حجة الوداع
بعد أن بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أمته الرسالة، وبعد فتحه لمكة ودخول الناس في دين الله أفواجًا، فرض الله تعالى الحج على الناس وذلك في أواخر السنة التاسعة من الهجرة، فعزم النبي صلى الله عليه وسلم على الحج، وقد أعلن ذلك أمام المسلمين، وعندما علم الناس بنية الرسول صلى الله عليه وسلم للحج، قدم خلق كثير إلى المدينة المنورة ممن يريدون الحج مع الرسول، وأن يكون إمامهم في تلك الرحلة، فقد كان الجاهليون يذهبون إلى الحج في كل عام، إلا أن الحج في السنة التي خرج بها الرسول وصحابته إلى مكة قاصدين أداء مناسك الحج كان مختلفًا عما كان يفعله العرب قبل الإسلام، فقد دثرت أصنامهم ووثنيتهم، وحرم عليهم دخول المسجد الحرام، ليصبح الحج فقط للمؤمنين بوجود الله تعالى الموحدين له، والمؤمنين برسالة الإسلام وما جاءت عليه من تغيير لحياة المسلمين والأمة أجمع إلى الأفضل.[١]
في أي عام كانت حجة الوداع؟
خرج الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة لتأدية مناسك الحج في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة في العام العاشر للهجرة، وقد انطلق عليه السلام بعد الظهيرة حتى بلغ ذي الحليفة حيث اغتسل وتطيب ولبس إزاره ورداءه ومن ثم أهل بالحج والعمرة وقرن بينهما، وواصل عليه السلام وصحابته المسير وهم يلبون، فلما اقتربوا من مكة نزلوا بذي طوى وباتوا فيها ليلة اليوم الرابع من ذي الحجة وصلوا بها الصبح ومن ثم اتجهوا إلى مكة، فلما دخلها عليه السلام طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأقام وأصحابه في مكة أربعة أيام، وفي ضحى اليوم الثامن من ذي الحجة توجه عليه السلام ومن معه من المسلمين إلى منى ومكثوا فيها حتى طلوع الشمس، وبعدها نزل بنمرة، ومن ثم بوادي عرنة، ولما زالت الشمس أمر الناس بالاجتماع حوله ليخطب بهم خطبة الوداع التي بين فيها أصول الدين وقواعده.
ومن ثم صلى عليه السلام بالناس الظهر ومن ثم العصر، وركب الناقة حتى أتى عرفات، فاستقبل القبلة، ولم يزل واقفًا فيها حتى غربت الشمس، وعندها أنزل الله تعالى قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[٢]، وبعدها أفاض عليه السلام من عرفات ومشى حتى أتى مزدلفة، ومن ثم إلى منى ورمى الجمرات فيها، وعاد بعدها إلى مكة راكبًا، فطاف في البيت طواف الإفاضة، وصلى فيها الظهر ليعود بعدها إلى منى ليرمي الجمرات الصغرى ثم الوسطى ثم العقبة، وفي اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، نفر عليه السلام وصحابته من منى، وبعدها عاد إلى البيت الحرام ليطوف طواف الوداع، ثم توجه راجعًا إلى المدينة المنورة، وهكذا علم المسلمين كيفية أداء مناسك الحج، فكانت تلك الحجة حجة الوداع وحجة الإسلام وحجة البلاغ، ولم يمكث بعدها أشهرًا حتى وافاه الأجل صلوات الله تعالى وسلامه عليه.[٣]
مبادئ وتوصيات خطبة الوداع
تضمنت خطبة الوداع العديد من المبادئ والتوصيات التي حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إيصالها للمسلمين، ومنها ما يأتي:[٤]
- حرمة سفك الدماء بغير وجه حق، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته: [فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكُم حرامٌ كحُرمةِ يومِكم هذا ، في بلدِكُم هذَا ، في شَهرِكم هذا][٥].
- بطلان كل ما كان عليه العرب قبل الجاهلية من معتقدات وعادات، والتي لا يمكن لها أن تنهض بأمة، ولا أن تبني حضارة، بل هي الطريق إلى الهدم والخراب، وقد بين الرسول صلى الله عليه سولم ذلك بقوله: [ألا وإنَّ كلَّ رِبًا في الجاهليَّةِ مَوضوعٌ ، لَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ غيرَ ربا العبَّاسِ بنِ عبدِ المطَّلبِ فإنَّهُ موضوعٌ كلُّهُ ، ألا وإنَّ كلَّ دَمٍ كانَ في الجاهليَّةِ موضوعٌ ، وأوَّلُ دَمٍ أضَعُ من دمِ الجاهليَّةِ دَمُ الحارثِ بنِ عبدِ المطَّلبِ ، كانَ مسترضِعًا في بني ليثٍ فقتلَتهُ هذيلٌ][٥].
- الوصاية بالنساء خيرًا، فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تنبيه المسلمين على أن يستوصوا بنسائهم الخير، وأن يحرصوا على إعطائهن حقوقهن والدفاع عن كرامتهن، وهو ما لا نجده في الوقت الحاضر الذي تنجرف فيه المرأة مع تيار كاسح قد يهوي بها إلى الهلاك، ويقلل من قيمتها، فقد تجاهل أصحاب الشعارات المطالبة بحرية المرأة الفرق بين حقوقها وكرامتها، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ العظيم في قوله: [ألا واستَوصوا بالنِّساءِ خيرًا ، فإنَّما هُنَّ عوانٍ عندَكم ، ليسَ تملِكونَ مِنهنَّ شيئًا غيرَ ذلِكَ إلَّا أن يأتينَ بِفاحِشةٍ مبيِّنةٍ ، فإن فعَلنَ فاهجُروهُنَّ في المضاجِعِ واضرِبوهنَّ ضربًا غيرَ مبرِّحٍ ، فإن أطعنَكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلًا . ألا وإنَّ لَكم على نسائِكم حقًّا ، ولنسائِكم عليكم حقًّا ، فأمَّا حقُّكم على نسائِكُم فلا يوطِئنَ فُرُشَكم من تَكرَهونَ ، ولا يأذَنَّ في بيوتِكم لِمن تَكرَهونَ ، ألا وإنَّ حقَّهُنَّ عليكُم أن تُحسِنوا إليهِنَّ في كسوتِهنَّ وطعامِهِنَّ][٥].
- التمسك بكتاب الله تعالى وهديه صلى الله عليه وسلم والاعتصام بهما، فهما السبيل إلى العزة والنجاح، فمن تمسك بكتابه تعالى وسار على هديه صلى الله عليه وسلم ضمن الصلاح والأمان وابتعد عن طريق الضلال والشقاء، وقد بين صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ العظيم بقوله: [إنِّي قد خلَّفْتُ فيكم شيئَيْنِ لن تَضِلُّوا بعدَهما أبدًا ما أخَذْتُم بهما، أو عمِلْتُم بهما: كتابَ اللهِ، وسُنَّتي، [ولن] يتفرَّقَا حتَّى يَرِدَا علَيَّ الحوضَ][٦].
المراجع
- ↑ "حجة الوداع واهم ما احتوت عليه خطبة الوداع"، almrsal، اطّلع عليه بتاريخ 3-6-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 3.
- ↑ "حجة الوداع"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 3-6-2020. بتصرّف.
- ↑ "تأملات في خطبة الوداع"، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 3-6-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عمرو بن الأحوص، الصفحة أو الرقم: 3087، حسن.
- ↑ رواه ابن حزم، في أصول الأحكام، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2/251، صحيح.