مدينة بانياس

مدينة بانياس
مدينة بانياس

مدينة بانياس

بانياس أو بني ياس هي مدينة تقع في منطقة طرطوس في شمال غرب سوريا، وتقع عند سفح تل قلعة المرقاب وهي قلعة ضخمة من حجر البازلت الأسود، على بعد يبلغ حوالي 55 كم إلى الجنوب من اللاذقية "لاودكية القديمة"، وعلى بعد 35 كيلو متر شمال طرطوس "طرطوشة القديمة"، وتبعد ما يقارب 117 ميلاً (أو 189 كم) شمال دمشق، عاصمة البلاد، ويبلغ عدد سكانها 39,066 نسمة،[١]واسمها اللاتيني بالانيا، وقد اشتهرت بانياس قديمًا بكثرة البساتين فيها، كما أنها كانت من أبرز المدن التي تُصدّر الخشب، واليوم تشتهر باحتوائها على مصفاة النفط، ولا زالت تمتلك الكثير من بساتين الحمضيات والفواكه المحاطة بالتلال الخضراء، وعلى أحد تلالها توجد قلعة المرقب الضخمة.[٢].

ويمكن الدخول إلى بانياس من مدخلين منفصلين؛ الأول هو مدخل الشلالات ويقع على الطريق المتجه شمال شرق البلاد، ويسمح للشخص بزيارة شلال بانياس بسهولة والتنزه في الممر المعلق، أما مدخل الينابيع فهو يقود الزائر إلى مجمع المعبد القديم الذي لم يبقَ منه الآن سوى بقايا آثار شاهدة على حُكم اليونان والرومان للمنطقة، وفي الواقع يعود اسم بانياس للكلمة بانيوس وتعني إله الغابات والرعاة وهو أحد آلهة الإغريق.[٣]


بانياس في العصور القديمة

تعود جذور مدينة بانياس إلى حقبة ما قبل التّاريخ، إذ كانت تمثّل ميناءً بحريًّا هامًّا تابعًا لمملكة أرواد في الحضارة الفينيقيّة، وكانت تعرف باسم باليميا في العهد الإغريقي وباسم بالانيا باللاتينية،[٢]وقد أسس الفنيقيون فيها قلعة المرقب لتكون حصنًا منيعًا لهم، كما لعبت الدور الدفاعي لهم في تلك الحقبة، واستُخدمت فيما بعد من قبل الإغريق والرومان والبيزنطيين، ثم أصبحت مقرًا للمُطران بعد ذلك،[٤]وقد كانت أيضًا مستعمرةً لعرادوس، ووضعها ستيفانوس بيزانتيوس في فينيسيا، رغم أنها كانت تنتمي إلى المقاطعة الرومانية السابقة في سوريا، وقد عُيّن لها أول مُطران ليمثلها في مجلس نيقية في عام 325، وعندما أنشأ الإمبراطور جستنيان مقاطعة مدنيّة جديدة، وضمّت كل من ثيودورياس ومدينة لاودكية، ودمجت مدينة بلانيا معها، لكنه واصل الاعتماد في الأمور الكنيسيّة على أفاميا، واستمرت كذلك إلى أن حصلت على إعفاء من المُطران في القرن العاشر الميلادي، لتصبح بعدها خاضعةً لبطريرك أنطاكية مباشرةً.[٢]

عندما استولى عليها الصليبيون فيما بعد ثبتوا أنفسهم أولًا في بانياس والتي عرفوها باسم فاليني، وذلك بالتركيز على رؤيتهم اللاتينية المتعلّقة بمدينة فاليني، وهي الرؤية التي عرفوها من المُطران في عام 1200م؛ وهي أن النهر الموجود بالقرب منهم هو بمثابة حدود بين مملكة القدس وإمارة أنطاكيا، والتي أطلق عليها الفرنجة اسم فاليني Valania باليوناني، أما المسلمون فقد عرفوها باسم بولونفاس Bulunvoas، وبسبب الظروف غير الآمنة للبلاد، عاش المُطران اللاتيني في مارجات، وهي قلعة مجاورة لفرسان الإسبتارية، بعد ذلك انتقلت بالانيا التي تسمى اليوم بني ياس أو بانياس لسيطرة الحكم العثماني، وقد كانت آنذاك قرية صغيرة وفيها مقرًا لإقامة القائم مقام kaïmakam في إحدى المناطق العثمانية، ومن الجدير بالذكر أن عدد سكانها في أوائل القرن العشرين بلغ حوالي 1,550 نسمة منهم 1200 من الموارنة و 230 من المسيحيين غير الكاثوليك، وقد اشتهرت بالزراعة آنذاك، وخاصة بزراعة؛ البصل، وأشجار الزيتون، والتبغ الناعم، ورغم أن المكان المخصص لرسو السفن فيها ممتازًا إلا أن زيارتها تقتصر على استخدام القوارب فقط.[٢]


بانياس في العصر الحديث

بعد الحرب العالمية الأولى، وجدت بانياس نفسها ضحية المنافسة من قبل الانتداب البريطاني على فلسطين والانتداب الفرنسي على سوريا، إذ أرادت بريطانيا الاحتفاظ بالسيطرة على نظام المياه الأردني بأكمله، في حين أرادت فرنسا السيطرة الكاملة على الطريق الذي يربط دمشق والجولان بصور اللبنانية، وبعد أن انتهى الانتداب الفرنسي في عام 1946، حصلت سوريا على استقلالها كدولة داخل الحدود نفسها، إلا أنه وفي الخمسينيات والستينيات، أعلنت خلالها إسرائيل عن خطة لتحويل المياه من مجرى بانياس إلى ناقلة المياه الوطنية، وواجهت سوريا خطة لبناء قناة من بانياس إلى اليرموك، وعندما تحركت الآلات الثقيلة للبدء في المشروع، دمرتها المدافع الإسرائيلية.[٥]

في يونيو من عام 1967، شهدت الدبابات الإسرائيلية اقتحام بانياس للاستيلاء على الجولان، فهرب القرويون وانتشروا شرقًا في سوريا، وقد دمرت الجرافات الإسرائيلية منازلها مما أدى إلى إنهاء ألفي عام من الحياة في بانياس، باستثناء المسجد والكنيسة والأضرحة، إلى جانب منزل الشيخ العثماني الذي يعلو فوق الأسس الرومانية، ثم بدأ المتطوعون الإسرائيليون في البناء على ضفاف النهر، وأنشؤوا مستوطنة كيبوتس سنير، وهي أول مستوطنة إسرائيلية في الجولان، وفي عام 1981 ، ضمت إسرائيل مرتفعات الجولان إليها، بالنسبة لبانياس، التي أُفرغت الآن من السكان، وقد دُمج موقعها في واحدة من المحميات الطبيعية الكثيرة في إسرائيل على هضبة الجولان، وأُحيطت بأربعة مسارات للمشي بدقة حول المدينة القديمة وينابيعها وشلالاتها، وأصبحت الكنيسة لليهود، ومنزل الشيخ العثماني أصبح يُطلق عليه اسم برج الزاوية.[٥]


أبرز المعالم الأثريّة في بانياس

تعد قلعة المرقب من أهم المعالم الأثرية في بانياس، وتبعد حوالي 10 كم جنوب بانياس، في بقعة سهلية ضيقة تنتهي بممر محفوف بالمخاطر بين البحر والجبال، وهي من أكثر طرق القلاع الصليبية تحصُنًا، إذ يُفترض أن يكون موقع القلعة هو موقع طبيعي لمهمة التحصين، ولكن لا يبدو أنه قد استُخدم لهذا الغرض قبل مجيء المسلمين إليها عام 1062، إذ تلاشى الوجود الصليبي في المنطقة سريعًا، وكان البيزنطيون هم الذين استولوا على موقع المرقب من العرب وذلك في رحلة استكشافية عام 1104، ثم عاد موقع المرقب بعد ذلك إلى إمارة أنطاكيا خلال الفترة ما بين 1108 و1140 للميلاد، وفي وقت لاحق من عام 1186، بيع الموقع إلى Knights Hospitable؛ وهم فراسان من القطاع الخاص الذين لم يهتموا بها كثيرًا لدرجة أنها كانت لا تمتلك الموارد والتجهيزات اللازمة لمقاومة غزو صلاح الدين الأيوبي لها، إذ إن صلاح الدين سار إلى قلعة المرقب أثناء طريقه لغزو منطقة أعلى الساحل في عام 1188 لكنه لم يهاجمها.[٦]

وبحلول عام 1271، كان وضع القلعة قد تآكل بالفعل بعد سقوط كراكوف بيد بيبرس، ونفّذ المماليك في القاهرة، اتفاقًا يُفضي إلى اقتسام عائدات الأراضي التابعة للمرقب بين الـ Hospitable والسلطان، ثم حاصرها بيبرس وقصفها ودمر بنيانها وشاركه في ذلك خليفته قلاوون عام 1285، فاستسلمت القلعة بعد شهر مع سقوط طرابلس في عام 1289 وطرطوس في عام 1291، واحتفظ قلاوون المملوكي بالقلعة وقد عزز هو وخلفاؤه العرب بعض المواقع الدفاعية فيها بما في ذلك البرج الجنوبي، وبقيت في أيدي الجيش حتى العصور العثمانية لكنها انتهت كمستودع للحكام السابقين المشوهين، ومن أهم معالم القلعة:[٦]

