محتويات
النظام الاجتماعي في الإسلام
أمر الله تعالى المسلمين وأوصاهم باتباع تعاليم القرآن والإسلام وأن يعمل كل واحد منهم لصالح المجتمع والبشرية وأن يتحابوا ويتآخوا فيما بينهم حتى ينهض المجتمع، ويُصبح أفضل المجتمعات وأكثرها رُقيًّا وتحضّرًا، ولا يكون ذلك إلا باتباع نظام وأساس يُحدّد حقوق أفراد المجتمع وواجباتهم، إذ قرّر بعض علماء الاجتماع مثل ابن خلدون أنّ الإنسان ذو طبع مدنيّ، ويعيش في مجتمعات عاديّة، إذًا، هو بحاجة لنظام مُعيّن يتّبعه، فجائت الشريعة بالعقيدة الإسلامية كنظامٍ عام يتّبعه المُسلمون جميعًا، فهو الذي يُنظّم العلاقة بينهم، ويُحدّد حريّاتهم، ويُثيب المُحسن منهم، ويُجازي المُعتدي، إذ وضع هذا النظام مجموعة من القواعد والأعراف التي على المُسلمين الالتزام بها، ليُبنَى المُجتمع ويعلوا مكانةً.
فلا بُدّ لكل مسلم أن يُقيم الدّين والدُّنيا لله عزّ وجل، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[١]، ولا شكّ أنّ هناك عدّة شعوب قامت على نظام اجتماعي غريب، كالعِرق مثلًا، فهذا الأمر غير عادل كما الإسلام، لأنّك لا تستطيع أن تتحكم بعرقك وأصلك، عدا عن أنّ البعض اتّبع القوميّة والقوّة على أساس أنّها نظام اجتماعي، كالفُرس.
بالإضافة إلى أنّ الرومان اتّخذوا النّفوذ والمال كمعيارًا للبشر، والبعض قام نظامه على العلمانيّة والحريّة، وغيرها الكثير، فكان النّظام الاجتماعي في الإسلام هو الأكثر عدالةً، وأقرّت الشريعة الإسلاميّة أنّ التّفاضل بين النّاس يكون بالتّقوى وحُسن الأخلاق، والصّلاح فقال تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ}[٢]، وأكّد على هذا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام إذ قال: [إنَّ اللهَ قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفخرَها بالآباءِ , مؤمنٌ تقيٌّ , وفاجرٌ شقيٌّ , أنتم بنو آدمَ , وآدم من تراب, لَيَدَعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوامٍ , إنما هم فحمٌ من فحْمِ جهنمَ , أو لَيكونُنَّ أهونَ على اللهِ من الجِعْلَانِ التي تدفعُ بأنفْها النَّتِنَ][٣].[٤]
خصائص النظام الاجتماعي في الإسلام
فيما يلي بعضًا من خصائص النّظام الاجتماعي في الإسلام:[٥]
- نظام ربّاني: إذ أنّ الله تعالى شرّع للإنسان جميع جوانب الخير التي هو أدرى وأعلم بها، وبيّن له جوانب حياة الأسرة والفرد والأمّة والجماعة، فقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا}[٦]، ففي الآيات التي أنزلها الله علينا توجد جميع الآداب والقواعد الاجتماعيّة، والتي وضّحت لنا لُطف الله تعالى ورحمته، وذلك بعد أن أرانا نعمة الإكرام والخلق.
- نظام تعبُّدي: إذ أنّ المسلم يؤدي الأعمال الصالحة تبعًا لأوامر الله تعالى، كما يُحسن فيها العبد للآخر لوجه الله تعالى وليس لأهدافٍ أخرى، فقال عزّ وجل: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا}[٧]، فالحياة كلّها تخضع لله تعالى، وجميع أنظمة وأنشطة الحياة من أعمال الخير والبرّ هي عبادةً له عزّ وجل.
- نظام متوازن: فهو نظام يوزان بين حقق المرأة والرّجل، وحقوق الفرد والجّماعة، إذ تتوازن فيه رغبات الإنسان الجسديّة والروحيّة، ومتطلّباته العقليّة والعاطفية، فهو نظام لا يسحق الفرد من أجل الجماعة، ولا تُهدَر فيه مصلحة الجماعة من أجل الفرد، وهناك عدّة أدلّة من السُنّة النبوية والقرآن الكريم تُوضّح هذا التوازن، كقوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[٨].
- نظام مُتكامل: يقوم المُجتمع المُسلم على التكامل بين الأفراد، لا على الصّراع والحسد والضّغينة، فتكامل الأنثى والذّكر مُهمّان، فالمجتمع الإسلامي يُكمّل بعضه بعضًا كالبُنيان المرصوص والجسد الواحد، ويقوم على أن يُحب المسلم لأخيه ما يُحب لنفسه، فوحدك لن تستطيع أن تصنع كل ما تتمنّاه، لكن الجماعة قادرة على تحقيق جميع معاني الكمال.
- نظام شامل وسهل: فهو نظام شامل لجميع الأمور التي تحدث للفرد والجماعة، إذ يحفظ الحقّ ويُرتّب المصالح بطريقة مُناسبة، فهو شامل بالرّوح السهلة المُيسّرة، ومن أبسط الأمثلة على هذا التيسير، هو أنّ تبسّمك في وجه أخيك صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، جميعها من االأعمال التي تُبيّن لك كم هو نظام مُيسّر وشامل.
