محتويات
تعريف الغِش
الغشّ في اللّغة نقيضُ النُصح، مأخوذٌ من الغَشَشْ، وَغَشّهُ يَغُشُّهُ غَشًا أي أن يُظهر للشخص خلاف ما أضمره. والغش اصطلاحًا: كتمُ ما لو عَلِمَهُ المبتاعُ كَرِهَهُ، والغش ما يُخلَطُ من الرديء بالجَيّد.
شرح حديث من غشّ فليس منّا
كان الرّسول صلى الله عليه وسلم يمشي في السوق، فمر برجلٍ يبيعُ القمحَ، فأُعجِبَ الرسول صلى الله عليه وسلم بمنظرِ القمح، لكنَهُ ارتابَ منه فمدّ يَدَهُ الشريفة فيه، فَوَجَد أنّ ظاهره خيرٌ من باطنه، فنظر إلى البائع وسأله: ما هذا يا صاحب الطعام، فقال له البائِعُ قد أصابته السماء أي: أمطَرت عليه فبللته، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : "أفلا جعلتَه فوقَ الطعام كي يراهُ النّاس؟ من غش فليس منا" رواه مسلم. وفي رواية أخرى للحديث عند مسلم: (من غشنا فليس منا). والسّماء: يُقصَد بها المطر، والصُبرة: الكومة التي لا يُعرَفُ كَيلُها ولا وزنُها.
وقد وَرَد في الحديثِ الشّريف أُسلوب تحذير لمن يغش، لأنّ الّذي يَغُش لا يمكن أن يكونَ من أُمّةِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- فأمته لا ترضى بالغش؛ لأنَهُ حرام وبعضُ العُلَماء اعتبرهُ كبيرةٌ من كَبائِر الذُنوب.
حُكمُ الغش في الإسلام وعقوبته
حرّمَ الإسلامُ الغش تحريمًا شديدًا لما له من مضار عديدة، من خيانة، وتغييرٍ للحقائق، وإخفاءٍ للعيوب. وقد جاء في القرآن الكريم ذكرٌ للنبي شعيب عليه السلام؛ فقد حذَّرَ قومه من بخس الناس أشياءهم، والتطفيف في المكيال، والميزان، وفي ذلك دلالة كبيرة على سوء هذا الفعل لما له من عواقب وخيمة. وقد ذمّ الله عز وجل الغش وأهله وتوعَدَهُم بالوَيل الشَديد، لمن يُنقِصون الكيلَ والميزان، وظَهَر ذلك واضحًا من خلال ما وَرَدَ في الآية الكريمة، قال تعالى: "وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ" المطففين.
أنواع الغش
- الغش في البيع والشراء، ومنهُ حصولُ الشَخصِ على السِلع بطرقٍ مُحرّمه من كذبٍ وكتمانٍ للعيوب وتبخيسٍ بالأثمان، وخلطٍ ما بين جيدٍ ورديء.
- غشُّ الراعي للرعية، والراعي هو الرّئيس أو المدير أو الحاكم أو الرجل على أهله، ويكونُ الغش في ظلمهم وعدم تقديم النصيحة لهم.
- الغش في القول؛ فعدمُ الصدقِ والإخلاص في النصيحة، هو علامةٌ من علامات المنافقين، وهذا يقع في باب الغش.
- الغش في تعلُم العِلم: كأن يغش الطالب في الامتحانات، فيحصُل بذلك الغش على علامة لا يستحِقُها، وبذلك يَخرُجُ جيلٌ جاهلٌ يتبوأُ منصبًا لا يستحِقّه، وسيكون بذلك غير مؤهلٍ لقيادةِ الأُمّة.
- الغش في العقود، ويكون بعدمِ الوفاءِ بالعقود، من إنشاءات ومقاولات وغيرها وهذا من الغش المحرّم.
- تركُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيّ عن الُمنكَرْ؛ بأن لا يأمُرَ المسلم بمعروفٍ ولا يُنكِرُ منكرًا من بابِ مُسايَرةِ الأصحاب والأقارب ومحاباتُهُم، فالأولى أن ينصَحَهُم ويأمرهم بالمعروفِ وينهاهُم عن المنكر، إن لم يفعل فهو بذلك قد غشّهُم.
وسائل نافعة في القضاء على الغش
- توجه المسلم لله تعالى بالدعاء والتضرع، بأن يكفيه الله بحلاله عن حرامه.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحكمةٍ وموعظةٍ حسنة.
- الالتزام بالأحكام الشرعية والدين الحنيف، وإخلاص العمل لله تعالى.
- استشعار مراقبة الله عزوجل، عن طريق الثقة به سبحانه.
- اتخاذ الوسائل المشروعة في كسب الرزق الحلال، والصبر على ذلك.
- قناعة المسلم التامّة برزق الله عزوجل الذي منحه إياه، ومجالسة الصحبة الصالحة.
- ردع مرتكبي الغش عن طريق تعريفهم بالحكم الشرعي للغش فهو حرام ومعاقبتهم وعدم السكوت على فعلهم.
- تعريف الناس بخطر الغش، وتبيان العواقب السيّئة له في الدنيا والآخرة.
على كلّ مُسلمٍ ومُسلمةٍ أن يَعلَموا أنّ الله مُطَّلِعٌ على أعمالهم وأقوالهم جميعًا، وأنّ الله سيُحاسِبُهُم، لأنّه قد وَضَعَ عقوباتٍ رادعةٍ لكلّ من سَوّلّت له نفسُهُ بالغش وخيانة الأمانة، فالإنسان الواعي لا يَعمَلُ أيّ عملٍ يُسيء به إلى نفسه أو لأخيه الُمسلم، فالرسول صلى وسلم قال: "لا يؤمن أحدُكُم حتى يُحبَ لأخيه ما يحبُ لِنفسه".