محتويات
الوعد والوفاء به في الإسلام
قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ}[البقرة: 286]، كل ما جاء به الشرع من أوامر ونواهي وأحكام وأخلاق حميدة ما جاءت إلا لتضبط حياة الإنسان وتيسرها له وفق النهج القويم، وكل ما ورد في الشرع من أحكام وواجبات هي في نطاق قدرة الإنسان واستطاعته، ومن أنبل الصفات التي حث عليها الإسلام وأثنى على أصحابها هي صفة الوفاء بالوعد، الوعد هو الصدق في القول والفعل والالتزام أمام الله أولًا، ثم أمام الشخص الذي وعده بأمر ما أن يحققه له في الوقت المحدد له، فالوفاء بالوعد خُلق نبيل؛ خُلق الأنبياء والمرسلين والصالحين الأخيار، وجاء الدين الإسلامي ليعزز هذا الخُلق ويثني عليه، ويقبح فعل من لم يلتزم بوعده الذي قطعه على نفسه أمام الآخرين؛ ووصفه بالنفاق، إلا أن الحياة المعاصرة باتت تفتقد إلى هذا الخلق النبيل في كثير من نواحيها، إما لجهل الناس بأهمية الوعد وما هي الأمور المترتبة على ذلك، أو لصعوبة الظروف المعيشية وسرعة الحياة اليومية؛ التي أشغلت الناس عن وعودهم والوفاء بها.[١]
من أمثلة إخلاف الوعد
تكاد الحياة اليومية لا تخلو من الأمثلة على إخلاف الوعد ونقض العهود في كل مكان وزمان، وفي كافة المجالات والمناحي الحياتية بين الناس، مثل إخلاف المواعيد الزمانية بينهم، ونقض العهدود التي أبرموها بينهم بلا عذر أو سبب وجيه، ومن أبرز الأمثلة على إخلاف الوعد في التاريخ الإسلامي هو ما جرى من يهود بني قريظة ونقضهم للعهد الذي كان بينهم وبين رسول الله عليه السلام، فبعد أن فشلت جيوش الأحزاب من اقتحام مدينة رسول الله عليه السلام ومواجهته عسكريًا وقتاله هو ومن معه من جيوش المسلمين وجهًا لوجه في غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق، لجؤوا للخيانة والتآمر مع يهود بني قريظة وتحريضهم على إخلاف الوعد الذي كان بينهم وبين المسلمين بعدم خوض أي قتال ضد المسلمين، وبالفعل رضخ يهود بني قريظة لكفار قريش وأخلفوا وعدهم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وشرعوا بالحرب مع الكفار ضد المسلمين، إلا أن الله عز وجل أرسل ريحًا قوية قلبت قدورهم واقتلعت خيامهم، وزرعت الرعب في قلوبهم، فرجعوا إلى ديارهم خزايا مخذولين، وانتصر المسلمون عليهم بإذن الله تعالى وإرادته.[٢]
أهمية الوفاء بالوعد
للوفاء بالوعد أهمية كبيرة وضرورة اجتماعية ملحة حتى لا يدخل المسلم في دائرة النفاق، ففي الحديث الشريف: (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلىى الله عليه وسلم: آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا وعَدَ أخْلَفَ) [أبو هريرة| خلاصة حكم المحدث : صحيح]، والنفاق هو أن يظهر المرء خلاف ما يبطن؛ فيظهر الخير ويبطن الشر، ومن ذلك أيضًا أن يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وقد ظهرت علامات النفاق في عهد النبي محمد صلىى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر وبعد أن صارت الغلبة للمسلمين على كفار قريش وظهرت معادن النفوس وحقيقتها وكشف الله نفاق البعض، وتجلّت أخلاق الرجال الأخيار بثباتهم على الوعد وعلى قول الحق مهما كانت الظروف من حولهم، لذا كان الوفاء بالوعد من أهم الصفات وأنبلها وحري بالمسلم أن يتحلى بها في كافة معاملاته.[٣]
حكم إخلاف الوعد
ذهب جمهور العلماء إلى أن الوفاء بالوعد هو فعل مستحب وليس بواجب، وذلك عند الشافعية والحنبلية والمالكية والظاهرية في حال كان الوعد مجردًا، وكان للحنابلة قول آخر اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد الشنقيطي؛ وهو أن الوفاء بالوعد واجب يحرم إخلافه بلا عذر، ودليلهم في ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]، والقول الثالث هو رأي الحنفية أن الوفاء بالوعد لازمًا في حال كان الوعد معلقًا على شرط ما، كأن يعد بالحج إن شفي من مرضه، فيلزمه الوفاء بالوعد متى ما شفي من مرضه هذا، والقول الراجح هو الالتزام بالوفاء بالوعد بالمعروف.[٤]
حالات إخلاف الوعد
الوفاء بالوعد من صفات المؤمنين، ويبقى الوعد دين على صاحبه ولا بد له من الوفاء بالوعد؛ فالشخص الذي يعد الناس ويخلف وعده لهم دون عذر أو مانع حقيقي؛ فإنه بذلك آثم بإخلافه للوعد، ولكن تبقى هناك بعض الحالات التي يستثنى فيها تحريم إخلاف الوعد؛ وهي الحالات التي يضطر فيها المرء لإخلاف وعده الذي قطعه على نفسه لعذر ما، ومن الحالات التي يُعذر فيها المرء عند إخلاف الوعد ولا يترتب عليه إثم، ما يأتي:[٥]:
- النسيان: عفا الله عز وجل عن المسلم في حالة النسيان سواء في ترك فريضة أو في فعل محرم، وعليه فإن من وعد شخصًا بأمر ما، ثم نسي وعده هذا وفات موعده فلا إثم عليه ولا حرج في ذلك، لأنه لم يتعمد نقض وعده.
- الإكراه: أي أن يجبر المرء على نقض وعده بالقوة، كالحبس مثلًا أو التهديد بعقوبة قاسية إن هو أوفى بوعده ذاك؛ لقول النبي عليه السلام:(إنَّ اللَّهَ وضَعَ عن أمَّتي الخطَأَ والنِّسيانَ وما استُكرِهوا عليهِ)[عبدالله بن عباس | خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- الوعد بفعل محرَّم أو ترك واجب: فمن وعد شخصًا بفعل محرم كالسرقة ونحوها، أو وعد بترك واجب ما، ففي هذه الحالة لا يجوز له أصلىًا الوفاء بهذا الوعد، لأن فيه مخالفة للشرع.
- حصول طارئ ما: قد تقع حوادث كثيرة تغير مجرى الأمور، مثل الوفاة أو المرض أو تعطل وسيلة النقل وغيرها الكثير من الأعذار، فإن حصول طارئ مع صاحب الموعد يعد عذرًا حقيقيًا ولا يترتب عليه إثم بإخلافه موعده.
المراجع
- ↑ "حكم عن الوعد والوعود , اقوال وامثال عن الوعد"، حصري، اطّلع عليه بتاريخ 2-5-2019. بتصرّف.
- ↑ إيهاب أحمد (21-4-2015)، "غزوة الأحزاب الخندق"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 20-6-2019. بتصرّف.
- ↑ "حديث: آية المنافق ثلاث"، الألوكة، 7-1-2013، اطّلع عليه بتاريخ 2-5-2019. بتصرّف.
- ↑ "حكم الإلزام بالوفاء بالوعد"، المسلم ، اطّلع عليه بتاريخ 20-6-2019. بتصرّف.
- ↑ "ما هي حالات إخلاف الوعد ؟"، الإسلام سؤال وجواب، 9-6-2003، اطّلع عليه بتاريخ 2-5-2019. بتصرّف.