أول من ولي بيت مال المسلمين

أول من ولي بيت مال المسلمين
أول من ولي بيت مال المسلمين

بيت مال المسلمين

بيت مال المسلمين هو المكان المُهيّأ لحفظ المال العام والخاص، أما في عصر صدر الإسلام فقد استُخدِم مصطلح بيت مال المسلمين للإشارة إلى المبنى الذي كان يُحفظ فيه المال العام مثل؛ المنقولات كالفيء وخُمس الغنائم، ثم بعد ذلك تُصرف في وجوهها، ثم أصبحت كلمة بيت المال كافية للدلالة على ذلك، ومع العصور الإسلامية اللاحقة تطور هذا اللفظ حتّى أصبح يطلق على الجهة المالكة للمال العام للمسلمين، وهو كلّ مال لم يملكه أحد وثبتت عليه اليد في بلاد المسلمين من نقود وأراضٍ إسلامية وعروض وغيرها.[١]


أول من وُلّي بيت مال المسلمين

بيت مال المسلمين موجود منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأموال الزكاة كانت توزع على مستحقيها، ولكن لم يكن بيت المال آنذاك كمؤسسة مستقلة يخصص لها أولياء وعمّال، فبعد أن أصبح أبو بكر خليفة رسول الله توسعت في عهده وولى عليها الصحابي الجليل أبو عبيدة عامر بن الجراح، فاتخذ بيت مال في منطقة السنح من ضواحي المدينة المنورة لتُنقل فيما بعد إلى المدينة المنورة ليتولى من بعده الصحابي عبد الله بن الأرقم في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وقد أُوليت في عهد عثمان لزيد بن ثابت.[٢]


أهمية بيت مال المسلمين

إن وجود بيت المال للمسلمين ما هو إلا دلالة واضحة على استقلالية وتنظيم النظام الإسلامي عمومًا والنظام المالي في الدولة الإسلامية على وجه الخصوص، والذي بُني على وجوب التداول المالي بين الناس دون تفريق بين الأغنياء أو الفقراء، يقول الله سبحانه وتعالى: {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}،[٣] ومن الأمور التي نظمت شؤون النظام المالي في بدايات تشكل الدولة الإسلامية وفقًا للأحكام الشرعية هو بيت مال المسلمين، وهو بمثابة مؤسسة تشرف على الأموال الواردة لما يُسمى اليوم بالصندوق؛ كأموال الزكاة، الجزية، الغنائم، الخراج وغيرها، وما يخرج منها كنفقات تُصرف في أوجهها الشرعية؛ كرواتب موظفي الدولة من قضاة، ومصروفات الجهاز العسكري، ورواتب العساكر وتكاليف إنتاج الآلات الحربية، وكذلك مصاريف المنشآت بكافة أشكالها من مبانٍ وطرق وأماكن استراحة المسافرين وغيرها.

من استعراض الحقائق السابقة يتبين أن الحضارة الإسلامية منذ نشأتها أعطت الأولوية لهذا النظام المالي المتمثل ببيت مال المسلمين حتى يُطعي كلّ ذي حقٍّ حقه، فبيت المال وُجد وأُسس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إذ بعث الصحابي الجليل معاذ بن جبل لليمن لتحصيل الصدقات من القائمين عليها، وأرسله أيضًا للبحرين بقصد جلب الجزية من أهلها، وعندما توسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ازدادت الأموال وما في حكمها بالتدفق لمركز الخلافة الإسلامية وهي المدينة المنور آنذاك، فأفادت الرويات أن عمر بن الخطاب بكى عندما شاهد الغنائم المليئة بالكنوز والذهب والأموال، الأمر الذي دفعة مباشرةً بأن يأمر بوضع نظام الديوان كي يرتب رعيته ويفرض للجند، فكان من سياسته أن لا يدّخر الأموال في بيت المال ويوزعها لمستحقيها في كلّ عام، وهو ما يعكس النظام التكافلي الممنهج للحضارة الإسلامية.[٤]


مصروفات بيت مال المسلمين

تتميز الحضارة الاسلامية بوجود نظام مالي إسلامي مستقل وذو أهداف نبيلة، إذ يحرص الإسلام على تقسيم الأموال بين الناس جميعًا، بحيث لا يقتصر على فئة معينة منهم دون غيرهم، فليس من العدل إعلاء طبقةٍ على سواها في المجتمع، وبالتالي فإن بيت المال هو الجهة الموكلة بالصرف على مختلف مصالح المسلمين ومصروفات تنحصر فيما يأتي:[٥]

  • إقامة المشروعات: كالجسور والسدود وتمهيد الطرق، وإنشاء مبانٍ عامة ومساجد ودور استراحة.
  • توزيع الأموال على مستحقيها: وهم كلّ من ليس له معيل كالأرامل والفقراء واليتامى والمساكين، ولمن له حقّ الإعالة من قبل الدول.
  • المصروفات الخاصة بالمؤسسات الاجتماعيّة: كالسجون والمستشفيات ومرافق الدولة المتعدددة.
  • الرواتب: للجند والعسكر، والولاة والقضاة وموظفين الدولة وأمير المؤمنين والخليفة نفسه، وعمّال المصالح العامّة.
  • تجهيز الجيوش: وما يلزمها من آلات قتال كالأسلحة والذخائر والخيول، أو ما يقوم مقامها.


سياسة عمر بن الخطاب المالية

كان عمر رضي الله عنه من أفذاذ الرجال، فقد كانت له سياسة خاصة في نفسه وأهله ورعيّته ونوابه؛ وقد كان يرى في نفسه أجيرًا تفرغ للمسلمين، فلم يأخذ من بيت مال المسلمين وإنّما وقت الحاجة فقط، ولو كان له مالٌ من غنيمةٍ أو ما شابه فإنه يمسك عن الأخذ من بيت مال المسلمين، أمّا إن نفذ ما عنده أخذ من بيت المال مع أنّه يحقّ له أن يأخذ مرتبًا شهريًا بسبب تفرغه لإدارة الدولة المسلمة، ولكنه فعل ذلك من باب الورع، فلا امتيازات مالية للفاروق ولا لأولاده وأهله وأقاربه، فهم كسائر مواطني الدولة.[٦]


الصحابي الجليل أبو عبيدة عامر بن الجراح

لا يمكن الحديث عن بيت مال المسلمين دون تفصيل يخصّ الصحابي الجليل أبوعبيدة، فهذا الصحابي كغيره من الصحابة ممن حملوا على عاتقهم الاقتداء بخير الخلق والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو من أُرسل في غزوة ذات السلاسل ليمدّ عمرو بن العاص، وعيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم على جيشين فيهما أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، أما إسلامه فكان على يدّ صاحب رسول الله أبو بكر الصديق مع بداية البعثة، وهو ممن هاجروا إلى الحبشة في هجرتهم الثانية، وممن خاضوا معركة بدر وأحد بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن أعظم مواقفه في معركة أحد حينما أحسّ بأن المشركين هدفهم الانتصار في المعركة وقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصمم أن يبقى في مكانه بالقرب من الرسول حتى يفديه بنفسه، أما في غزوة الخبط أرسلة النبي أميرًا بمرافقة ما يقارب 300 رجل، فلم يكن معهم طعامًا إلا التمر، لينتهي بهم الأمر ليكون نصيب الواحد منهم تمرة واحدة في اليوم، وبعد نفاذه أخذوا يقطفون ورق الشجر ويأكلونه ويشربون معه الماء غير مباليين بالجوع، إذ كان ما يهمهم فقط أن يتمموا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قائدهم وأميرهم أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح، والذي كانت له مكانة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعند قدوم وفد نجران للرسول يسألوه أن يرسل لهم من يعلمهم القرآن والسنه وأحكام الإسلام، فاستأمن الجرًاح: [جاءَ العاقِبُ والسَّيِّدُ، صاحِبا نَجْرانَ، إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرِيدانِ أنْ يُلاعِناهُ، قالَ: فقالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: لا تَفْعَلْ، فَواللَّهِ لَئِنْ كانَ نَبِيًّا فَلاعَنَّا لا نُفْلِحُ نَحْنُ، ولا عَقِبُنا مِن بَعْدِنا، قالا: إنَّا نُعْطِيكَ ما سَأَلْتَنا، وابْعَثْ معنا رَجُلًا أمِينًا، ولا تَبْعَثْ معنا إلَّا أمِينًا. فقالَ لَأَبْعَثَنَّ معكُمْ رَجُلًا أمِينًا حَقَّ أمِينٍ، فاسْتَشْرَفَ له أصْحابُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: قُمْ يا أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ فَلَمَّا قامَ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هذا أمِينُ هذِه الأُمَّةِ].[٧]

وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب أصبح الصحابي الجليل أميرًا على الشام، فكان أكبر جيوش المسلمين حجمًا تحت أمرته، وفي اليوم الذي أتى الخليفة إلى الشام أخذ يعانقه أبو عبيدة ويصحبة لداره التي لا تحتوي على آثاثٍ قط، وإنما سيف وترس ورحلة أبو عبيدة، فسأله الخليفة عمر مبتسمًا ألا تتخذ لنفسك ما يصنعه الناس، فردّ عليه الصحابي الجليل يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقيل، وأخيرًا توفي أمين الأمة في السنه 18 للهجرة بمرض الطاعون الذي حلّ ببلاد الشام ومعه العديد من الصحابة الذين دفنوا في بلاد الشام، وكان عمره آنذاك 58 عامًا، فورد خبر وفاته للخليفة عمر بن الخطاب فحزن عليه حزنًا شديدًا وبكى عليه، فدفن الصحابي في المنطقة المعروفة اليوم بالأغوار الوسطى في المملكة الأردنية الهاشمية.[٨][٩]


المراجع

  1. "معنى بيت مال المسلمين"، islamweb، 2007-4-26، اطّلع عليه بتاريخ 2019-7-10. بتصرّف.
  2. "من أول من وُلّي بيت المال؟"، sarayanews، 1-1-2017، اطّلع عليه بتاريخ 22-6-2019. بتصرّف.
  3. سورة الحشر، آية: 7.
  4. راغب السرجاني (16-5-2010)، "بيت المال في عهد النبي والخلفاء الراشدين"، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 22-6-2109. بتصرّف.
  5. أ.د.راغب السرجاني (2010-5-16)، "بيت المال في عهد النبي والخلفا الراشدين"، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 2019-7-10. بتصرّف.
  6. الشيخ أحمد الزومان (2012-11-17)، "سياسة عمر رضي الله عنه المالية"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2019-7-10. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم: 4380، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
  8. جيهان محمود (5-5-2011)، "أبو عبيدة بن الجرّاح أمين الأمة"، albayan، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2109. بتصرّف.
  9. "تعرف على قصة حياة "أمين الأمة" أبو عبيدة بن الجراح"، alwafd، 25-7-2016، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :