بحث عن الظلم

الظلم

الإنسان بطبيعة الحال كائن اجتماعي، وحينما يبدأ اختلاط الناس ببعضهم تقع بينهم الكثير من المظالم، التي تقض مضجعهم وتؤثر سلبًا على حياتهم، وتلك المظالم عادةً تصدر من ذاك الإنسان الذي توارى عن منهج الله، ولم يعضّ على الأمانة التي كُلف بها، وما المشاكل والأزمات التي تحدث للإنسان في العصور على مر الزمان إلا نتيجة الظلم الذي يلقي به الإنسان على الإنسان، أما الذين لا يبدر منهم الظلم فهم قلة، وهم الذين تحملوا الأمانة التي جاءت في التكاليف الشرعية. والظلم هو مجاوزة الحدود مع الآخرين بغير وجه الحق، فيؤخذ الشيء من خلاله ويوضع في غير مكانه، وتهوي بالمظلوم في الدنيا وبالظالم في الآخرة، وتتعلق بحباله مفاسد جمة، وتنتشر مشاعر البغضاء والكره بين الناس به، فالظلم انحراف عن الصراط المستقيم الذي رسمه الله لعباده ومخلوقاته.[١]


أنواع الظلم

إن الظلم بكل أنواعه لا يتفق مع فطرة الإنسان السليمة، والمنطق القويم، والواقع الموضوعي، فلا يقبل إنسان أن يصفه أحد بالظالم حتى لو ثبت عليه ذلك، وللظلم أنواع كثيرة يمكن اختزالها بأربعة أنواع، هي:[١]

  • الكفر والشرك بالله: وهو أعظم ظلم يرتكبه الإنسان في تفريطه في جنب الله، وهو إنكار وحدانية الله وتفرده بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات العلا، أو حتى إنكار وجود الله بالمطلق، وهو ظلم لا يغفره الله ويغفر ما سواه.
  • ظلم النفس: وهو الظلم الذي ينجم عن تقصير العبد مع الله في أداء فروضه وواجباته واجتناب ما حرمه الله، والتفريط في الصحة وإنفاق المال وإضاعة الوقت، ورحمة الله واسعة، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء.
  • ظلم العباد للعباد: وهذا النوع من الظلم يحصل عندما تقع المظلمة بين الناس، فيتجاوز الظالم حق المظلوم فتقع الخصومة والكراهية والمقت والضغينة، فلا يغفر الله يوم القيامة للظالم حتى يقتص للمظلوم منه.
  • ظلم المخلوقات: كذلك الأمر بالنسبة للمخلوقات الأخرى كالحيوانات، فضربها وحبسها وتجويعها شكل من أشكال الظلم التي نهانا الله عنها.


أسباب الظلم

للظلم أسباب كثيرة إلا أن أهمها:[٢]

  • الجهل: فالجهل يعد من أخطر أسباب الظلم، ففي جنة الجهل يقوى الشيطان، ومع الجهل لا يستطيع الإنسان التمييز بين الحق والباطل، وبين الحلال والحرام، وبمعنى أدق لا يستطيع معرفة حكم الشرع في القضايا المختلفة، مما يجعل سلوكه خاطئًا ومنحرفًا ونفسه ظالمة، لهذا جعل الإسلام طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
  • الهوى: إن تطغى على الإنسان أنانيته وحب ذاته، حينها سوف يتبع هوى نفسه، مما يجعله بعدئذٍ يظلم نفسه أو غيره، فاتباع الناس لما تسوله لهم أنفسهم يؤدي إلى الفرقة والنزاع والخصام، وهذا بدوره يؤدي إلى الفساد والهلاك.
  • موالاة الظالمين: نهى الإسلام عن التعاون مع الظالمين أو موالاتهم والميول إليهم، فبمجرد ما ترتاح النفس وتركن إلى الظالم يعد الإنسان ظالمًا، فالإنسان الغافل قد يدفعه هواه للدفاع عن مقربيه أو أصدقائه بالباطل.
  • ظلم ذوي القربى لسذاجتهم: لعل من الغريزة ومما يتفق مع الفطرة أن يتخذ الإنسان الأقرباء مصدر ثقة ورحمة وأمان، وبسبب هذه الثقة المفرطة، تصبح تصرفات الناس ساذجة نوعًا ما في التعامل مع أقاربهم من غير تفكير أو إدراك، فيقعون بين فكي كماشة ظلم الأقرباء، لذا فإن ظلم الأقرباء يعد من أكبر المظالم وأشدها ألمًا على النفس الإنسانية.


الظلم ينقلب على الظالم

فالظلم ينعكس أساسًا على صاحبه، عاجلاً أو آجلاً، وذلك ما بينته سنة الجزاء من جنس العمل، حتى لو تفنن في زخرفة الكلام والخطابات الرنانة، أو أتقن أعمال التزوير والتحايل ودفع الرشاوي أو أدلى بشهادات زور، وهذا شائع بين الكثير من الناس، فالظلم يبقى والجزاء عليه باقٍ لا يسقط مع تقدم الزمان، إلا إذا قرر الظالم استحلال المظالم والتوبة إلى الله والإصلاح وإرجاع الحقوق إلى أهلها.[٣]

وانتشار الظلم مؤشر على الهلاك، فما يعيشه العالم حاليًا من مشاكل وأزمات، ما هو إلا نتيجة الفساد والظلم، ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، فإذا كان العدل هو أساس الأمن وأساس الاستقرار، فإن الظلم أساس الفتن وأساس الدمار والهلاك، والظلم ينتشر ويستفحل بسبب التمادي فيه والتغاضي والسكوت عنه، وهذا ما حذر منه الشرع، وما يمكننا أن نلمسه في هذا الوقت من عصرنا انهيار دول كثيرة بسبب فسادها وظلمها، بحيث لم تجد من يردها عن غيها وظلمها، فحصلت الفتنة وقتل الكثير من الأبرياء وضاعت الكثير من المنشآت.[٣]


المظلوم يحظى بمعية الله الخاصة

لو أن إنسانًا يتعرض للظلم من طرف إنسان آخر، فإن لطرف ثالث صاحب فطرة سليمة أن يسارع إلى حماية المظلوم والدفاع عنه، وبذلك يحظى بالثواب والأجر من الله تعالى، لأن الله عز وجل حرم الظلم على نفسه وحرمه على عباده، كما دعا إلى نصرة المظلوم، أما صاحب الفطرة المطموسة قد يرى الظلم ويشهده دون أن يتحرك، فهو يترك الإنسان تحت الظلم يهلك، وبذلك يكون آثماً، فينال جزاءه ولو بعد حين.[٤]

لذا لا بد للمرء من الدفاع عن حقه المشروع الذي إن غفل عنه ضاع، وقد فضل الله عز وجل المؤمن القوي على المؤمن الضعيف؛ لأن المؤمن القوي يستطيع أن يدفع الظلم عن نفسه وعن غيره، بينما المؤمن الضعيف المسالم لا يستطيع ذلك، فيجب على المرء أن يدفع الظلم عن غيره، وأن يمشي في حاجة الناس، فالله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.[٥]


والإنسان الغافل قد يشكك في الميزان الإلهي، خصوصًا عندما يرى علو الظالمين وطغيانهم على المظلومين لمدة طويلة، كما يحدث في هذه الأوقات في مختلف أنحاء العالم من علو وبطش وظلم، فالله عزوجل ليس بغافل عما يعمل الظالمون، فهو يمهل ولا يهمل، يمهل للظالم لعله يتوب إلى ربه، ويشعر بالندم ويلوم نفسه على ما فعل، ويعيد الحقوق إلى أصحابها ويعتذر لهم، وإذا لم يتب فسيناله جزاء ظلمه في الدنيا والآخرة.[٥]


المراجع

  1. ^ أ ب "ظلم العباد"، شبكة المعارف الاسلامية، اطّلع عليه بتاريخ 1-4-2019.
  2. "الظلم اسبابه وعلاجه"، البنأ ، اطّلع عليه بتاريخ 1-4-2019.
  3. ^ أ ب "عاقبة الظلم"، البيان، 29-2-2008، اطّلع عليه بتاريخ 1-4-2019.
  4. "التحذير من الظلم وعاقبة الظالمين"، الامام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 1-4-2019.
  5. ^ أ ب "الظلم "، طريق الاسلام، 2014-01-06، اطّلع عليه بتاريخ 1-4-2019.

فيديو ذو صلة :