شرح حديث اية المنافق ثلاث

شرح حديث اية المنافق ثلاث
شرح حديث اية المنافق ثلاث

تعريف النفاق

يوجد اختلاف في معنى النفاق في اللغة، إذ نسبه البعض إلى النفق (السرب تحت الأرض) كون المنافق يستره، والبعض الآخر نسبه إلى اليربوع كونه يمتلك جحرًا وهو الرأي الأرجح، أما في الاصطلاح فالنفاق يعني القول باللسان بخلاف القلب قولًا واعتقادًا، أي الذي يظهر الإيمان ويستر كفره، فالمصطلح الإسلامي لم يُعرف بهذا الاسم إلا في العهد الإسلامي، على الرغم من أن له أصولًا في اللغة، فالمنافق يختلف فيما يسر وما يعلن في الأمور الظاهرة والباطنة، وعليه فهو موصوف بالكذب مقابل وصف المؤمن بالصدق، إذ قال الله تعالى :{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}[١]، وأهم ما يميز المنافقون الاختلاف بين ظاهره وباطنه، وبين ما يدعون حقيقة ما في قلوبهم مصداقًا لقوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[٢]، فهذه الآية من سورة البقرة نزلت بأهل النفاق، وفي مسميات أخرى للمنافق عند بعض الفقهاء "الزنديق"، فالزنادقة هم من القوم الذين أظهروا الإسلام في عهد الرسول في حين كانوا يبطنون كفرهم ومعاداتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وهم من وصفهم الله في الآية الكريمة من سورة المنافقون في قوله تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ}[٣]، ووعدهم الله بأن يكونوا في الدرك الأسفل من النار في قوله تعالى : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}[٤]، فهم أكثر شرًا من المشركين والعياذ بالله [٥].


حديث آية المنافق ثلاث

جاءت الأحاديث النبوية الشريفة لتوجه المسلمين إلى كثير من الأعمال والصفات الإيمانية السليمة وتنظم شؤون حياتهم، وتوجههم لما فيه صلاحهم وتقواهم، ومن الأحاديث التي جاءت مُستنكرةً للصفات التي لا تليق بالمسلمين الصادقين الّذين يشهدون بكلمة التوحيد حديث آية المنافق ثلاث، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ][٦]، فهذه الخصال المذكورة في الحديث هي شبيهة بخصال المنافقين، ومن يتصف بها يشبه المنافقين في أخلاقهم، وليس المقصود بالمنافق الذي يظهر إسلامه ويبطن كفره، وعليه لا بد من التفريق بين المنافقين نفاق الاعتقاد الذي بالقطع يخرج صاحبه من الملة، والنفاق العملي أي التشبه بأخلاق المنافقين، وهو لا يخرج صاحبه من الإيمان والملة، وهذه هي الفئة المذكورة في الحديث أعلاه [٧].


شرح حديث آية المنافق ثلاث

للمنافق علاماتٌ يعرفها أصحاب الفراسة ممن أعطاهم الله نورًا في قلوبهم، فيعرفون المنافق ويتتبعون أخباره، ومنها علامات ظاهرة يعرفها كل إنسان، وفيما يأتي ذكرها: [٨]

  • إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ: ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن المرء إذا كان كاذبًا فإن فيه شعبة من النفاق، كأن يقول فلان قال أو فعل أمرًا معينًا، وعند البحث والتحري يتبين أنه كاذب، وأن ما قيل لا أساس له من الصحة، ويُعد العديد من الأشخاص الكذب نجاة من الحرج والضيق أحيانًا، إذ تصبح صفة الكذب ملازمة لهم، ولا يعدونه من الكبائر التي نهى عنها ربّ العزة ورسوله الكريم.
  • إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ: إنّ إخلاف الوعد يعدُّ نوعًا من أنواع الكذب؛ لأنه يكون وعدًا كاذبًا، كأن يَعِد المرء بالذهاب إلى شخص ما في موعدٍ قد حدّده مُسبقًا ولا يأتي، فكثير من الناس يتجاهلون المواعيد ولا يهتمون بها ويفرّطون بها أيضًا، ولا يبالي بإخلاف الوعد مع أحد، فسبحان الله كيف أن المؤمن يعد ويوفي بوعده مهما كلفه ذلك من تعب ومشقة، وعليه فمن يكثر عدم إيفائه بوعوده ففي قلبه شعبة من النفاق.
  • إِذَا اؤْتُمِنَ خَان: أوضح هذا الحديث الشريف علامَةً ثالثة من علامات النفاق ألا وهي خيانة الأمانة، فلو افترضنا أن ّرجُلًا سافَرَ واستودع أهله أمانة عند فلان من الناس أو مالًا، فخان الأمانة وقال له ليس لك عندي شيء، أو اشترك في تجارةٍ مع شخصٍ فأنكر أنّ عنده له شيء، كانت هذه خيانة وكذبًا وخصلة من خُصَل النفاق، ولا يؤتمن الكثير من الناس لا على سرّ ولا على مال ولا على عرض، فخيانة الأمانة صفة ملازمة لهم، مما يدل بأن في قلوبهم شعبًا من النفاق، فالله أنزل آية تأمر المسلمين إلى أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، إذ قال الله تعالى:{ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا}[٩]


أنواع النفاق

ميز العلماء بين نوعين من النفا، فيما يأتي ذكرهما: [١٠]

  • النفاق الأكبر: وهو الشخص الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام، ويكون ذلك اعتقادًا عنده لا مجال فيه، فمن يظهر الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر وفي نفس الوقت في قلبه ما يناقض ذلك فهو منافق نفاقًا أكبر، وهم من قال عنهم ربّ العزة :{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}[١١]، الذين يتصفون بالكذب والخيانة والغدر واللجاج في الخصام أي الاستمرار بالمعارضة في الخصام.
  • النفاق الأصغر: وهو النفاق العملي كما يسميه أهل العلم أي النفاق في الأعمال، وهم الأشخاص الذي يظهرون في أعمالهم الصلاح، وفي حقيقة الأمر يبطنون عكس ذلك، وبالتالي تختلف سريته عن علانيته، ففي الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من اتصف بأربع صفات مجتمعة من أهل التوحيد فهو منافق خالص، إذ قال الرسول : [أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ][١٢]، وعليه فأي مسلم يتصف بأحد هذه الصفات المذكورة في الحديث وقع في النفاق الأصغر، إذ يشبه المنافقون في النوع الأول ولكنه ليس منهم.


التحذير من صفات المنافقين

حذّر علماء الشريعة من النفاق العملي الأصغر خوفًا من جرّ صاحبه للنفاق الأكبر الذي يخرجه من الملة والعياذ بالله، والحذر أيضًا يأتي من باب الحيطة في التعامل مع هذه الفئة من الناس، فهم يمتلكون حلاوة اللسان وحسن القول مما يخدع الناس فيصدقوهم ويقعوا معهم في إشكاليات لا يعلم بنتائجها وعواقبها إلا الله، وعليه فلا يُعتمد عليهم في أي شيء، ولله الحمد والمنة أن ديننا الإسلامي الحنيف يحث على جميع ما هو حسن وجميل، فيظهر المؤمنون الحق بأجمل الصور، والدليل على ذلك ما نشروه في بقاع الأرض من أخلاق حميدة أدت إلى دخول الكثير من المجتمعات في الإسلام نتيجة التعامل معهم[٨].


المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 10.
  2. سورة البقرة، آية: 8.
  3. سورة المنافقون، آية: 3.
  4. سورة النساء، آية: 145.
  5. "أولاً: تعريف النفاق"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 33.صحيح.
  7. "شروح الأحاديث"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019. بتصرّف.
  8. ^ أ ب "حديث: آية المنافق ثلاث..."، alukah، 7-1-2013، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019. بتصرّف.
  9. سورة النساء، آية: 58.
  10. "الفرق بين النفاق الأكبر والنفاق الأصغر ."، islamqa، 10-12-2010، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019. بتصرّف.
  11. سورة النساء، آية: 145.
  12. رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 34.صحيح .

فيديو ذو صلة :