تعرف عليها: أهداف النظام الاجتماعي في الإسلام
جاء النظام الاجتماعي الإسلامي لتحقيق عدّة أهداف للمجتمع، أدرجنا لك فيما يلي مجموعة من تلك الأهداف المُهمّة:[٥]
- تحقيق السّكن: يُحقق هذا النظام السّكن النّفسي والحِسي والجنسي والعاطفي الذي منّ الله تعالى به علينا، فجميع تلك المشاعر لا تتحقّق في العلاقات المُحرّمة كالزنا وغيرها، لأنّه هو السّكن الذي يُحقق الاستقرار والسّتر للنفس داخل العبد، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[٩].
- تحقيق المودّة: وهي المودّة التي ينبثق منها السّلام الذي يُعد مطلبًا مُهمًّا في الحياة، فهي المودّة التي تتوارث من جيلٍ لجيل، والموجودة بين الزوجين وبين العائلات والقبائل، قال تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[١٠].
- تحقيق الرّحمة: وهي الرّحمة التي يحتاج لها الإنسان والحيوان، والتي تُنعش الحياة، إذ أنّ أحد أهداف نظامنا الاجتماعي هو تحقيق الرّحمة للصغير والكبير، فإذا حقّقنا الرّحمة في هذه الدُنيا، فإننا سننال رحمة الله الواسعة يوم القيامة.
- تحقيق الحقّ: وهو حق الله تعالى وحقّ رسوله، والحق بين الزوجين وحق الجار والوالدين وحق المسكين وابن السبيل، وغيرها الكثير من الحقوق التي تُعدّ إحدى الأهداف التي حثّت عليها شريعتنا الإسلامية، كما أنّ تأدية الحقوق إلى أصحابها أساس العِشرة بين الناس في المجتمع.
- تحقيق التكافل الاجتماعي: إذ يتحقّق التكافل الاجتماعي من خلال العلاقات الأسريّة القويّة الناتجة عن التعاون على البرّ والخير كلّه، فالتكافل يكون بين الأُسَر مع بعضها، وبين الأسرة والجماعة، وبين الأمّم والشعوب، وبهذا التكافل، يكون الفرد والجماعة حريصين على مصلحة بعضهما البعض.
- تحقيق التّعارف: إذ أمرت عقيدتنا الإسلاميّة في التعاون مع باقي الشعوب حتّى الشعوب غير المُسلمة، وذلك لتحقيق الخير والبرّ في هذه الحياة، قال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[١١] إذ أوجد الله الشّعوب لتتكافل وتتعاون، لا لتتحارب وتتقاتل.
قد يُهِمُّكَ: دور الأسرة في النظام الاجتماعي الإسلامي
نريد في هذه الفقرة أن نوضّح لك اهتمام النظام الاجتماعي في الأسرة من خلال النظام الاجتماعي في الإسلام، فهي كيان المُجتمع، وأحد العوامل التي تؤثر سلبًا وإيجابًا عليه، فالأسرة في الإسلام وقايةً من الخلل الاجتماعي، وفي الأصل أُسَرنا ليست فاسدة، بل تأثّرت بتصرّفات وعادات الغرب التي لا تمُت للإسلام بصلة، إذ يهتم الإسلام بالأسرة ضمن أُسس وقواعد مُشرّعة.[١٢]، وفيما يلي بعضًا معالم اهتمام نظامنا الاجتماعي بالأسرة:[٤]
- الزوّاج: وهو الطريقة الوحيدة في المجتمع لتكوين الأسرة، ويُعد من العبادات في الإسلام، فوضع النظام الاجتماعي لنا بعض الإجراءات كالخِطبة التي تسبق الزواج ضمن تشريعات مُعيّنة، والصّداق، وهو المال الذي يُقدّمه الزوج للزوجة، عدا عن الإشهار، فجميعها تقع ضمن القواعد التي وضعتها لنا عقيدتنا الإسلامية لبناء مجتمع سليم، كما أن النظام الاجتماعي الإسلامي رغّب بالزواج، فقال تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}[١٣].
- الطّلاق: وهي أحد الحلول التي ذكرها لنا النظام الاجتماعي في الإسلام، فهو كالعلاج في حال استحالت استمرارية العلاقة بين الزوجين، ولكن وضع النظام الإسلامي مراحل للطلاق، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[١٤].
- الميراث: إذ أنّك تشعر بالرّاحة عندما تشعر أنّ ميراثك سيذهب لأولادك وليس للغرباء، وهذه إحدى التشريعات المُطمئنة التي وضعتها لنا العقيدة الإسلامية ونظّمت بها حياتنا قائمةً على العدل، قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}[١٥].
- ↑ سورة الحجرات، آية:14
- ↑ سورة الحجرات، آية:13
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1787 ، حسن.
- ^ أ ب "النظام الاجتماعي في الإسلام "، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020. بتصرّف.
- ^ أ ب "خصائص وأهداف النظام الاجتماعي في الإسلام"، شبكة الألوكة القافيّة، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية:3
- ↑ سورة الإنسان، آية:9
- ↑ سورة القصص، آية:77
- ↑ سورة الروم، آية:21
- ↑ سورة الروم، آية:21
- ↑ سورة الممتحنة، آية:8
- ↑ "الأسرة في الإسلام وقاية من الخَلَل الاجتماعي"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2020. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية:32
- ↑ سورة النساء، آية:19
- ↑ سورة النساء، آية:11