محتويات
عمل الخير
ورد ذكر لفظ الخير في القرآن الكريم في أكثر من 180 موضعًا، إذ جاء في معظم المواضع اسمًا، كما في قوله تعالى: {ذلكم خير لكم}[١]، وفي بعضها جاء فعلًا كقوله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار}[٢]، أما كلمة الخير لغةً تدل على الميل والعطف، فهو ضد الشر، والرجل الخيِّر هو الرجل الفاضل، ويُقال القوم الأخيار وهم أفاضل الناس، وتُسمى الخيل الخير لما فيها من خير، أما في الاصطلاح فالخير هو ما يرغب به الناس جميعهم من عدل، وفضل، وأي شيء نافع، ويأتي في الاصطلاح ضد الشر، ومنه الخير المطلق المرغوب في جميع الأحوال، وهو طلب الجنة، كما أن الخير نسبي يقابل الشر، فالمال يكون خيرًا للبعض في حين قد يكون شرًا لغيرهم، وعمل الخير له ثمار في الدينا والآخرة، فمن يفعل الخير في دنياه سيصل نفعه إلى أناس ومجتمعات بعيدة عنه لا يعرفهم في الأصل، وقد تكون له آثار في خدمة البشرية تمتد لمئات السنين وربما حتى قيام الساعة، ومن وجوه الخير العمل التطوعي الذي ذكر فضله ربّ العزة في القرآن الكريم فيقول: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}[٣]، ومن وجوهه أيضًا التعاون بين الناس، وما له من أهمية في النهوض بالمجتمعات وتقدمها على جميع الأمم، إذ قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[٤]، وأخيرًا فإن نفع المسلم لأخيه المسلم هو من وجوه الخير التي ذُكرت في الأحاديث النبوية الشريفة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي أخرجه مسلم: [من استطاع منكم أن ينفع أخاه، فليفعل][٥]، وفعل الخير بالتأكيد هو فطري في الإنسان، والدليل على ذلك أنه يوجد في بلاد المسلمين وغير المسلمين، فأحد الفرنسيين حفر بئرًا لجمع الماء لسكان إحدى القرى النائية في أدغال أفريقيا عندما وجدهم دون ماء، وعندما سُئل أهل هذه القرية عن هذا الرجل قالوا أنهم لن ينسوا فعله الخير هذا ما داموا على قيد الحياة، وأخيرًا ما أجمل أن يرتبط فعل الخير بالعبادة كما جاء في ديننا الحنيف، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [٦]. [٧][٨]
حديث عن فعل الخير للناس
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [فمَن أحَب أن يُزحزَح عن النار ويدخل الجنة، فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه] [٩]، ففي هذا الحديث جانب هام من جوانب عمل الخير في حياة الإنسان المسلم، وهي كالآتي:[١٠]
- وضع الرسول صلى الله عليه وسلم وما هو إلا وحيٌ يوحى قاعدة للتعامل بين الناس، ومفادها أنه ينبغي للإنسان أن يفعل الخير مع الناس كما يحب أن يفعلوه معه في جميع التعاملات والأحوال، فترك الكذب والخيانة ورد الأمانة والحقوق جميعها تأتي تحت هذه القاعدة، وفيها إشارة إلى محاسبة الإنسان لنفسه، فيضع نفسه في المواقف التي يتعرض لها، وينظر لما يحب أن يفعل الناس معه في هذه المواقف، وبالتالي واتباعًا لهذه القاعدة النبوية سيفعل ذلك مع غيره، وهذا ما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كانت حياتهم بعيدة عن الغش والكذب والخيانة وغيرها من الصفات السيئة، فنبهوا إليهم الأمم بأخلاقهم وتعاملهم فوصلوا بها إلى قلوبهم، فأسلموا طوعًا بهذه الأخلاق.
- قصد الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه القاعدة نجاة المسلمين من النار ودخولهم الجنة، ففيها إحسان لرب العزة إذا ما اتبعها المسلمون، فهي تدل على الإيمان بالله واليوم الآخر، وفيها من الإحسان للخلق وما يترتب عليها من حب المسلمين لبعضهم البعض، فيحب لأخيه ما يحبه لنفسه، ويكره له ما يكرهه.
- أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهمية حسن الخلق كونه سببًا في دخول الجنة، والذي يأتي بالمحبة بين المسلمين، فيستقيم أمرهم وتعاملهم.
قبول عمل الخير
يقبل الله سبحانه وتعالى عمل الخير عندما يكون الهدف لأساسي منه هو إرضاء الله عز وجل، أي أن يكون خالصًا لوجه الله، فلا رياء أو تباهٍ بين الناس في عمل الخير، وإنما يصدق المسلم في نواياه التي هي حصرًا لإرضاء الله سبحانه وتعالى، فلا فائدة من عمل الخير إذا كان الإنسان يهدف منه نيل الشهرة أو استخدامه لأغراض دنيوية تخصه، كما أنه لكي يُقبل عمل الخير يجب أن لا تتخلله أعمال منافية للشريعة الإسلامية، فمخالفة أمر الله سيبطل فعل الخير، كأن تُجرى حفلة فيها مخالفة لشرع الله تُجمع فيها تبرعات للأيتام.[١١]
الآثار المترتبة على فعل الخير
يعود عمل الخير بآثار إيجابية على الفرد من جهة وعلى المجتمع من جهة أخرى، فكما ذكرنا أن من فوائده تسيير الأمور الدنيوية التي تزيد من راحة وسعادة واستقرار الأفراد والمجتمعات، ولكن يأتي رضا الله سبحانه وتعالى الفائدة الأعظم منه، وفيما يأتي الانعكاسات الايجابية على الأفراد والمجتمعات من عمل الخير وهي كالآتي:[١١]
- عمل الخير يريح المسلم، إذ ينتابه شعورًا بالراحة النفسية من باب رضا الله في المقام الأول، وما ترتب على هذا الفعل من مساعدة للآخرين في المقام الثاني.
- يتبادل الناس المحبة فيما بينهم عندما يصلهم الخير من أناس يعرفونهم أو لا يعرفونهم، فما أعظم شعور الإنسان بأن شخصًا ما يوده ويساعده دون أي مقابل سوى مرضاة وجه الله سبحانه وتعالى.
- يعزز عمل الخير القيم الطيبة في المجتمع، فيتماسكون ويتكافلون فيما بينهم، ويبتعدون عن مظاهر الحقد والكراهية.
- يساهم عمل الخير في تقوية بنية المجتمعات والأمم، وبالتالي يتخلص من المظاهر المدمرة للمجتمع؛ من فقر وتشرد ومرض، فهذه المظاهر لوحدها كفيله بتدمير أي مجتمع ورجوعه في آخر قوائم الأمم بالتقدم والازدهار.
- ينقي عمل الخير النفس البشرية ويبعدها عن السمات المقيتة؛ كالبخل، الشح والأنانية، فحتى من يتصف بهذه الصفات ويرى غيره يعمل الخير دون مقابل سينتابه الشعور بالدونية، وقد يكون ذلك حافزًا له بالابتعاد عنها.
- تساعد أعمال الخير في مختلف المجالات على ترابط المجتمع والقضاء على الأمراض التي تعاني منها مجتمعات أخرى؛ كالجرائم والسرقة والغش، فعندما تكون أغلبية المجتمع يتوجهون لعمل الخير، فإن ذلك سيحد من تمادي الأقلية السيئة التي لا بد من وجودها في أي مجتمع.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 45.
- ↑ سورة القصص، آية: 66.
- ↑ سورة البقرة، آية: 184.
- ↑ سورة المائدة، آية: 2.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله ، الصفحة أو الرقم: 2199 ، [صحيح].
- ↑ سورة الحج، آية: 77.
- ↑ "كن كالمطر أينما وقع نفع.. الخير لا حدود له.. الخير لكل الناس"، amrkhaled، 7-9-2019، اطّلع عليه بتاريخ 29-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "لفظ (الخير) في القرآن"، islamweb، 2-12-2017، اطّلع عليه بتاريخ 29-10-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالرحمن بن عبد رب الكعبة، الصفحة أو الرقم: 1844، [صحيح].
- ↑ عبدالرحمن الدوسري (30-3-2016)، "فعل الخير للناس"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 29-10-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "عمل الخير وآثاره الإيجابية على الفرد والمجتمع"، annajah، 15-10-2018، اطّلع عليه بتاريخ 29-10-2019. بتصرّف.