما يختص بالجانب الإنساني، فقد أصبح بالإمكان رسم صور جديدة للإنسان من خلال إدخال علم النفس التحليلي الذي أجاب على أسئلة حول الإنسان طالت حبالها وتعقدت شباكها، ذلك أن طرق المنطق الحديث والمعارف المرتبطة به قد شكلت إحدى قواعد التقدم في العلوم الإنسانية والتقنيات، واتخذت وضعية جديدة لها كهدف، من خلال الدقة والتحقق من الملفوظات العلمية، وتعدّ نظرية العلم بمفهومها التطوير الفلسفي للمنهج من أهم التوجهات الفلسفية في هذا العصر، إذ حلّ المنطق الرياضي والأرقام والرموز مكان التساؤل الفلسفي التقليدي، أما عن الماورائيات القديمة، فقد اصبحت متاهات مفهومية لا يمكن الدخول فيها.[٢]


التحوّل الفلسفي في الفلسفة الحديثة

بدأ هذا التحول عند إدخال التحليل كما مارسه فلاسفة العصر الحديث، وعولجت المسائل بطريقة يمكن نسخها ضمن شكل لغوي صحيح له معنى، إذ أصبحت اللغة نتيجة هذا التحول موضوع الفلسفة بالدرجة الأولى على اعتبار الأرقام والرموز والرياضيات لغة كباقي اللغات، وقد تطوّرت الأبحاث الفلسفية في مجال فلسفة اللغة والأرقام للخروج بمحاولة خلق اللغة المثالية التي تتصف بالوضوح والشمول في معانيها، ويعدّ الفيلسوف الألماني لودفيغ فيتغنشتين أبرز منظري هذا التيار الفلسفي وممثليه، وثمة تيارات أخرى جعلت من الإنسان وحياته في منظور الفلسفة الحديثة موضوعًا لنظرياتها الفلسفية، فالبعض أمثال هوسيرل اعتمد على منهج العودة إلى أحداث الوعي الداخلية من أجل تقديم يقين جديد عن ماهية الأنسان، وآخرون اعتمدوا صياغة مسألة كينونة الإنسان من الأساس ضمن أساسات المنثولوجيا الجديدة المبنية على توضيح العلاقة بين الطبيعة والوعي.[٢]


فلسفة الحياة

إن فلسفة الحياة رؤية رائدها هنري يرغسون تتمثل في التأسيس لميتافيزيقا جديدة استنادًا إلى نتائج الأبحاث العلمية في عصره، إلا أنه قد تجاوز ذلك إلى نظرة حدسية، فطرح مبدأ الحياة صيرورة خلافة دائمة يحملها دفع حيوي يتفتح باستمرار ويتمايز عبر أفكار جديدة، وأن الفهم بالرغم من أنه أساس البحث، إلا أنه يظل عاجزًا عن فهم الكائن والظواهر الحية، لأنه يعمل بآلية ثابتة وهي العزل والتجريد، فلا يكون قادرًا على استيعاب الدينامية في الحياة أو ما يتغير فيها بتكرار دائم.[٣]


الفلسفة الظاهراتية

هي أكثر الفلسفات تأثيرًا في القرن العشرين، تقوم على أساس وضعه مؤسسها إدموند هوسيرل هو الالتزام بالتخلي في الفلسفة عن كل تفسير سريع وعلى العودة بعد ترك كل الأحكام السابقة، وذلك باللجوء إلى التحليل في كل ما يتجلى في الوعي، ويثبت هوسيرل القطعية مع اتجاهات التحليل النفسي من خلال القوانين النفسية التي تعدّ الأساس الذي يتوجب الاستناد عليه بالإضافة إلى مفهوم القصدية الذي يعرفه هوسيرل الخاصية النوعية التي تتميز بها الظواهر النفسية باعتبارها موجهة لشيء ما.[٤]


الفلسفة الوجودية

تقوم العلوم على أساس رد الكائن بكليته إلى الموضوعي، أو ما يمكن دراسته من الخارج، وهذا ما يجعل من فهم الكينونة أمرًا شبه مستحيل، وعليه تقوم الفلسفة الوجودية على توجيه كل فرد نحو أصوله الوجودية بالذات، وعندها يكون باستطاعته فهم كينونته وتحقيق ماهيته الخاصة، وأن ما يفعله ويكونه الإنسان عند وصوله لأصول ذاته لا يمكن أن يجده في وجوده في الوسط البسيط التجريبي، بل عليه أن يصل لتحقيق حرية ذاته.[٥]


الفلسفة التحليلية

نظّر برترند رسل رائد هذه الفلسفة لمفهوم الوظيفة القضوية التي تشير إلى المكونات اللامحدودة التي تتحول إلى قضية بمجرد أن تتحدد، وهذه القضايا البسيطة تشير إلى ما إذا كان الشيء المحدد من خاصية محددة أم تقوم ضمن علاقات محددة، وأما الجملة الجزئية في هذه الفلسفة فتمتاز باحتوائها على جمل أخرى باعتبارها من مكوناتها، وأما إذا نظرنا إلى جانب صحتها من خطئها فيكون بقياس مدى صحة مكوناتها من خطئها.[٦]


الفلسفة البنيانية

هي فلسفة حديثة يرى حاملوها فكرها أن اللغة هي نسق من العلامات والهيكل البنياني التي يجب إرجاع القضايا لها، ولا تتميز بدورها إلا وسط جماعة المتحدثين والعلامات التي تقوم على الدلالات، بحيث تكون العلاقة بين العلامات والدلالات تحكميةً، وبالتالي فإن دلالة العلامة لا تقوم من تلقاء نفسها، بل هي تتحدد باستمرار عبر علاقات النسق الذي يحتويها، وتبرز اللغة في نظر حامليها باعتبارها نظامًا مستقلًا يستدل عليها من خلال تمظهرها العيني، مع إمكانية السؤال عن البنية التي تقوم عليها في ظل انتشار إنجازات أخرى كالفن والعادات اليومية.[٧]


الفلسفة الهيجيلية

يرى أصحاب هذا المذهب الفلسفي أن الفلسفة ليست إلا وليدة المشاكل والظروف المحيطة بالفيلسوف، فلا يمكن لأي أحد أن يبتكر فلسفته الخاصة من تلقاء نفسه، كما يمكن لحجم الانشغالات الجادة في التفكير التي يمكن ‏أن تشغل بال مفكرين آخرين الوصول إلى نتائج فلسفية مبهرة، ويعتمد المذهب الفلسفي على مفهوم المعرفة المطلقة، وهي الفهم ‏الواضح لما ينبغي أن تكون عليه المعرفة الإنسانية، بمعنى أن أي حل لأي المشكلة لا يؤثر على أي شيء آخر والذي يمكن أن نعرفه بخصوص العالم، وغالبًا ‏فإنه سيوفر لنا منظورًا لإشباع الفضول.‏[٨]


فلسفة المنطق الحديث

يتعامل المنطق الحديث بالرموز في لغته، لهذا عرف فيما بعد بالمنطق الرياضي، ويُعد الفيلسوف الألماني فريدريك فريجي المولود عام 1848م أحد أشهر مؤسسي هذا المنطق، فقد توصل إلى ترميز ملائم بإدخاله التكميم والحساب إلى المحمولات، إذ يُحلل منطق المحمولات باستعمال الرموز أي ملفوظات بدقة، بناءً على حساب المحمولات الذي يساعد في تحاشي عدم دقة المنطقية، من خلال أدوات وآليات تستخدم في حساب القضايا والتي تسمى بالمكمم الوجودي، بمعنى أوضح تستخدم الرموز الرياضية لتحديد الدلالات، فيمكن وصف الإنسان مثلًا بـ "X أوY" وكذلك وصف المكمم الوجودي بـ "ε".[٩]


المدارس الفلسفية عند المسلمين

لم تكن مدارس الفلسفية في الإسلام كما كانت عليه الحال في اليونان تدرس أكاديميًا، وإنما اشتهر رائدوها بالطب والرياضيات ثم اتصلوا بعد ذلك بالفلسفة، ذلك أن الفلسفة كان ينظر لها من قبل المسلمين بعين الارتياب، بحجة أن حاملي أفكارها من الكفار، فلم يكن يتسنى للدولة أن ترعاها مباشرةً، فكان الفلاسفة يعقدون مجالسهم الفلسفية في دورهم، ولم يكن عدد أتباعهم كبيرًا، ومن أشهر المدارس الفلسفية عند العرب والمسلمين ما يأتي:[١٠][١١]

  • مدرسة الفارابي: تُعد من أهم المدارس الفلسفية الإسلامية، كونها المدرسة التي ترجمت وبسطت وشرحت المنطق الأرسطي في الوسط الثقافي الإسلامي، وقد أطلق اسم المعلم الثاني على الفارابي بعد أرسطو، فاقتفى الفارابي آثار أرسطو في المنطق والطبيعيات والسياسة.
  • المدرسة الغزالية: تُعد هذه المدرسة امتدادًا لفلسفة ابن سينا الإشراقية، ولكن سرعان ما انقلبت لتوجه نقدها لأصول الإشراقية، وهذا ما يرى جليًا في كتاب مؤسس هذه المدرسة أبي حامد الغزالي بعنوان "مقاصد الفلاسفة"، ولقد تميزت هذه المدرسة بأنها اعتمدت عدة المناهج في مناقشة الفلاسفة، فهي تعتمد على العقل تارةً وعلى النقل تارةً أخرى، وهذا الأسلوب تعلمه الغزالي من مدرسة الأشاعرة الكلامية.


اتجاهات طبيعة الفلسفة

انقسم الفلاسفة منذ قديم الزمان من حيث طبيعة الفلسفة وماهيتها إلى ثلاثة اتجاهات، هي:[١٢]

  • المذهب الواقعي: يرى أصحاب هذا المذهب بمجرد الرأي بأن الأشياء موجودة بصورة مستقلة عن إدراكنا، أي إن وجودها هو العالم الحقيقي بغض النظر عن إدركنا لها.
  • المذهب المثالي: يرى أصحاب هذا المذهب أن الأشياء لا توجد إلا لأنها تدرك، وهذه الأطروحة تعرف بالمذهب المثالي وتسمى بهذه الصورة لأن الأشياء التي تدرك هي أفكار في بعض العقول وليست أشياءَ ماديةً في عالم مستقل.
  • مذهب الظواهر: مذهب الظواهر نقطة بداية مختلفة عن المذهب المثالي، وذلك بقبول وجود المعطيات الحسية فيه، ولكنه يحاول تجنب الشك الذي يمكن أن تثيره المعطيات الحسية حين يبدو أن المعيطات الحسية تقف بين الإنسان وبين الإدراك المباشر للعالم.


الإنسان محور الفلسفة

إن الإنسان في أصول الفلسفة هو الذي تقع عليه مهمة أن يجد ذاته في غيابات عالمه الجسدي والروحي، والذي يرهق نفسه لمحاولات الخروج من الخصوصيات للإمساك بخيوط ما هو مشترك وعام، فالفلسفة تؤدي إلى إدخال العقل في البيئة المحيطة به بمنهجية وأسلوب جادين، يستندان في أسسهما على ما يمكن للإنسان معرفته من غيرها كالماورائيات، وما يجب على الإنسان الالتزام بفعله كالأخلاق الفاضلة، وما الذي يجب أن يأمله الإنسان في حياته لإشباع رغبات روحه كالدين، وأن يعرف الإنسان هدفه في هذه الحياة، وبخلاف العلوم الأخرى، لا تتعلق الفلسفة بجزء محدد من الحقائق، بل بالكلية، إذ تبحث عن ماهية الأشياء والإحاطة بمعانيها وقيمها.[١]


المراجع

  1. ^ أ ب "ما الفلسفة؟ مقاربة لماهية الفلسفة"، ساسه، اطّلع عليه بتاريخ 13-4-2019.
  2. ^ أ ب "الفلسفة الحديثة.. كيفَ السبيلُ لاستيعابِها؟"، مدونات الجزيرة، اطّلع عليه بتاريخ 14-4-2019.
  3. "فلسفة الحياة وحكمة الوجود"، البيان، اطّلع عليه بتاريخ 14-4-2019.
  4. "الفلسفة الظاهراتية بين الفينومين والنومين"، صحيفة المثقف، اطّلع عليه بتاريخ 14-4-2019.
  5. "الوجودية"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 14-4-2019.
  6. "فلسفة تحليلية"، المعرفة، اطّلع عليه بتاريخ 14-4-2019.
  7. مصطفى حلمي (2005)، الإسلام والمذاهب الفلسفية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 319-320.
  8. "الفلسفة وزمانها عند هيجل"، صحيفة المثقف، اطّلع عليه بتاريخ 13-4-2019.
  9. "فلسفة المنطق الحديث"، الباحثون المصريون، اطّلع عليه بتاريخ 13-4-2019.
  10. "فلسفة الغزالي"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 13-4-2019.
  11. "الفيلسوف الفارابي - المعلم الثاني"، عالم الفلسفة، اطّلع عليه بتاريخ 13-4-2019.
  12. "طبيعة المعرفة ومصادرها!!."، شطرنج للاعلام، اطّلع عليه بتاريخ 13-4-2019.

فيديو ذو صلة :