من اول مولود للمهاجرين بعد الهجرة

الهجرة النبوية الشريفة

لم تكن الهجرة النبوية حدثًا عاديًّا في حياة المسلمين ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، وما ترتب عليها من آثار للبشرية جمعاء، فقد شملت الكثير من المعاني التي من شأنها تنظيم حياة الأفراد والأسر والجماعات المسلمة، فهي فصلت بين مرحلتين من أعظم المراحل التي مرت بها الدعوة الإسلامية بقيادة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إذ فصلت بين مرحلة الدعوة في مكة المكرمة ومرحلة الدعوة في منطقة يثرب(المدينة المنورة)، والتي تشرفت بقدوم سيد الخلق والمرسلين إليها، ومن سبقه من أصحابه في الهجرة رجالًا ونساءً، فهذا العدد القليل منهم قُدِّر له أن يغير مجرى التاريخ، ويسطّر أجمل معاني التضحية والوفاء والصبر والتوكل على الله والاعتقاد الجازم بهذه الدعوة وأهميتها في تخليص البشرية من الظلمات ووضعهم على مسار الحق والنور، يقول الله سبحانه وتعالى في نصره لرسوله الكريم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه: إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40]، فما أعظم من هذه الآية الكريمة في تسطير معنى التوكل على الله، والاعتقاد الجازم بذلك، فمعاني هذه الآية عظيمة لا مجال لذكرها في هذا المقال، ولكنها علّمت المسلمين حتى قيام الساعة، بضرورة أن يتوكل الإنسان على ربه في حالات الخوف وعدم التأكد والقلق من أي قدر يقدّره الله عليه، فلا مجال من هذا التأكد إلا إن يمنحه الله السكينة تحت أي ظرف مؤلم يصيبه، يقول أبو بكر الصديق للرسول صلى الله عليه وسلم، وهما في غار ثور يسمعون صوت أقدام المشركين ممن يلاحقونهم: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا!"، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما[صحيح البخاري[4663].[١]


أول مولود من المهاجرين

ذكر صحيح البخاري عن هشام بن عروة عن أبيه، أن أسماء بنت أبي بكر حملت بالصحابي عبد الله بن الزبير في مكة قبل الهجرة، وبعد الهجرة وحينما كانت في قباء ولدته في السنة الثانية للهجرة، وكان أول شيء يدخل في جوفه بعد الولادة تمرة مضغها الرسول صلى الله عليه وسلم ووضعها في فمه، فدعا له وبارك عليه، وهو الصحابي عبد الله بن الزبير بن العوام وكنيته أبو بكر، وأمه هي أسماء بيت أبي بكر الصديق، وجدته بنت عبد المطلب، فهو من أصل عريق، منبته طيب، وعليه وبإسناد أحمد، هو أول من ولد في المدينة للمهاجرين من الصحابة، فعمت الفرحة في أرجاء المدينة المنورة لولادته، لا سيما أن اليهود أشاعوا بأن كهنتهم سحروا الصحابة المهاجرين، وهذا السحر من شانه ألّا يولد للمهاجرين أي مولود. [٢]

تظلل الصحابي الجليل منذ ولادته في بين النبوة، فأول يد لمسته هي يد الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى أن أصبح شابًا يتصف بجميع الصفات التي تجعل منه فارسًا وبطلًا مغوارًا من أبطال المسلمين الذين خلّدهم التاريخ حتى يومنا هذا، وكان يتصف بالزهد الدنيوي، فقد روي عنه أنه كان يقسم الدهر لثلاث ليالِِ؛ ليلة يبقى فيها قائمًا حتى الصباح، وليلة يبقى راكعًا حتى الصباح، وليلة يبقى ساجدًا حتى الصباح، وكان من أصغر الصحابة سنًا ممن شهدوا اليرموك، والكثير من الفتوحات الإسلامية التي استهدفت أفريقيا والمغرب العربي، وكذلك كان من الصحابة الذين بذلوا الغالي والنفيس في فتح قسطنطينة، وهو من الصحابة الذين شاركوا بجمع القرآن الكريم فترة خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه، وفي العام الثالث والسبعين للهجرة، وهي الفترة التي كان فيها الحجاج واليًا، تحارب الصحابي الجليل معه، فصلبه وقتله، إذ كان عمره قد تجاوز السبعين عامًا آنذاك. [٣][٤]


المهاجرون من الصحابة

المهاجرون هم الفئة من الصحابة رضوان الله عليهم الذين تركوا مكة وهاجروا للمدينة، إذ حاصرتهم قريش بكافة الطرق في سبيل منعهم من الهجرة للمدينة، فحجزوا أموالهم، وأطفالهم ونساءهم، ولكن كل ذلك لم يمنعهم من الهجرة وتركوا كل هذه المقومات الهامة في حياة أي إنسان، وهاجروا تنفيذًا لأمر الله تعالى، وهم قلة من الصحابة ممن ذكر القرآن الكريم فضلهم وصبرهم وتحملهم المصاعب، يقول الله سبحانه وتعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]، وهم ومن آخاهم الرسول صلى الله عليه وسلم من الأنصار في المدينة من قبيلتي الأوس والخزرج، وكانوا عونًا له في إقامة الدعوة الإسلامية وتثبيتها في نفوس المسلمين، وما ترتب على ذلك من وجود كيان سياسي للمسلمين فيما بعد، وأخيرًا فالهجرة لا تُقيم بحجم المهاجرين وأعدادهم ولا أوضاعهم الاجتماعية أو الاقتصادية، بل إنّ التقييم لنوعية هذه الفئة من المسلمين التي استطاعت أن تضع حجر الأساس لجميع القيم والاعتقاد الجازم في حياة المسلم حتى قيام الساعة بانصياعها لأوامر سيد الخلق والمرسيلن صلى الله عليه وسلم، فلا يصح للمسلمين أن ياخذوا الهجرة الشريفة على محمل القصة والعبرة فقط، لا بل يجب أن تكون منهاجًا في الحياة يضيء لهم طريقهم في التفريق بين الحق والباطل، وبين الصبر وعدم الصبر، وبين التضحية في سبيل الله وعدم التضحية. [٥]


المراجع

  1. "الهجرة النبوية الشريفة "، ar.islamway، 29/9/2015، اطّلع عليه بتاريخ 29/4/2019. بتصرّف.
  2. "أول مولود وُلد للمهاجرين بعد الهجرة"، sahaba.rasoolona، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2019. بتصرّف.
  3. "أول مولود في دار الهجرة"، alanba، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2019. بتصرّف.
  4. "عبدالله بن الزبير رضي الله عنه"، alukah، 1-6-2015، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2019. بتصرّف.
  5. "فضلُ المهاجرين والأنصارِ"، harariyy، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :