أول من هاجر إلى المدينة

أول من هاجر إلى المدينة
أول من هاجر إلى المدينة

قبل الهجرة

بقي النبي محمد صلى الله عليه وسلم يدعو الناس للإسلام في مكة المكرمة فترة استمرت ثلاثة عشر عامًا، دون كلل أو ملل، على الرغم من كل ما تعرض له عليه السلام من تعذيب وتهميش وتنكيل بأصحابه صلى الله عليه وسلم، فلم تلقَ دعوته في مكة المكرمة في البداية اهتمامًا من أحد، إلا أنه استمر في دعوة الناس وهدايتهم لأمور دينهم، ويعلمهم أحكامه وتعاليمه، فلم يترك طريقة للدعوة والتبليغ إلا واتبعها وأخذ بكافة الأسباب متوكلًا على الله سبحانه وتعالى، فكان صلى الله عليه وسلم يعرض دعوته لكل جمع، ولكل قبيلة تزور مكة، أملًا منه صلى الله عليه وسلم في أن يؤمن به وبرسالته أحد يؤازره ويناصره، فأسلم مع النبي عليه السلام عدد من أهل مكة، وحين بدأت تتجلى عظمة هذا الدين وصدق الرسالة، وعظمة الآيات القرآنية الكريمة، وتميز شخصية النبي عليه السلام وتزايد عدد أتباع هذا الدين، وثباتهم على دينهم، وتركهم لما كانوا عليه من عبادة الأصنام، التي حرمها الدين الإسلامي الجديد، علمت قريش أنها في وضع خطير يهدد مكانتها الدينية وزعامتها بين بقية القبائل، فلجأت للمواجهة والتصدي لهذا الدين الجديد، ومحاصرته بكل الوسائل للقضاء عليه، ومنع انتشاره قدر الإمكان، وتصدت له بكل الوسائل الوحشية من منع وتعذيب وحبس وقتل في كثير من الأحيان، فأصبحت حياة المسلمين في كدر وحصار وضيق شديد، فكان لا بد لهم من هجرة ومخرج يفرون إليه مما هم فيه.[١]


أول من هاجر إلى المدينة المنورة

كان مصعب بن عمير هو أول من هاجر إلى المدينة المنورة؛ إذ أرسله النبي عليه السلام برفقة الرجال الذين بايعوه بيعة العقبة الأولى، فانطلق معهم إلى المدينة داعيًا للإسلام ومعلمًا لهم أصول الدين، لما تمتع به مصعب بن عمير من لباقة في الحديث، وحسن تأدب وتصرف، وفطنة وصبر مع حلم وتؤدة، وفقه عظيم في الدين وأحكامه، وبالفعل نجح مصعب بن عمير في مهمته تلك نجاحًا باهرًا، فانتشر الإسلام في كل بيت من بيوت المدينة المنورة، وقد هيأ السبل لقدوم المسلمين إليها؛ لتكون يثرب هي دار الهجرة ومعقل هذا الدين ومركز لدولة الإسلام، فبعد عام عاد مصعب بن عمير في موسم الحج برفقة 73 رجلًا وإمرأتين، التقوا بالنبي عليه السلام في الليل سرًا وبايعوه بيعة العقبة الثانية.[١]


الهجرة للمدينة (يثرب)

على الرغم من هجرة عدد كبير من المسلمين للحبشة التي كان يحكمها ملك عادل لا يظلم أحد عنده، وهي وجهة آمنة للمسلمين؛ ولكنها ليست الوجهة التي يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون مركزًا لدعوته ومعقلًا للدين الإسلامي، فلم يهاجر النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع أصحابه للحبشة، وظل في مكة المكرمة يدعو الناس والقبائل العربية التي تفد إلى مكة المكرمة في كل عام، وفي بعض الأحيان كان يذهب عليه السلام إلى بعضها لدعوتها وعرض رسالته أمامهم كما فعل عليه السلام مع قبيلة ثقيف بالطائف، إلا أن قريشًا كانت تتبع خطواته وتحرض القبائل عليه وتحذرهم من الاستجابة لدعوته تلك، ولكن عزم النبي عليه السلام وإصراره على تبليغ هذا الدين كان أقوى من كل محاولات قريش في طمس أخبار هذا الدين الجديد، إذ إن ستة رجال من الخزرج علموا بأمر هذا الدين وأسلموا مع النبي عليه السلام وبرسالته ووعدوه بدعوة أهلهم في يثرب لهذا الدين وبشروه بكل خير، وفي موسم الحج من العام التالي أقبل 12 رجلًا من الأوس والخزرج، فعقد معهم النبي عليه السلام بيعة عرفت ببيعة العقبة الأولى؛ وهي أن لا يشركوا بالله شيئًا ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، وغيرها.[١]

ونصت بيعة العقبة الثانية على أن يلتزم أهل يثرب بحماية النبي عندما يهاجر إليهم ويدافعوا عنه وعن حياته، وحددت هذه البيعة فيما بعد مكانة النبي عليه السلام في يثرب؛ فكان بمثابة واحد منهم، دمه كدمهم وحكمه كحكمهم، وأكدت على خروجه من عداد أهل مكة ضمنيًا، وانتقال لأهل يثرب، وعليه فقد أخفى المتبايعون أمر هذه البيعة عن قريش، إلى حين وصول النبي عليه السلام بسلام إلى يثرب.[١]


مؤامرة دار الندوة

بعد أن عقد النبي عليه السلام العزم على اختيار مدينة يثرب دارًا لهجرته، علمت قريش بالخبر، وجمعت كبارها في دار الندوة لمنع النبي صلى الله عليه وسلم من الهجرة، وأجمعوا على قتل النبي عليه السلام قبل مغادرته مكة المكرمة، فاتفقوا على أن يأتوا بشاب قوي من كل قبيلة ليترقبوا النبي عليه السلام عند خروجه من منزله فيضربوه جميعًا ضربة رجل واحد كي يتفرق دمه بين القبائل، ولكن الله تعالى عالم الغيب والشهادة أرسل جبريل عليه السلام ليخبر النبي بنية أهل قريش وبأن الله تعالى قد أذن له بالهجرة، فأمر النبي عليه السلام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن ينام في فراش النبي هذه الليلة، ويبيت النبي في دار أبي بكر الصديق، فقال أبو بكر الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم: "الصحبة يارسول الله"، فما كان من النبي عليه السلام إلا أن عاد لبيته وخرج منه صباحًا وشباب المشركين ينتظرونه عند الباب، فأخذ حفنة من التراب ونثره على رؤوسهم وهو يتلو آيات من سورة يس :{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيِهمْ سَداً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ }[يس: 2]، ومن بيته توجه إلى بيت أبي بكر ثم انطلقا إلى غار ثور، ومكثا فيه مدة ثلاثة أيام، إلى أن علمت قريش بالنبأ فجعلت لمن يجد النبي وصاحبه مئة ناقة.[٢]


أحداث ما بعد الهجرة للمدينة

تجلت قدرة الله تعالى في حماية النبي عليه السلام وصاحبه من عيون قريش التي كانت في أثره، فوصل النبي بسلام إلى المدينة المنورة التي استقبلته أيما استقبال؛ فقد خرج أهل المدينة محتفلين بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن وصل النبي عليه السلام أرض يثرب في صبيحة يوم الاثنين الموافق 12 ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة؛ باشر العمل الدؤوب في وضع معاهدات مع أهل المدينة الذين أسماهم النبي بالأنصار، وسمى المسلمين الذين هاجروا إلى المدينة بالمهاجرين، وآخى بينهم فشارك الأنصار إخوانهم المهاجرين كل أملاكهم ومنازلهم ومتاعهم، وعاشوا إخوة في الدين في يثرب، وتمكن النبي عليه السلام من الحصول على الحماية من أذى قريش وكفارها، وبدأ بعقد العديد من المعاهدات لتأسيس الدولة الإسلامية، فبدأ بتعمير المدينة، وبناء أول مسجد فيها وهو المسجد النبوي؛ الذي كان هو النواة الأساسية لتعليم الدين ونشره إضافة إلى كونه مقر الرئاسة الذي تقام فيه الصلوات وتعقد فيه أهم الأمور التي تخص الدولة، ومن أبرز ما قام به النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه أصلح بين الأوس والخزرج وأزال ما كان بينهما من عداوة وتناحر، ووحدهما تحت اسم الأنصار.[٣]


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث أحمد تمام، "الهجرة.. حدث غيّر مجرى التاريخ (في ذكرى هجرة النبي: 12 ربيع الأول 1هـ)"، أرشيف إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2019. بتصرّف.
  2. "الهجرة إلى المدينة المنورة"، islam/madeenah-arabic، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2019. بتصرّف.
  3. esraa hassan (7-9-2017)، "أحداث الهجرة النبوية من مكة المكرمة للمدينة"، المرسال، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :