جهاد النفس: كيفيته وأهميته في حياة المسلم

جهاد النفس: كيفيته وأهميته في حياة المسلم
جهاد النفس: كيفيته وأهميته في حياة المسلم

جهاد النفس

الجهاد هو المبالغة وبذل ما في الوسع من القول أو الفعل، وأما جهاد النفس هو بذل الجهد في إبعاد نفسك عن الحرام والسير بها في طريق الحلال، قال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[١]،[٢]فكل فرد في المجتمع مسؤول عن إصلاح نفسه وتهذيبها، وهذا هو طريق الصلاح والفلاح، وأما إهمال النفس فهو سبيل الخيبة والخسران والظلال، فأنت مسؤول عن ضبط نفسك، وإدارة شهواتك حتى تسير في خط منتظم يُرضي الله تعالى ولا يُغضبه، وحتى تصل هذه النفس إلى غايتها العليا ومقاصدها الصالحة دون أي عوائق أو حواجز، فللنفس أهواء وشهوات متعددة منها شهوة الجاه، وشهوة الشُهرة، وشهوة الحُكُم، وشهوة السَّيطرة، وغيرها العديد من الشهوات، ومتى استبدَّ الهوى بالنفس سيقودها إلى الشر والفساد والخراب، والصدّ عن طريق الحق والخير والرشاد، فالتخلّص من الهوى يحتاج إلى مجاهدة شاقة للنفس والكثير من الصبر والتحمّل.[٣]


كيف يجاهد المسلم نفسه؟

يجاهد المسلم نفسه عن طريق كبت الشهوة، والتخلّص من الهوى، وكبت الشهوة؛ هو ضبط الرغبات والميول والغرائز بحيث لا تتجاوز ما أحلّه الله تعالى لك، وليس القصد منه قطعها بالكل، فالإنسان له العديد من الشهوات مثل شهوة البطن، وشهوة الفرج، ولكل عضو شهوة خاصة، فإذا أُطلقت هذه الشهوات ولم تُوْضَع لها قيود دمرّت حياتك وقادتك إلى الشر والدمار والهلاك، ويمكنك مجاهدة النفس عن طريق ترويض هذه الشهوات بالرياضات الدينيّة، إذ تدعو هذه الرياضات إلى أن يكون الأكل والشرب حلال، وأن تتناولهما باعتدال، وأن تبتعد كل البُعد عن ميول نفسك وغرائزها،[٣]ويكون جهاد النفس عن طريق:[٤]

  • مجاهدة النفس على تعلّم الهدى ودين الحق والذي لا فلاح ولا سعادة للنفس إلا بها، ومتى فاتها ذلك فإنها ستشقى في الدنيا والآخرة.
  • مجاهدة النفس على العمل بالهدى ودين الحق، وإلا فبمجرد العلم بالهدى ودين الحق بدون عمل فإنه لا يضر صاحبها ولا ينفعه.
  • مجاهدة النفس على الدعوة إلى الهدى ودين الحق، وتعليم الدّين لمن لا يعلمه، وإلا ستكون ممن يكتمون ما أنزل الله تعالى من الهدى ودين الحق، فلا ينفعك علمك ولا يُنجّيك في الدنيا والآخرة من عذاب الله تعالى.
  • مجاهدة النفس على الصّبر على مشاق الدّعوة إلى الله تعالى، وتحمّل أذى الخَلْق، وذلك كله في سبيل الله تعالى.


أهمية جهاد النفس في حياة المسلم

ولجهاد النفس أهمية كبيرة وثمرات عديدة تعود عليك بكل الخير والصلاح، ومن أهم ثمرات جهاد النفس:[٥]

  • إخضاع النفس لطاعة الله تعالى وأوامره.
  • إبعاد النفس عن الشهوات، وصد القلب عن التمنّي.
  • تَعَوّد النفس على الصبر على الطاعات، والامتناع عن الشهوات.
  • مجاهدة النفس هو الطريق السليم الذي يوصلك إلى الله تعالى وبه تفوز بأعلى الدرجات والمقامات.
  • قمع للشيطان ووساوسه.
  • نهي للنفس عن الهوى فيه خير لك في الدنيا والآخرة.
  • إذا أدبت نفسك وجاهدتها ارتفع قدرك في مجتمعك وبين أهلك وصحبك.
  • مجاهدة النفس والقدرة على كبح جماحها هو طريق الخير والأخلاق الحَسَنة.
  • سوء الظّن بالنفس يُعين على تقويمها وتأديبها.


أحوال الصحابة في جهادهم لأنفسهم

كانت نظرة الصحابة إلى الدنيا نظرة متوازنة جدًا، فهم من جانب لا يُعْطُون قيمة لها فيتنازلون عنها بسهولة وبساطة شديدة وكأنها لا تساوي شيئًا، ومن ناحية أخرى يعملون بها بجد واجتهاد فهم يزرعون، ويتاجرون، ويعمرون الأرض، ويكتسبون المال، فالدنيا في أعينهم لم تكن غاية بل كانت وسيلة، ومعبرًا إلى الآخرة، وقد جاهد الصحابة أنفسهم على عمل كل ما استطاعوا إليه سبيلًا لإرضاء الله تعالى وطاعة أوامره، بل وجاهدوا أنفسهم أشد الجهاد في البعد عن المعاصي والملذات والتفرّغ للعبادة، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتهم في ترك الدنيا وشهواتها والتفرّغ للآخرة، وكان دائم التحذير لهم من شهوات الدنيا ومعاصيها، وحثّهم على الابتعاد عن هذه المعاصي والشهوات، وكان ذلك أكثر ما يخشاه على صحابته هي الدنيا من بعده، وكان دائم التحذير لهم من اتباع هوى الدنيا والميل عن الآخرة، فلم يخف عليهم من المعارك والعدو أكثر ما خاف عليهم من اتباع هوى النفس، لذلك كان الصحابة يجاهدوا أنفسهم أشد الجهاد لامتثال أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباع طريق الخير، والبعد كل البعد عن الشهوات والمعاصي بل ومجاهدة النفس على ذلك،[٦]ومن أهم أحوال وأقوال الصالحين في مجاهدة النفس:[٧]

  • سأل أحدهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن الجهاد فقال له: "ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها".
  • وقال سفيان الثوري رحمه الله: "ما عالجت شيئًا أشد علي من نفسي، مرَّةً لي ومرة علي".
  • وقال الحسن رحمه الله: "ما الدابة الجموح بأحوج إلى اللجام من نفسك".
  • وقال يحيى بن معاذ الرازي: "أعداء الإنسان ثلاثة: دنياه، وشيطانه، ونفسه، فاحترس من الدنيا بالزهد فيها، ومن الشيطان بمخالفته، ومن النفس بترك الشهوات".
  • وكان مالك بن دينار رحمه الله، وهو يطوف في السوق، فإذا رأى الشيء يشتهيه قال لنفسه: "اصبري؛ فوالله ما أمنعك إلا من كرامتك عليَّ".
  • كان زياد بن أبي زياد - مولى ابن عياش - يخاصم نفسه في المسجد يقول: "أين تريدين؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان؟"، وكان يقول لنفسه: "ما لك من الطعام غير هذا الخبز والزيت، وما لك من الثياب غير هذين الثوبين، وما لكِ من النساء غير هذه العجوز، أفتحبين أن تموتي؟ قال: فقالت: أنا أصبر على هذا العيش".


سؤال وجواب

ما هو دعاء مجاهدة النفس؟

لقد خلق الله تعالى النفس امتحانًا واختبارًا للإنسان ليقوم بمهامه في هذه الحياة، وليظهر مدى امتثاله لأمر ربه، فمجاهدة النفس هي طريق الهداية والفلاح، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للصحابة والأمة الإسلامية جمعاء في مجاهدته لنفسه واجتنابه لهواه، فكان عليه الصلاة والسلام إذا خطب يبدأ خطبته بحمد الله تعالى وشكره والاستعاذة من شرور النفس وسيئات الأعمال، فشرور النفس من أعظم أنواع الشرور التي أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منها، ومن الأدعية التي علمنا إياها الرسول الكريم والتي تحث على مجاهدة النفس هي حديث أبو هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [أن أبا بكرٍ الصديقَ رضي الله عنه قال يا رسولَ اللهِ مرني بكلماتٍ أقولُهُن إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ, قال قل: اللهم فاطرَ السمواتِ والأرضِ عالمَ الغيبِ والشهادةِ ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكَه، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أعوذُ بك من شرِّ نفسي، وشرِّ الشيطانِ وشِرْكِه. قال: قلْها إذا أصبحتَ, وإذا أمسيتَ، وإذا أخذتَ مضجعَك][٨].[٩]

ما هي أنواع النفوس؟

بحسب أهل العلم من الفقهاء وأهل الدّين فإن النفس تنقسم إلى ثلاثة أقسام، وتسمّى باعتبار كل صفة بذلك الاسم، وأنواع النفوس هي:[٧]

  • النّفس الأمارة بالسوء: وهي التي تأمر صاحبها وتحثّه على فعل الشر، إذ تميل هذه النّفس إلى الملذات والشهوات دون مبالاة بالطريق الذي ستنال به هذه الشهوات سواءً أكان طريقًا حلالًا أم حرامًا، وهذه من أسوء أنواع النفوس وأكثرها شرًا وهي منبع للأخلاق الدنيئة والشرور.
  • النّفس الّلوامة: فالنفس اللّوامة هي التي تلوم صاحبها باستمرار عند فعله للشر وما يخالف أمر الله تعالى، فهي لا تثبت على حال واحدة فهي كثيرة التلوّم والتردد والتقلّب، فتارة تغفل هذه النفس، وتارة تُعرِض، وتارة تفرح، وتارة تحزن، وتارة تُطيع، وتارة تعصي، فلها العديد من الظروف والأحوال ولا تثبت على حال واحدة، وترى المؤمن صاحب هذه النفس دائم اللوم لنفسه، يقول لها: لمَ فعلت هذا؟ ولمَ قلت هذا؟ وهي نفس توقع صاحبها في الذنب ثم تلومه على فعله له.
  • النّفس المُطمئنة: فهي نفس مطمئنة بقرب ربها، وبعبوديته، ومحبته، والإنابة إليه، والتوكّل عليه، والرضا به، والسكون إليه، فتسري تلك الطمأنينة في نفس المسلم، وفي قلبه وروحه وكل قواه الظاهرة والباطنة، فلا يمكن حصول الطمأنينة إلا بقرب الله تعالى وذكره.

ما هي أنواع الجهاد؟

هناك عدّة أنواع للجهاد التي أمر الله تعالى بها عباده وحثّهم على التزامها باختلاف أحوال المُكلّفَين من حيث القدرة عليها أو العجز عنها، وقد كلفك الله عالة بالمجاهدة ما استطعت لذلك سبيلًا، وأنواع الجهاد هي:[٤]

  • جهاد الكفار بتبليغ الحُجَّة: وقد أمر الله تعالى عباده بهذا النوع من الجهاد في بداية الدعوة الإسلاميّة، إذ أمر الله تعالى بجهاد الكفار والمنافقين بالحُجّة والبيان والبراهين، وهذا هو أفضل أنواع الجهاد لأن فيه قول للحق مع كثرة المعارضين، وأكثر من قام بهذا النوع من الجهاد هو الرسول صلى الله عليه وسلم.
  • جهاد أعداء الله تعالى: فجهاد أعداء الله تعالى هو فرع من جهاد النفس، وقد كان جهاد النفس مقدمًا على جهاد العدو بل هو أصلًا له، فإنك إن لم تُجاهد نفسك أولًا لتفعل ما أمرك الله تعالى به وترك ما نهاك عنه لن تتمكّن من جهاد عدوّك في الخارج، ولن تتمكّن من الخروج لملاقاة عدوّك حتى تجاهد نفسك على الخروج للقائه.
  • جهاد الشيطان: فمجاهدة الشيطان هو أشد أنواع الجهاد، فالشيطان يقف للإنسان في كل عمل وفعل يقوم به، ويحاول تثبيط كل ما يقوم به من عمل أو فعل حسن، بل يأمرك بملازمة الملذات والشهوات، فقد أمرنا الله تعالى باتخاذ الشيطان عدوًا لنا ومحاربته ومجاهدته بكل الطرق والسبل المتاحة، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}[١٠].


المراجع

  1. سورة الحج، آية:78
  2. "تعريف و معنى جهاد النفس في معجم المعاني الجامع معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-25. بتصرّف.
  3. ^ أ ب الشيخ سيد سابق، "جهاد النفس"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-25. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "أنواع الجهاد"، الإيمان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-25. بتصرّف.
  5. الشيخ صلاح بن سمير محمد مفتاح، "مجاهدة النفس"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-25. بتصرّف.
  6. راغب السرجاني ، "كن صحابيًا الصحابة والدنيا "، طريق الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-25. بتصرّف.
  7. ^ أ ب "مجاهدة النفس"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-25. بتصرّف.
  8. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:5067، صحيح.
  9. د. شريف فوزي سلطان، "مجاهدة النفس"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-25. بتصرّف.
  10. سورة فاطر، آية:6

فيديو ذو صلة :