محتويات
الأمثال
تعد الأمثال واحدة من أقدم العادات العربية التي ما زالت تُستخدم حتى يومنا هذا، ويرجع تاريخ بعضها إلى الجاهلية والعصور القديمة، وقد حظيت الأمثال الشعبية باهتمام خاص عند العرب، ونظرًا لأهميتها في الثقافة العربية، فقد أولى الأدباء العرب الأمثال عناية خاصة، وكان لها طابع مميز، ويعد ضرب الأمثال واحدًا من أكثر الأشكال التعبيرية الشعبية انتشارًا وشيوعًا، ولا تخلو أي ثقافة منه، إذ تعبر الأمثال عن أفكار الشعوب وتصوراتها وعاداتها وتقاليدها ومعتقداتها ومعظم مظاهر حياتها في صورة حية وفي دلالة إنسانية شاملة، ويمكن اعتباره خلاصة حكمة الشعوب وذاكرتها الباقية الممتدة، ونحويًا فقد عرّف بالمثل اللغوي أبو إبراهيم الفارابي في كتابه الشهير ديوان الأدب بقوله: "المثل ما تراضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه، حتى تناقلوه فيما بينهم ونطقوا به في السراء والضراء، واستدروا به الممتنع من الدر، وتفرجوا به عن الكرب والمكربة، وهو من أكثر الأقوال والحكم بلاغة؛ لأن الناس لا يجتمعون على ناقص أو غير مبالغ في بلوغ المدى في النفاسة"، كما قال الفقيه البصْري إبراهيم بن سيار النظام في وصف المثل: "يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة".[١]
قصّة المثل لا ناقة لي فيها ولا جمل
الرواية الأولى وهي الأشهر والأكثر تداولًا: يحكى أنّه في قديم الزمان في شمال جزيرة العرب، نزلت امرأة تسمّى البسوس مع جار لها يسمى سعد بن شمس الجرمي عند ابن أختها، وكان سيّد قومه الجساس بن مرة الشيباني، وكان لسعد جار البسوس ناقة جلبها معه اسمها سراب، وكانت هناك قبيلة أخرى وهي تغلب وسيّدها كليب بن ربيعة التغلبي، وكان متكبّرًا جبّارًا لا يحب أن يتساوى مع أحد من عوام القبيلة، وكانت له مكانة عظيمة بين قومه حتى أنّه كان يقال: "لا تورد إبل أحد مع إبله، ولا توقد نار مع ناره"، وفي ذلك إشارة لشدّة كبره وحبّه في التفرّد، وحدث في يوم أن مرّ إبل كليب بالناقة سراب وقد كانت مربوطة في ذلك الوقت، ولكنها عندما رأت الإبل نازعت حبالها حتى نزعتها وهربت واندمجت مع إبل كليب، وما إن رآى كليب الناقة حتى باشرها بسهم قتلها به، فلما علمت البسوس بخبر مقتل ناقة جارها صاحت: "واذلاّه، واجاراه"، استهجانًا منها كيف تُقتل ناقة جارها، وعندما سمع الجسّاس صوت استجارة خالته البسوس، هبّ لنصرتها ونصرة سعد الذي أعطاه حق الاستجارة عندما نزل في حماه، فلحق الجساس بكليب وصاحبه عمرو بن الحارث الشيباني، وحصلت مشادّة كلامية بينهما انتهت بضرب الجساس لكليب وإجهازه عليه بطعنة أردته قتيلًا من فوره، وعلى إثر هذه الحادثة اشتعلت شرارة حرب طاحنة سمّيت بحرب البسوس التي استمرت لمدة أربعين عامًا بين القبيلتين، وكان في ذلك الوقت رجل حكيم يُعرف بحنكته بالحرب وحسن تدبيره يدعى الحارث بن عباد، وقد لجأ إليه بنو شيبان حتى يساندهم وينصرهم في الحرب، ولكنه رفض أن يكون طرفًا في حرب أزهقت فيها أرواح من أجل ناقة، فكان جوابه لهم: "لا أنا من هذا، ولا ناقتي ولا جملي، ولا عِدلي" وفي رواية أخرى تقول إنّه قال لهم:" لست من هذا، ولا جملي ولا رَحلي" والقول الشائع أنه قال: "لا ناقة لي فيها ولا جمل"، ويقصد أنّه لا شأن له بهذه الحرب وأنّ هذه الناقة لا تعني له شيئًا، فما كان من الحرب إلاّ أن استمرت وذهبت بقاتلها ومقتوليها، ولكن التاريخ خلّد مقولة الحارث وأصبحت تستخدم للتملّص من أي أمر معيب أو به شائبة.[٢]
قصة المثل في رواية أخرى
توجد رواية أخرى قد رويت على لسان الميداني: يحكى أن أول من قال هذه الجملة هي سيدة تدعى الصدوف بن جُليس العذرية، إذ كانت زوجة زيد بن الأخنس العُذري، وكان لزيد بنت من إمرأة غيرها تدعى الفارعة، وقد جعل زيد لابنته الفارعة بيتًا خاصًا بها بعيدًا عن زوجته، وجعل لها خادمة تخدمها، ثم خرج زيد إلى الشام، وكانت الفارعة قد وقعت بحب رجل من بني عُذرة يدعى شبث، وكانت كلّ ليلة تأمر راعي والدها أن يعجّل بترويح الإبل بعد أن يحلب لها من حليبها فتشرب اللبن نهارًا، وتركب إحدى الإبل ليلاً إلى خارج مضارب قبيلتها لتلتقي حبيبها وتقضي ليلتها معه، وعندما رجع والد الفارعة من سفره وذهب إلى بيتها ولم يجدها سأل جاريتها عنها فخلقت الجارية لها عذرًا، فلم يطمئن لتفسيرها عن غياب ابنته، فذهب إلى زوجته وسألها عما تعرف عن ابنته فقالت: "يازيد، لا تعجل واقْفُ الأثر، فلا ناقة لي في هذا ولا جمل"، في إشارة ذكيّة منها إلى الحكاية التي يردّدها الناس عن ابنته العاشقة التي كانت تركب الجمل، فسمع الناس هذا المثل واشتهر بينهم وأخذوا بترديده.[٣]
معنى المثل والعبرة منه
يعني المثل لا ناقة لي فيها ولا جمل أنني لا أكسب فائدة من هذا وذاك، فلا علاقة لي بالأمر إذن، كما يضرب في براءة الإنسان من تهمة لا علاقة له بها أو عمل لا يريد أن يشارك به لأنه لن يكسبه نفعًا منه، ومن هذا المثل نأخذ العبر التالية:[٤]
- يجب أن يبتعد الإنسان عن أمور لا شأن له بها، خاصة إذا كانت هذه الأمور قد تجلب له الضرر، كما يجب ترك الحمية الجاهلية.
- يجب على الإنسان أن يحكّم عقله، وأن يفكّر أولًا قبل اتخاذ قرارات قد تؤدي إلى هلاك كثير من المشاكل دون سبب يذكر.
- جاء الإسلام إلى هذه القبائل الجاهلية لينير قلوبهم ويبدل قسوتهم وشدتهم بالرحمة والحب.
قصة مَثَل عادَ بخفّي حُنين
كان حُنَيْن إسكافيًا من أهل الحيرة، وقد ساومه أعرابي على شراء خفين، وبعد أن أتعبه بالجدال والمساومة وأساء له في الكلام انصرف دون أن يشتري الخفين، فغضب حُنين منه وقرر أن ينتقم من الأعرابي، فعندما علم حُنين أن الأعرابي سيرتحل أسرع وسبقه في الطريق، وعلق أحد الخفين على شجرة، ثم سار لعدة أمتار ووضع الخف الثاني في طريق الأعرابي ثم جلس ينتظر متخفيًا، وعندما أتى الأعرابي وشاهد الخف المعلق في الشجرة قال: ما أشبه هذا بخف حُنين، لو كان معه الخف الآخر لأخذته، ثم أكمل مسيره فرأى الخف الآخر مرميًا على الأرض، فترجّل عن ناقته وأخذه، ثم رجع ليأخذ الخف الأول الذي كان معلقًا على الشجرة، فخرج حُنين من مخبأه مسرعًا وأخذ ناقة الأعرابي بما عليها وهرب، وعندما وصل الأعرابي لقومه وليس معه إلا الخُفان، فسألوه: "ما الذي جئت به من سفرك؟" فقال: "جئتكم بخُفَي حُنَيْن!"، فاتخذها العرب مثلا يُضرب عند اليأس من المسعى والرجوع بالخيبة.[١]
المراجع
- ^ أ ب تسنيم فهيد (2017-3-7)، "اعرف قصص أشهر الأمثال العربية القديمة"، noonpost، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-3. بتصرّف.
- ↑ إيمان سامي (2017-21-20)، "قصة مقولة ” لا ناقة لي فيه ولا جمل “"، almrsal، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-3. بتصرّف.
- ↑ "لا ناقة لي في هذا ولا جمل"، maqola، 2011-8-20، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-3. بتصرّف.
- ↑ "قصة لا ناقة له فيها ولا جمل"، qssas، 2017-8-9، اطّلع عليه بتاريخ 2020-1-3. بتصرّف.