حديث من نفس عن مؤمن كربة

حديث من نفس عن مؤمن كربة
حديث من نفس عن مؤمن كربة

حديث من نفس عن مؤمن كربة

دين الإسلام هو خاتم الأديان، وهو النور الذي أنزله رب العالمين على سيد المرسلين، فكان منهج حياة شامل ونظامًا عادلًا نيّرًا، بُني على خير الأعمال وأحبها إلى الله وأصلحها للفرد والمجتمع، وجاءت السنة النبوية الشريفة بأحاديث كثيرة حملت في طيّاتها قناديل مضيئة تنير للبشرية طريق الحق والصواب، وتوجّه الفرد وترشده لما فيه صلاح أمره في الدارين، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: [مَن نفَّسَ عن مُؤْمنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنيا؛ نفَّسَ اللهُ عَنه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَوْمِ القِيامَةِ، ومَن ستَرَ مُسْلمًا ستَرَه اللهُ في الدُّنيا والآخِرَةِ، ومَن يسَّرَ على مُعْسِرٍ يسَّرَ اللهُ عليه في الدُّنيا والآخِرَةِ، واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كان العَبْدُ في عَوْنِ أَخيه، ومَن سلَكَ طَريقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا سهَّلَ اللهُ له به طَريقًا إلى الجنةِ، وما اجتمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيوتِ اللهِ يَتْلُون كِتابَ اللهِ، ويَتَدارَسُونه بَيْنَهم؛ إلَّا نزلَتْ عليهم السَّكِينَةُ، وغشِيَتْهم الرَّحْـمةُ، وحفَّتْهم الـمَلائِكةُ، وذكَرَهم اللهُ عزَّ وجلَّ فيمَن عِندَه، ومَن أبْطَأَ به عَمَلُه، لَـمْ يُسْرِعْ به نَسَبُه]،[١] فهذا الحديث الشامل في معانيه وقيمه كنز من كنوز الدين الإسلامي الذي يصلح فيه الأفراد، وفي الفقرات اللاحقة سنلقي الضوء على أهم ما جاء به الحديث بإذن الله.[٢]


شرح حديث من نفس مؤمن كربة

لهذا الحديث أهمية عظيمة في تحفيز المسلمين للعمل على مساعدة وخدمة الآخرين، وكذلك تحفيز لمجالسة أهل العلوم والقرآن، وفي الوقت ذاته ذمٌ لمن يعتمدون على نسبهم ويهملون في أعمالهم، وفيما يأتي شرح موجز لجوانب الحديث هي كالآتي:[٣]

  • مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِن كُربَةً مِن كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كرَبِ يَوم القيامَةِ : الكربة هي الشدة أو الخطب الجلل مما يصيب المؤمن ويجعله مهمومًا، ونفّس: أي فرج أو وسع، والدنيا هي دار ابتلاء ومحن، وأن المؤمن معرض بكل لحظة للكرب والشدائد، وفي هذا الحديث حثّ على التعاضد والمؤازرة في تفريج المسلم الهم الذي يحل بأخيه المسلم سواءً بقضاء دين أو تيسير حاجة من حوائج الدنيا، أما الأجر والثواب فهو عظيم جدًا، وهو كما جاء في الحديث "نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كرَبِ يَوم القيامَةِ"، وعند التفكير بالأمر جليًا نجد أن تنفيس الكرب في الدنيا لا يقارن بتنفيس الكرب يوم القيامة الذي يكون فيه العبد في موقف لا ينفعه إلا خيرات عمله في الحياة الدنيا.
  • وَمَنْ يَسَّرَ على مُعسرٍ يَسَّرَ الله عَلَيهِ في الدُّنيَا والآخِرَة: يسر على معسر أي سهل عليه حاجته، سواءً بمساعدته في قضاء دين أو إمهاله لقضاء دينه، قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة}،[٤] والنتيجة في الحديث نفسه "يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"، أي أن الجزاء من جنس العمل، وما أحوج المؤمن لرصيد من العمل الصالح مع فلان هنا وفلان هناك لينال توفيق الله وعنايته في الدنيا والآخرة.
  • وَمَنْ سَتَرَ مُسلِمًَا سَتَرَهُ الله في الدُّنيَا وَالآخِرَة: يقع الإنسان بالخطأ والزلل وخير الخطّائين التوابين، فإن رأى المسلم زللًا من أخيه أو جاره وجب عليه ستره وعدم فضحه، ومن المعلوم أن تتبع عورات الناس وهتك أسرارهم دلالة على النفاق، فستر الله على المسلم يأتي من ستره على إخوانه.
  • "وَاللهُ في عَونِ العَبدِ مَا كَانَ العَبدُ في عَونِ أخيهِ": إن كان بمقدور أي مسلم أن يساعد أخيه بمال أو بإنجاز عمل فلا يبخل في ذلك، فالنتيجة حتمية بأن الله سيساعده ويعينه كما أعان أخيه ويجزيه خير الجزاء.
  • وَمَنْ سَلَكَ طَريقًَا يَلتَمِسُ فيهِ عِلمًَا سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طَريقًَا إِلَى الجَنَّةِ: المقصود هنا هو علوم الشريعة ونحوها مما ينفع المرء في دنياه وآخرته، ففي الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إنَّ للهِ أهلين من النَّاسِ قالوا من هم يا رسولَ اللهِ قال أهلُ القرآنِ هم أهلُ اللهِ وخاصَّتُه].[٥]
  • وَمَا اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِنْ بيوتِ اللهِ يَتلونَ كِتابِ اللهِ وَيتَدارَسونهَ بَينَهُم إِلا نَزَلَت عَلَيهُم السَّكينَة وَغَشيَتهم الرَّحمَة وحَفَتهُمُ المَلائِكة وَذَكَرهُم اللهُ فيمَن عِندَهُ: بين الحديث فضل ارتياد المساجد، ففيه استحباب للجلوس في المساجد لتدارس القرآن وتلاوته، "إِلا نَزَلَت عَلَيهُم السَّكينَة": أي الطمأنينة، "وَغَشيَتهم الرَّحمَة": أي غطّتهم رحمة الله وعنايته، وحَفَتهُمُ المَلائِكة: أي طافت حولهم وأحاطتهم، "وذكرهم الله فيمَن عِندَهُ" فما أعظمه من شرف أن يباهي الله بالعبد الملأ الأعلى.
  • وَمَنْ بَطَّأ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بهِ نَسَبُهُ: إذ ان قيمة المؤمن معيارها عند الله هو عمله الصالح وليس نسبه لابيه وأجداده، فيوم القيامة يوم لا تنفع فيه الأنساب ولا الآباء ولا الأبناء، بل التقوى والعمل.[٦]


الفوائد والأحكام المستخلصة من الحديث

أتى الحديث بالعديد من القيم الإسلامية التي خطفت قلوب البشر على مرّ العصور، وهي من دعائم أركان الإسلام الخمس التي تزينها وتتمها، وفيما يأتي سنسلط الضوء على أهم الفوائد والأحكام المستخلصة من الحديث هي كالآتي:[٧]

  • إن أصل الحديث في مشروعيته هو التكافل الاجتماعي، فالمسلمين كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد.
  • حث الحديث على تفريج الكربات بأي طريقة تؤدي الغرض منه، وما في ذلك من أجر وثواب كبير، وهو من نفس جنس العمل أي التفريج عن المسلم يوم القيامة.
  • دل الحديث على أهمية وفضل التيسير على المعسر، فالمعسر إما أن يكون قد طلب ما يعجز عنه وفيه وجوب التيسير وحرمة التعسير، أو التيسير المستحب لغير المعسر، أي أنه ليس واجبًا على المسلم أن يعطي أخًا له مالًا مقابل تسديد ديونه، وإن أعطاه فإن ذلك يأتي من باب المندوب وليس الواجب كما في التيسير على المعسر فيما يعجز عنه.
  • الستر المذكور في الحديث مشروع لمن لما يُعرف بمجاهرة المعاصي والتأكيد عليها بالعلن، أما ما هو معروف بفساده ومجاهرته بالمعاصي فلا سترًا في حقه، فهو مصدر للأذى والضرر بالآخرين والمجتمع بأكمله.
  • حث الحديث على فضل الإعانة على قضاء الحوائج، وهي إما إعانة حسية كسداد الديون، أو إعانة معنوية كالشفاعة الحسنة مصداقًا لقوله تعالى:{مَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}.[٨]
  • يشترط في الإعانة أن تكون فيما أمر الله، فلا تُحدث ضررًا في الدين والدنيا، وإلا انقلبت إلى إعانه غير محمودة، فشهادة الزور لا تعد إعانة بل هي نقمة تعود على الجميع بالإثم.


فضل قضاء حوائج الناس ومساعدتهم

من يسعى لقضاء حوائج الناس يعكس الأخلاق الرفيعة التي حث عليها الإسلام، بالإضافة إلى القيمة الاجتماعية التي ستطال أفراد المجتمع في تعاونهم على البر والتقوى، وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز ذلك مباشرة لا يحتاج لتفسير أو تأويل في قوله:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}،[٩] فهذا المعروف واصطناعه يشمل الأمور المعنوية والحسية على حدّ سواء، فالنفع يكون بالعلم، الرأي، النصيحة والمشورة، ففي الحديث الذي رواه أنس وسهل بن سعد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: [عندَ اللهِ خزائنُ الخيرِ والشرِّ، مفاتيحُها الرجالُ، فطوبَى لمنْ جعلهُ اللهُ مِفْتَاحًا للخيرِ، مِغْلَاقًا للشرِّ، وويلٌ لمنْ جعلَهُ اللهُ مِفتاحًا للشرِّ مغلاقًا للخيرِ]،[١٠][١١]


المراجع

  1. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 7427، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين.
  2. "شرح الحديث"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2019. بتصرّف.
  3. عبدالعال بن سعد الرشيدي (13-8-2016)، "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة "، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2019.بتصرّف.
  4. سورة البقرة ، آية: 280.
  5. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2/303، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح.
  6. سورة الحجرات ، آية: 13.
  7. "باب البر والصلة: شرح حديث (من نفس عن مؤمن كربة...)"، saadalkhathlan، 30-6-2016، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2019. بتصرّف.
  8. سورة النساء ، آية: 85.
  9. سورة المائدة ، آية: 2.
  10. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أنس بن مالك وسهل بن سعد، الصفحة أو الرقم: 5608، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
  11. بدر عبد الحميد هميسه، "فضل السعي في قضاء حوائج الناس"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :