أهمية السنة
مثلت السنة النبوية للمسلمين منهجًا وطريقًا يتبعونها في حياتهم؛ إذ دائمًا ما كانت الأحاديث والنبوية تلهم المسلم إلى الطريق الصحيح وتخبره بما يجب أن يفعله حيال مواقف كثير يتعرض لها في حياته، لذلك كان النبي الكريم الذي لا ينطق عن الهوى يقدم لنا في أحاديثه وصفاته وأفعاله نصائح وتوجيهات نبوية يستفيد منها المسلم في حياته، فأنزل الله تعالى القرآن الكريم دستورًا ومنهجًا للمؤمنين، وهو مصدر التشريع الأول، وقد جاء بجملة من الأحكام والقضايا، وجاءت السنة النبوية الشريفة وهي مصدر التشريع الثاني لتفصل وتبين ما جاء به القرآن الكريم، وتبين للناس التطبيق العملي لأحكام الدين التي جاءت نصوصها في القرآن الكريم، فبينت السنة أركان الإسلام الخمسة، وكيفية الوضوء والطهارة وغيرها الكثير من أحكام الدين وأصول الشرع، فلا يستغني المسلم في حياته وعبادته عن السنة الصحيحة، وهنا تكمن أهمية السنة، فالقرآن جاء بأمور مبهمة لا بد من تبيانها، وجاء بعدة قضايا مجملة لا بد من تفصيلها، وجاءت السنة لتوضيح هذه الأمور والقضايا فقيدت الأمور المطلقة وخصصت القضايا العامة، وهكذا كان للسنة الدور الكبير بعد القرآن الكريم في توضيح الدين وتيسيره على الناس، فلا يجوز الاستغناء عن السنة والاكتفاء بما جاء في القرآن الكريم، إذ يعلم العبد كيفية آداء فرائضه كالحج ومناسكه، أو أحكام الصيام وأحواله ومبطلاته، وكل هذه الأمور جاءت السنة وحدها لتوضيحها وبيان حكمها، فوهب الله تعالى نبيه المصطفى قدرة على البيان وفصاحة في القول وعصمة عن الخطأ أو الزلل، فكان كلامه صلى الله عليه وسلم بليغ موجز، يحمل بلاغة المعنى مع جزالة في اللفظ وإيجاز في الكلام، فتراه يرسم صورًا حية في بضع كلمات لتبقى محفورة في الذاكرة، وتكاد العين تراها أمامها لدقة الوصف وجمال التعبير كما في الحديث الشريف الذي هو محور هذا المقال.[١]
شرح الحديث
قال صلى الله عليه وسلم:(مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)[٢]، افتتح النبي الحديث بتشبيه المؤمنين؛ أي أن الحديث خاص بمن دخل الإيمان في قلبه واستقر فيه، فهولاء هم أصحاب القلوب الصافية المؤمنة الذين يشكلون صفوة المجتمع وخيرته، هؤلاء الناس يشبههم النبي في تصوير جمالي بديع بالجسد الواحد، فالجسد قطعة واحدة لا تتجزأ ويصعب فصل أجزائه، فلم يشبههم بشيء يمكن تفكيكه، فهم قطعة واحدة فلا يستطيعون الاستغناء عن أحد منهم لما سيسببه ذلك من خلل في المجتمع، وكان وجه الشبه بين المسلمين والجسد الواحد هو التواد والتراحم، فالجسد يتشكل من أعضاء مختلفة كل عضو يؤدي مهمته الموكولة إليه، ومن الطبيعي أن يمرض الجسد، والمرض عادة يصيب عضوًا بعينه كالمعدة أو القدم أو غيرها، وهذا الألم لا يؤذي العضو المصاب فقط، بل يجعل الجسم كله في حالة تقلب واضطراب، فإذا كان الألم في القدم لا تنام بقية أعضاء الجسم، وإنما يبقى الجسد كله مستيقظًا يعيش حالة الألم تلك، فكذلك المؤمنون إن حدث لأحدهم ضرر لا يتركونه وحيدًا يعاني، بل يقفون معه متحملين المشقة والتعب لأجله لا يبغون منه أجرًا ولا معروفًا وإنما يدفعهم ذلك تراحمهم ومحبتهم لبعضهم، فيشكلون بذلك مجتمعًا قويًا متماسكًا لا يصيبه الخلل؛ لأن الجميع متحدين متماسكين ببعضهم فيقوّم الرجل أخاه،[٣] فكان تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم لحال المؤمنين في التعاون والتعاضد والتآلف فيما بينهم بالجسد الواحد، إذ إن وجه الشبه هو في التوافق في وقت الراحة والتعب والمشاركة الواحدة في كل ما يحل به، وهذا تشبيه صحيح وفيه تقريب للمعنى المطلوب من الأذهان، فرسم الحديث النبوي الشريف هذه اللوحة البديعة لتظهر معانيها جلية وواضحة في تعظيم حقوق المسلمين والحرص على تكافلهم وتضامنهم فيما بينهم بكل إنسانية ورحمة، لتتجلى عظمة التشبيه وبلاغة اللغة وحسن استعمالها بطريقة تجذب الأسماع وكلمات تقر في الأذهان، وأمر يتقبله المرء لرقته وحسنه.[٤]