  • الأبراج: وهي تضُم مجموعة من الرخام الأبيض تُحيط بالجزء العلوي من الجدار الخارجي، وهو يمثل النمط العربي وربما المملوكي بالتحديد، والذي ازدهر في عهد قلاوون، والذي يحمل نقوشًا عربية مميزة، وقد بُني البرج الشرقي أيضًا ليوفر للبرج حمايةً على حافة الزاوية الجنوبية الشرقية ولحراسة البوابة الخلفية الصغيرة المؤدية إلى الممر الدائرى فوق جدار الحماية الأول.
  • الجسر: ويسمى بالجسر العربي، وهو يؤدي إلى البوابة الغربية التي تعود للقرن الثالث عشر الميلادي، وتغطيه سلالم ذات درجات تمتد فوق الخندق باتجاه بوابة المدخل التي تطل على البحر الأبيض المتوسط.
  • بوابة باربيكان: الواقعة إلى الشمال من المدينة، والتي يعود تاريخها إلى عام 1270، وهي عبارة عن غرفة مُقبّبة تؤدي إلى سلالم وممر في الفناء الرئيسي.
  • الكنيسة: ومدخلها الرئيسي واقع على الجانب الغربي مع باب جانبي إلى الشمال، ويعود تاريخه إلى المرحلة الأولى من حكم الـ Hospitable في نهاية القرن الثاني عشر، وهي جوهرة فن العمارة الصليبية، والتي تتميز بالتصميم الغني بالجمال لمداخلها على الجانبين الشمالي والغربي وأعمدتها الأنيقة، و ينقسم الجزء الداخلي إلى فسحتين يفصلهما قبو متقاطع، كما ويضيف غياب الأعمدة الداخلية إحساسًا بالمساحة في بناء صغير نسبيًا، أما في الطرف الشرقي للكنيسة، فيوجد المحراب الدائري الذي يرتفع خطوتين فوق مستوى باقي الكنيسة.


محمية بانياس الطبيعية

إذا كنت من محبي الطبيعة والأماكن التاريخية، فبالتأكيد ستجد ما تريد في بانياس، كما ستجد هذه المعالم في محمية بانياس الطبيعية التي يتراوح الجمال الطبيعي والتاريخي فيها بين أنقاض المدن القديمة وشلال بانياس المثير، وتقع المحمية في الجولان العلوي بين وادي هولا الخصب ومنطقة جبل حرمون، ويستمتع الزائر بالمشي في مساراتها، واستكشاف الأماكن الأثرية والتنزه في الغابات الخضراء الجميلة، إلى جانب أن المحمية تضم العديد من الأماكن الرائعئة، ومن أبرزها ما يأتي:[٣]

  • بانياس فولز بارك: وهي عبارة عن ساحة انتظار كبيرة للسيارات، والمرافق، ومكان لشراء الآيس كريم والوجبات الخفيفة وبيتزا الدروز الساخنة، بالإضافة إلى وجود بوابة للتذاكر والممر المعلق الذي بُني على طول الجدران الحجرية للبازلت والحجر الجيري وصولًا إلى النهر الذي يبعد بضع أمتار فقط، أما الشلالات فهي من أجمل المناظر التي يمكن يراها الزائر في تلك الساحة، إذ يبلغ ارتفاع الشلال 10 أمتار.
  • بانياس سبرينغز بارك: والذي يحتوي على موقف سيارات ومرافق لبيع الهدايا، ومسار الماء الجاري باتجاه الممشى المرصوف المؤدي إلى مدخل منطقة الكهف، وحول الكهف تنتشر المعابد والمحاكم في الموقع الذي أسسه نجل هيرودس فيليب في بانياس.


المراجع

  1. "Discover Baniyas in Syria!", trip-suggest, Retrieved 2019-11-20. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث "Banias (Baniyas) ", homsonline, Retrieved 2019-11-20. Edited.
  3. ^ أ ب "Banias Nature Reserve", touristisrael, Retrieved 2019-11-21. Edited.
  4. "Baniyas", cometosyria, Retrieved 2019-11-20. Edited.
  5. ^ أ ب Diana Darke (2019-6-23), "How Modern Disputes Have Reshaped the Ancient Canaanite City of Banias"، brewminate, Retrieved 2019-11-20. Edited.
  6. ^ أ ب "Baniyas", cometosyria, Retrieved 2019-11-20. Edited.

فيديو ذو صلة :