محتويات
الصّداقة الحقيقيّة
تعرف الصّداقة الحقيقيّة بأنها العلاقة التي تقوم على الاحترام المتبادل، والتّقدير والمحبّة تجاه الطّرف الآخر، بعيدًا عن المنفعة، أو المتع الزّائلة، وهي تلك التي يزيدها مرور الوقت متانة، وتجذّرًا؛ فقد أصاب العرب كبد الحقيقة حين قالوا بأنّ الخِل الوفي من المستحيلات الثّلاثة بعد الغول، والعنقاء، فمفهوم الصّداقة الحقيقيّة يعتمد على العلاقة المتينة، والمساندة، والرّاحة النّفسيّة، وببساطة أكثر تدور حول الاهتمام والوقوف جنبًا إلى جنب في كل المواقف وفي السرّاء والضرّاء.[١]
أهميّة الصداقة الحقيقيّة
أصاب أرسطو الفيلسوف اليوناني حين قال: "في الفقر وغيره من متاعب الحياة، الأصدقاء الحقيقيّون هم الملاذ الوحيد الآمن" [٢]، وهذه الفلسفة لم تأتِ من فراغ، فالصّداقة الحقيقيّة ضروريّة للإنسان للعديد من الأسباب نذكر منها ما يأتي: [٣]
- تحفّز التّفاعل الإيجابي مع المحيط: فمن خلال الصّداقة الحقيقيّة يتعلّم الفرد الحب، والتّسامح، ويصبح أكثر تفاعلاً من النّاحية الاجتماعيّة، إذ لا يتحدّث الأصدقاء مع بعضهم حديثًا سطحيًا، بل يتعلّمون من بعضهم، وينصحون بعضهم، فالصّداقة الحقيقيّة تمنح الفرد الرّاحة النّفسيّة التي تنعكس في تعاملاته مع الآخرين.
- تحافظ على الصحّة العقليّة والجسديّة: فقد وجدت دراسة أجراها فريق بحثي في جامعة هارفرد أنّ الصّداقة الحقيقيّة تنافس في أهميّتها الغذاء الصحّي المتوازن، والتّمارين الرياضيّة، إذ مثل هذه العلاقة تخفّض من مستويات التوتّر، وهو ما يعزّز صحّة الجسد والدّماغ، ويقلّل خطر الإصابة ببعض الأمراض، وللحصول على هذه الفوائد يجب أن يتخيّر الفرد الأصدقاء الإيجابيّين لقضاء الوقت معهم، الذين يُضيفون المزيد من الرّاحة النفسيّة، والإيجابيّة للشّخص.
- مفتاح الخروج من الوحدة: فالصّديق دائم التّواجد قرب صديقه، خاصّةً في تلك الأوقات الصّعبة التي يحتاج فيها إلى من يتحدّث معه، ويشاركه همومه، فالصّداقة تملأ الحياة، وتضيف زخمًا للحياة، وتقي من الشّعور بالوحدة والعزلة التي تجر عواقب وخيمة مثل الاكتئاب.
- سبيل للتطوّر والازدهار: من يمتلك صديقًا مخلصًا ينصحه، وله أخلاق فاضلة يتعلّم منه المبادئ الجيّدة، ويوجّهه للطّريق الصّحيح، غالبًا ما يستطيع التّعامل مع نواحي مختلفة من حياته بشكل صحّي ومنطقي أكثر من لو كان الشّخص وحيدًا دون أصدقاء، أو كان محاطًا بأصدقاء سوء، أو فقط أصدقاء منفعة.
صفات الصّديق الحقيقي
لا يستطيع الشّخص اختيار عائلته، ولكنّه يملك اختيار صديقه، وحتّى يكون الصّديق جديرًا بالصّداقة الحقيقيّة يجب أن تتوفّر فيه الصّفات التّالية:[٤]
- أن يكون صادقًا: وهو أساس الصّداقة الحقيقيّة، فالصّديق الحقيقي هو من يصارح صديقه بالحقيقة بلباقة، دون جرح مشاعره، ويتجنّب الكذب عليه، أو مراوغته لإخفاء الحقيقة، فالكذب أو كما يُسمّيها البعض المجاملة، قد تُسعد الصّديق لفترة قصيرة، ولكنّها تعود لتسبّب له شعورًا بالخذلان، والحزن، أمّا الصّدق حتّى لو كان قاسيًا في حينه، ولكنّه يُثمر على المدى البعيد.
- أن يكون منفتحًا على الآخر: فالصّديق الحقيقي يقبل صديقه ويقتنع به كما هو، دون محاولة تغييره ليصبح نسخة عنه، أو كما يحب، ويحترم قرارات صديقه، وخياراته، مع نصحه بالرّأي الأصوب دون فرض الأمر عليه، فهو يتقبّل الاختلاف، ويشجّع صديقه للمضي لتحقيق أهدافه، وطموحاته، وأن يكون سعيدًا في حياته.
- أن يكون متفهّمًا وغير متطلّب: فالتزامات الحياة كثيرة، وقد يحتاج الشّخص بعض الوقت لنفسه لينجز بعض المهام، وهنا الصّديق يجب أن يراعي ويتفهّم هذا الأمر، ولتحقيق ذلك يُنصح بالبحث عن صديق ضمن الفئة المشابهة له، فمثلاً الأشخاص الذين يقضون أوقاتًا طويلة في العمل، يناسبهم الأصدقاء الذي يضعون عملهم وحياتهم المِهْنيّة في سلّم أولويّاتهم، أو إن كان الشّخص يملك أسرة وأطفالًا، فمن الجيّد أن يكون صديقه مثله، يراعي أنّ الأسرة هي الأولويّة، ولها الكثير من الحقوق لأدائها التي تتطلّب الكثير من الوقت.
- أن لا يُصدر أحكامًا: أي أن لا يطبع الصّديق على صديقه صفة سلبيّة بمجرّد أن وجد ما لا يُعجبه من صديقه، فقد تكون ظروفه أجبرته على ذلك، وأن يجد له المبرّر والعذر، ويحاول قلبها لصفة إيجابيّة، فمثل هذا الصّديق يجعل الشّخص واثقًا من نفسه، لا يخجل من أخطائه، أو زلاّته، أو حتّى صفاته التي يراها الصّديق سلبيّة، ولكنّها حريّة شخصيّة للفرد نفسه، فتهديد الخصوصيّة، والتّشكيك الدّائم من قبل صديق متسلّط يجعل الشّخص غير مرتاح بالعلاقة، ولا يشعر بالأمان، ويتحيّن الفرص لإنهائها.
- أن يكون وفيًا: وهي من أهم صفات الصّديق الحقيقي، إذ يجب أن يكون مخلصًا لصديقه، أمينًا على أسراره، ودائم التّواجد مع صديقه في أوقاته الصّعبة، قبل الجيّدة، ولا ينحصر الوفاء بما سبق، فهو مفهوم شامل وواسع لا يمكن حصره ببعض كلمات.
- أن يحترم صديقه: الاحترام يعزّز الصّداقة، وينمّيها مع الوقت، فالصّداقة التي تفتقر للاحترام مهدّدة بالفشل، وحدوث الخلافات، والانتهاء بالافتراق، فالاحترام المتبادل بين الصّديقين لا يقل أهميّة عن الصّدق، أو الوفاء.
- أن يكون جديرًا بالثّقة: بأن يكون أهلًا للصّداقة، بالالتزام بالمبادئ الأخلاقيّة، وأن يكون الحائط القوي الذي يستند صديقه عليه، ويحفظه في غيبته، ويعده صديقًا دائمًا، وليس مرحلة في حياته.
كيفية اختيار الصّديق الحقيقي
يستطيع الشّخص اختيار أصدقائه وفق النّصائح التّالية، وترك الزّمن يأخذ مجراه بتجذير وترسيخ العلاقة مع الأخذ بعين الاعتبار ما ذُكر في الفقرة السّابقة: [٥]
- أن يكون مشابهًا له في هوايته، وطموحاته، وأن يكون من نفس مستواه الاجتماعي والثّقافي، فمثلاً إذا كان الشّخص يُعطي حياته المِهْنيّة الأولويّة، أو إن كان محبًّا للثّقافة وقراءة الكتب، أو عاشقًا للمغامرة، وممارسة التّمارين الرياضيّة، فمن الجيّد أن يختار صديقه على هذا الأساس.
- أن يحمل نفس قيمه ومبادئه في الحياة، مثل الالتزام بالصّلاة، أو عدم التّدخين، أو نفس الآراء السّياسيّة، أو الوطنيّة، فالصّديق المشابه بمثل هذه المبادئ يُعطي راحة نفسيّة، ويقلّل من التّنازلات التي يُقدم عليها الشّخص لإرضاء صديقه، أو الاحتفاظ به.
- أن يكون مكمّلًا له في المجالات التي يُعاني فيها من ضعف، مثل المهارات الاجتماعيّة والتّفاعل مع الآخرين، ليضخ خبرات جديدة له، ويكون سندًا له في المواقف التي تقوم على هذه الجوانب.
- أن يكون إيجابيًا، يشجّع صديقه دائمًا على الارتقاء والتطوّر، ويمنحه الطّاقة الإيجابيّة التي تمنحه السّعادة، والتّفاؤل بالحياة، فالصّديق السّلبي أو المسموم يكون السّبب بشعور صديقه بالتّعاسة، والتّشاؤم، وانخفاض الرّوح المعنويّة.
- أن يكون محبًا للخير، ومتسامحًا، ويغفر زلاّتك ويتجاوز عنها في سبيل الصّداقة، ويفرح لنجاح صديقه، لا بل ويشاركه فرحته، ويكون داعمًا له للمزيد من التقدّم.
- أن يُعطي بمقدار ما يأخذ، فالإيثار والعطاء من العوامل التي ترسّخ مفهوم الصّداقة الحقيقيّة، أمّا الأنانيّة فتدمّرها وتحكم عليها بالفشل عاجلاً أو آجلاً.
- أن يكون متعطّشًا للمعرفة والارتقاء، فالشّخص يتأثّر بصديقه، ويكتسب عنه بعض الصّفات، ومثل هذا الصّديق يتعلّم منه الشّخص الكثير، ويقوده نحو القمّة والنّجاح.
قد يُهِمُّكَ
إليك بعض النّصائح التي تساعدك في التعرّف على إذا ما كان الطّرف الآخر صديقًا يستحق صداقتك أم لا: [٦]
- قيّم الوقت الذي يقضيه صديقك معك، وما إن كان يرغب بالتّواجد معك، ويلغي الكثير من نشاطاته، أو مهامه فقط ليكون معك، ويشاركك لحظاتك سواء السّعيدة أو المحزنة.
- حدّد الأصدقاء الذين يلبّون دعوتك في جميع أحداث حياتك الرّئيسيّة، مثل حفل زفافك، أو حفل تخرّجك، أو حضور جنازة شخص عزيز عليك ليواسيك ويقدّم واجب العزاء.
- حدّد مدى استيعاب صديقك لكَ، ودرجة قدرته على الاستماع لكَ، ولمشاكلك، ويسألك دائمًا عن أحوالك وأخبارك، ويرغب بمعرفة جديدك.
- قيّم طريقة تفاعل صديقك معك، سواء بالاهتمام بالقدوم لموعد محدّد بينكما، أو سرعة الرّد على اتصالاتك، أو رسائلك النصيّة، أو إعادة الاتّصال في حال المكالمات الفائتة وعدم تجاهلها.
- شارك صديقك بسر من أسرارك واختبر مدى احتفاظه بالسّر، وعدم البوح به، حتّى إن حصل سوء فهم أو خلاف بينكما.
- انتبه لأي من أصدقائك يدافع عنك في غيبتك، ولا يستغيبك، ويكون لك الظّهر والمعين.
- قيّم مدى مسامحة صديقك لك على أخطائك، أو نسيانك، دون حمل أي ضغائن، ولديه ثقافة الاعتذار والاعتراف إذا ما أخطأ بحقّك.
- انتبه إلى مدى وجود الغيرة من جانب صديقك، فالصّديق الحقيقي يفرح لنجاح صديقه، بل ودعمه ليحقّق أهدافه بنجاح، ويصل للقمّة.
- قيّم مدى تقبّل صديقك لك على سلبيّاتك، بعيدًا عن النّقد السّلبي الهدّام.
- حدّد أي من أصدقائك يملك تأثيرًا إيجابيًا على نفسيّتك وحياتك في جميع جوانبها.
المراجع
- ↑ "What Is True Friendship?", medium, Retrieved 2020-6-6. Edited.
- ↑ "The Importance of Friendship", psychcentral, Retrieved 2020-6-6. Edited.
- ↑ "Why Friendship Is Important", liveabout, Retrieved 2020-6-6. Edited.
- ↑ "Best Friends Forever? 7 Essential Qualities Of A Good Friend", thelawofattraction, Retrieved 2020-6-6. Edited.
- ↑ "11 Secrets to Choosing the Right Friends", huffpost, Retrieved 2020-6-6. Edited.
- ↑ "How to Find Out Who Your Best Friends Are", wikihow, Retrieved 2020-6-6. Edited.