أهمية الحديث الشريف
جاءت الشريعة الإسلامية تحمل في طياتها تنظيم وضوابط للعلاقات والمعاملات بين الناس، ووضعت تشريعات واضحة تحكم العلاقات بين الناس والمجتمعات؛ لتعظم حرمة الآخرين وتحفظ حقوقهم، وتحرم كلّ أمر يفسد علاقة الناس ببعضها، وحثت على الأمر بالمعروف والتكافل والتعاون والمحبة فيما بينهم، وهذا الحديث الشريف هو مثال حيّ على حرص الشريعة الإسلامية على بناء مجتمع إنساني سليم يقوم على علاقات طيبة متلاحمة بين أفراده، فيحث الحديث المؤمنين على التلاحم والوحدة وعدم التفرقة والبغضاء، فالمجتمع المتعاون المتكافل يشكل مجتمعًا مثاليًا متقدمًا، والنبي الكريم يقصد من هذا الحديث المساهمة من الجميع في بناء المجتمع والبلاد، وبذلك يقضى على كثير من المشكلات التي قد تواجه الفرد وتنعكس سلبًا على المجتمع، فيتعلم الإنسان من مدرسة النبوة سلوكًا سليمًا عند قراءة أي حديث، فالنبي الكريم يوجه الأمة بما أعطاها من نصائح طيبة، وكان الهدَف منها صلاح المسلمين من بعده، فما من رابطة أقوى من رابطة الإسلام بين الناس، فالأمة الإسلامية لا بد أن تكون كالجسد الواحد فرابط الإسلام بين الناس كرابط اليد بالمعصم والقدم بالساق حالهم واحد ومصيرهم واحد، ومن أهمية إظهار التعاطف والوحدة بين المسلمين وترابطهم كما أراد لهم الله تعالى وكما وصفهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ما يلي:[٥]
- أن ترابطهم وتعاونهم يعد من كمال الإيمان.
- إزالة كل عوامل التفرقة والعنصرية بين المسلمين ودحر بقايا الجاهلية والاستعمار، فهم جسد واحد لا يفرقهم عرق ولا لون ولا لغة ولا حدود.
- رعاية الفقراء والعجزة والمساكين وتدبير أمور حياتهم بصورة إسلامية تعاونية راقية كما رسمها الشرع الحكم.
- نصرة المظلوم من المسلمين في أي مكان ومد يد العون له بقدر الإمكان وبكل الطرق والسبل الممكنة.
- التصدي للأعداء الطامعين من المساس في وحدة الامة الإسلامية وتعاضدها، فالهم واحد والعدو واحد، وبالتعاون والوحدة وتكاثف الجهود يتحقق النصر والتمكين على أعداء الأمة والدين.
صورة المجتمع الإسلامي
جاء الدين الإسلامي لتحقيق غايات كبرى من توحيد الأمة وتجسيد الوحدة بين أبنائها على كلمة التوحيد، فكانت تعاليمه واضحة وتوجيهاته كلها تصب في هذا المفهوم الكبير، بدءًا من تحقيق الوحدانية لله تعالى وإقامة الصلوات الخمس في أوقاتها المحددة، لتكون مظهرًا ملموسًا مرئيًا على وحدة المجتمع المسلم، وأما الزكاة وهي أحد أركان هذا الدين القويم فقد جاءت لتحقق مبدأ التكافل والتراحم بين المسلمين، ولتقوي الروابط الإنسانية التي هي طريق صحيح لتوحيد المجتمع ونهضة الأمة ووحدتها، وكذلك بقية أركان الإسلام، فالناظر إليها يجدها تدعو للوحدة والتعاون والتضامن، وأكدت السنة النبوية الشريفة هذا المفهوم بعدة أحاديث صحيحة تصف المجتمع الإسلامي بأنه مجتمع متراحم متلاحم متعاون كالجسد الواحد.[٦]
المراجع
- ↑ أ. د. مصطفى مسلم (16-6-2014)، "أهمية السنة النبوية في حياة المسلمين"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 18-10-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 2586.
- ↑ "حديث «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم..»"، khaledalsabt، اطّلع عليه بتاريخ 2-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "شرح حديث (مثل المؤمنين في توادهم..)"، إسلام ويب، 27-2-2010، اطّلع عليه بتاريخ 18-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "ما مدى أهمية إظهار التعاطف مع المسلمين ؟"، الإسلام سؤال وجواب، 5-5-2008، اطّلع عليه بتاريخ 18-10-2019. بتصرّف.
- ↑ "الوحدة الإسلامية في نصوص الوحي"، إسلام ويب، 10-8-2006، اطّلع عليه بتاريخ 26-10-2019. بتصرّف.