محتويات
التعريف بماء الرجل وماء المرأة
جاء القرآن الكريم إقرارًا بأن خلق الإنسان من الماء بدليل قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا }،[١]، وقد وصفه الله تعالى في القرآن أنه ماء دافق ومهين، إذ إنه يحتوي على العناصر الأولية لخلق الإنسان، فالعلم الحديث أثبت بما لا يجعل مجالًا للشك أن الجنين يتكون من اندماج حيوان منوي من الرجل مع بويضة من الأنثى، وعليه فالحيوان المنوي هو نطفة الرجل والبويضة هي نطفة الأنثى، فالماء الدافق هو من يحمل هذه النطاف للرجل والمرأة على حد سواء، والتدفق بحسب العلماء اليوم لابد أن يكون دافقًا حتى يحصل الإخصاب، فالحيوانات المنوية لابد لها من أن تتحرك بقوة حتى يتمكن حيوان منوي واحد فقط في اخصاب بويضة واحدة، في حين ماء المرأة يجب أن يتدفق حاملًا معه البويضة التي تكون محاطة بالماء في حويصلة "جراف"، وفي حال انفجار هذه الحويصلة يتدفق الماء فتنتقل لقناة "فالوب" التي توصلها لقناة الرحم فتلتقي مع الحيوانات المنوية إن وُجدت ويحدث الإخصاب بمشيئة الله تعالى، وعليه فالماء الذي هو السائل المنوي يحتوي على الحيوانات المنوية للرجل، والماء الموجود في حويصلة جراف هو الماء الذي يحتوي على بويضة المرأة، وكلًا من الحيوان المنوي أو البويضة يخرج من بين الصلب والترائب، وهي الغدد النتاسلية المنتجة لهما، فالخصية هي من تنتج الحيوانات المنوية، والمبيض هو من ينتج البويضات، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الماء عند المرأة نوعان، الأول ماء لزج يسيل ولا يتدفق أي الماء الذي يخرج من المهبل، ولا علاقة له بالإخصاب وإنما بالشهوة الجنسية والوصول للنشوة، والثاني هو الماء المذكور آنفًا والذي يتدفق من حويصلة جراف بعد انفجارها ولونه أصفر.[٢]
تفسير حديث رسول الله إذا علا ماء الرجل
{ أقبلتْ يهودُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالوا يا أبا القاسمِ نسألُك عن أشياءَ إن أجَبْتنا فيها اتَّبعناك وصدَّقناك وآمنَّا بك قال فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيلُ على نفسِه قالوا اللهُ على ما نقولُ وكيلٌ قالوا أخبِرْنا عن علامةِ النبيِّ قال تنامُ عيناه ولا ينامُ قلبُه قالوا فأخبِرْنا كيف تُؤَنَّثُ المرأةُ وكيف تُذكَّرُ قال يلتقي الماءانِ فإن علا ماءُ المرأةِ ماءَ الرجلِ أُنِّثتْ وإن علا ماءُ الرجلِ ماءَ المرأةِ أُذكِرَتْ قالوا صدقتَ فأخبِرْنا عن الرَّعدِ ما هو قال الرعدُ ملَكٌ من الملائكةِ مُوكَّلٌ بالسَّحابِ بيدَيه أو في يدِه مِخراقٌ من نارٍ يزجرُ به السحابَ والصوتُ الذي يُسمعُ منه زَجْرُهُ السَّحابَ إذا زجَرَه حتى ينتهيَ إلى حيث أمرَه}[٣]
اختلف العلماء في تفسير حديث إذا علا ماء الرجل من باب معرفة دلالة جنس المولود أو شَبه المولود لأبيه أو لأمه، ووردت العديد من الآراء في الحديث واكتشفها العلماء مؤخرًا، وفيما يأتي ذكرها:[٤]:
- أفاد علماء الطب والخصوبة بأن الرجل هو المسؤول عن جنس المولود، إذ إنه يتحدد بمجرد حدوث الإخصاب أي تلقيح الحيوان المنوي للبويضة، ويكون المولود ذكرًا في حال التقاء حيوان منوي يحمل إشارة Y مع البويضة، في حين يكون المولود أنثى في حال كان يحمل إشارة X، والنطفة التي تُمنى هي نطفة الرجل مصداقًا لقوله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى. مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}،[٥].
- أكد علماء الشريعة بأن ما ورد في حديث إذا علا ماء الرجل بأن المرأة لها دور في تحديد جنس المولود هو مغالطة في فهم تفسير الحديث، إذ برروا ذلك لأن ما جاء في الحديث لا يُفهم منه جنس المولود، إنما هو الشبه لأحد الأبوين، وليس في تحديد الذكورة أو الأنوثة للجنين، إذ كان من أبرزهم الإمام ابن تيمية، والشيخ العثيمين، فقال ابن تيمية أنه إذ سبق ماء الرجل ماء المرأة كان الشبة للأب، وإذ سبق ماء المرأة ماء الرجل كان الشبه للأم.
- ذهب الكثير بصحة الحديث وجاء في تفاسيرهم أنه لا تعارض في كون ماء المرأة علا وتَخلّق مولودًا أنثى، إذ إن الخلاف في معنى العلو، أي السبق، فهو العلو الحقيقي الذي فيه الكثرة والقوة، فقد يكون لتدفق ماء المرأة مساهمةً في اختيار نوع الحيوان المنوي، إلا أن الدور الرئيسي هو ماء الرجل، أي نوعية الحيوان المنوي الذي يشارك البويضة في عملية الإخصاب، إذ فسرها العلماء المعاصرون بأن ثمة وسط يكون مهيأ لاستقبال الحيوان المنوي، فإذا كان الوسط حامضيًا فإنه يقلل من قدرة الحيوانات المنوية التي تحمل Y، وبالتالي الإبقاء على الحيوانات المنوية التي تحمل X، أي أن أصحاب هذا الرأي لا يتشددوا في أن الحديث يعني الشبه فحسب، وإنما قد يكون في تحديد جنس المولود.
- ذهب العلماء حديثًا لاتجاه أن مسؤولية تحديد جنس المولود هو أمر مشترك بين الرجل والمرأة، إذ فسروا ذلك علميًا بأن الإخصاب يعتمد على خصائص كهربائية للحيوان المنوي والبويضة، ففي حال كانت البويضة تحمل إشارة كهربائية سالبة فإنها تجذب الحيوان المنوي Y حامل الإشارة الموجبة، وبما أن الشحنة الموجبة للحيوانات المنوية هو الأعلى طبيعيًا، فإن علو ماء الرجل سينتج عنه مولودًا ذكرًا، والعكس صيحيًا فإذا كانت البويضة تحمل الشحنة الموجبة فإنها تجذب الحيوان المنوي الذي يحمل الشحنة السالبة X، ويعلو ماء المرأة على ماء الرجل.
الإعجاز العلمي في السنة النبوية
يجب التعامل مع الإعجاز العلمي الموجود في السنه النبوية الشريفة ضمن ضوابط، وهي اختيار الأحاديث التي تحوي ما يشير إلى الكون وما فيه من ظواهر، وفي نفس الوقت التأكد من درجة صحتها، إذ إن الكثير من هذه الأحاديث هي موضوعة، وكذلك فهم النصوص النبوية في دلالاتها اللغوية ضمن سياق ملابسات النص النبوي، وفهمه في ضوء فهم القرآن الكريم كون الأحاديث جاءت لتشرح وتفسر كتاب الله عز وجل، فلا يجب أن يُؤَوَّل الحديث لاثبات نظرية علمية فيها من الصواب أو الخطأ، وإنما التعامل فقط مع الحقائق العلمية الثابتة [٦].
المراجع
- ↑ سورة الفرقان ، آية: 54.
- ↑ د. جمال حامد السّيد حسانين، المسؤولية المشتركة للرجل والمرأة في تحديد نوع الجنين، صفحة 318-322. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني ، في السلسلة الصحيحة، عن عبدالله بن عباس ، الصفحة أو الرقم: 4/191، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
- ↑ "أقوال العلماء والأطباء في مسئولية ماء الرجل وماء المرأة في تحديد جنس الجنين"، islamqa، 30-4-2012، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة النجم، آية: 45- 46.
- ↑ راغب السرجاني (27-10-2010)، "الإعجاز العلمي في السنة النبوية"، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 28-11-2019.