محتويات
مفهوم الخطابة
تُعد الخطابة واحدة من الفنون الأدبيّة النثريّة الشفويّة التي لها حضور مميز منذ عصور الجاهليّة، وهي ضرورة اجتماعيّة تفرضها علينا الظروف، كما أنّها تُعبّر عن المُجتمع، وعادًة ما تُقال الخطبة ارتجالًا أمام جمهور الناس بهدف التأثير عليهم وإقناعهم، فالخطبة لها العديد من الأنواع، منها الخطابة الدينية، والعلميّة والاجتماعيّة، والعسكريّة، والقضائيّة، كما اشتملت على الكثير من المصطلحات التي سردها بعض الرّجال منذ القِدم.
فقد عرّف أرسطو الخطابة على أنّها القدرة على النظر في كل ما يوصل إلى الإقناع في أي قضية من قضايا الحياة، وقد عرّفها آخرون بأنها نوع من فنون الكلام والذي يهدف إلى إقناع السامعين واستمالتهم والتأثير فيهم بقضية معينة من حيث الصواب والخطأ، وقال البعض إن الخطابة فن من فنون الكلام والذي يمكن من خلاله التأثير في الجمهور عن طريق السمع والبصر معًا، فالأمر الذي يدخل أثره عن طريق السمع هو الأسلوب والصوت والإلقاء، وما يدخل أثره عن طريق البصر هو هيئة وحركة وملامح الخطيب، وتعدّ تلك المؤثرات هي قوام هذا الفن.[١]
أنواع الخطابة
عرّف العرب الخطابة كما عرّفها باقي الشعوب، وكان لكل عصر وحضارة خطبائها، فهي من مظاهر التواصل المُتعلّق بالسّماع والمُشاهدة، بالإضافة إلى تواصل الآراء بين الناس، وكانت الخطابة معروفة في العصور الجاهلية، كما برعّ العرب بها كثيرًا، لدرجة أنّهم كانوا لا يستعدّون ويُحضّرن لها قبل مواجهة الجُموع، أمّا في الوقت الحالي، فلا يخلو أي مُجتمع من فن الخِطابة، لكنّها تمرّ في فترات ازدهار وفترات ركود، ويعتمد ذلك على الظروف البشريّة المُحيطة بها، وما إن كان هناك حُريّة رأي ووعي ثقافي وسياسيّ، ويجدر بنا ذكر أنّ هناك عدّة أنواع للخطابة، وهي:[٢]
- الخطابة السياسيّة، مثل الخطابة الحربيّة والاجتماعيّة والعلميّة.
- خطابة الرؤساء والنوّاب والملوك.
- خطابة الزواج والتأبين، والصُلح والتهنئة.
- خطابة استقبال الطلبة في الكليّات والمعاهد.
- خطابة القادة العسكريين لجنودهم.
ما أركان الخطابة؟
تقوم الخطبة الناجحة على ثلاثة أركان أساسية، وهي:[٣]
- الخطيب: هو العنصر الأساسيّ والأوّل في الخطبة، وهو الذي يوجّه كلامه للجمهور والنّاس جميعًا، وإذا كان ماهرًا، فإنّه سيُخاطب العقل والعاطفة معًا، ليجذب النّاس ويدعوهم، ويجب أن يكيّف كلامه بناءً على الجمهور الذي يخاطبه وبناءً على محتوى الخطبة ما يتطلب منه الذكاء وحضور البديهة.
- مضمون الخطبة: وهو الكلام المنثور والمسجّع، ومحتوى الرّسالة التي يوصلها الخطيب للمخطوبين، ويختلف مضمون الخطبة بناءً على نوعها والهدف منها.
- المُخاطبون: وهم الرّكن الأخير من أركان الخطبة، وهم الجمهور الذين يُخاطبهم الخطيب بالعقل والعاطفة وهم أنواع كُثر، فمنهم العامّة الذين يجتمعون أمام الخطيب في المناسبات الاجتماعيّة والدينيّة، ومنهم الجيوش الذين يُخاطَبون في الحروب، ومنهم خاصّة النّاس من أقارب الخطيب، وخاصّته الذين يقفون أما الخطيب في المناسبات الخاصّة.
تاريخ الخطابة
مرّت الخطابة في مرحلتين مُهمّتين، وظهرت في عصر الجاهلية وعصر الإسلام كالتالي:
الخطابة في الجاهليّة
من المعروف أنّ العرب كانوا صُنّاع الكلمة، وكانت لديهم القُدرة على الارتجال والظهور أمام الحشود كافّة، فكانوا خُطباء، يتميّزون بقصر الخطبة وسرد الحكمة، والتي كانت خُلاصة لتجاربهم وخبراتهم في شؤون النّاس والحياة، فكانت لهم نظرات صائبة وحِكم عديدة ما زلنا نحتاجها إلى يومنا هذا، إذ نرى بعض الخطباء الحديثين يستعينون بخطب الجاهليّة لما لها من سردٍ بليغ، ومعانٍ عميقة يوصلها إلى الجمهور، أما الميّزة الغريبة في خطب الجاهليين فكانت قوّة ألفاظها والتي تميل أحيانًا إلى الخشونة، وسبب هذا الأمر هو قوّة نفوسهم وحماسهم واندفاعهم وشدّة بأسهم الناتجة عن معيشتهم في الصّحراء وبين الجبال.
أما الأسلوب الخطابي في العصر الجاهلي فتميّز بحسن الافتتاح وحسن تنسيق موضوع الخطبة وتجزئته، أما الأسلوب الكلامي فكان سهلًا واضحًا بعيدًا عن التكلّف وخاليًا من المحسنات اللفظية ومن فنون علم البديع، ولكن هذا لا ينفي لجوءهم إلى استخدام السجع أحيانًا، وأكثر ما ميّز مضمون خطب أهل العصر الجاهلي هو الارتجال، فكانت خطبهم رهينة اللحظة والموقع والقضية السائدة لديهم، فكانوا بعيدين عن العلم والتفكير المنظّم ما جعل خطبهم أحيانًا متفرقة وغير متماسكة الأجزاء وغير متسلسلة الأفكار.[٤]
الخطابة في الإسلام
توسّع مجال الخطابة بعد مجيء الإسلام، فكانت رسالة الإسلام خطابًا من الله تعالى للخلق جميعًا، وكان النبي عليه الصلاة والسّلام ومن تبعه مُكلّفين بتبليغ هذه الرّسالة، فكان عليه السّلام أوّل خطيب بين أهل قريش لمدّة ثلاثة عشر عامًا يدعوهم إلى دين الله الإسلام طوال فترة وجوده في مكّة المكرمة، قال تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين}[٥]، كما كان يعرض تلك الخطب وآيات القرآن الكريم على كل من يلقاه في الأسواق، ومع هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام اتسع مفهوم الخطابة وكانت متممة للذكر الحكيم وكانت بمثابة فرض مكتوب في صلاة أيام الجمعة وصلوات الأعياد وهكذا تطوّر مفهوم الخطبة من العصر الجاهلي إلى عصر الإسلام وتبلور فيه ووصل إلينا كما تعرفه اليوم وتسمعه في مناسبات عديدة في حياتك.[٦]
قد يُهِمُّكَ: صفات يجب توافرها في الخطيب
من الضروري أن يتحلّى الخطيب الذي يلقي الخطب الإسلامية بالعديد من الصّفات التي تجذب الجمهور وتُحمّسهم للاستماع إليه والاستفادة منه، وفيما يلي بعضًا من هذه الصفات:[٧]
- إخلاص النيّة لله عزّ وجل: وهو ضد الشّرك والرياء، ومن الضروري أن يُخلص الخطيب النيّة لله تعالى أثناء تأدية عمله، والإخلاص عند الخطيب يكون بفرحه وسروره إذا أقبل الآخرون على غيره من الخطباء المعروفين.
- إتقان مهارة قراءة القرآن: يجب أن يحفظ الخطيب ويكون على عِلم بآيات القرآن الكريم التي تُساعده على الاستشهاد بها، لكن دون أيّة إطالة في اللّحن والمَد، كما يجب قراءته قراءة مفهومة للجمهور.
- المعرفة التامّة بالأحاديث: لا بُدّ أنّ الأحديث الموضوعة والكاذبة انتشرت كثيرًا، ومن الضروري أن يُلم الخطيب بالأحاديث الصحيحة عن رسول الله ليستشهد بها أمام النّاس، ويجدر بنا القول أنّه عليه ذِكر مصدرها أيضًا.
- المعرفة باللغة العربية وقواعدها: كلّما كان الخطيب مُلمًا بقواعد اللغة العربية وفصحاتها، كلّما استطاع إيصال معنى الخطبة للناس أكثر، كما عليه التطرّق إلى التبسيط والإيضاح، والابتعاد الرّموز غير المفهومة.
- وعظ النّاس: قال النوويّ رحمه الله:"ومقصود الخطبة الوعظ" فالخطبة من الوسائل الشرعيّة التي توعّي الناس وتُعلمهم بأمور دينهم، وليس المقصود هنا هو فتح الخلافات والنقاشات في الخطبة، لا، بل أن يتطرّق الخطيب لبعض مسائل الحياة التي بيّن الشّرع حُكمه فيها، كأن يُريهم موقف الإسلام من القضيّة الفُلانيّة، وهذا لا يقتصر على أمور الدين بل يجب أن يكون الخطيب ملمًا بقضايا المجتمع ويقدّم للمستمعين الوعظ والنصيحة بهذا الشأن وبكل قضية تهمّهم.
- مراعاة المكان والزّمان: على الخطيب أن يتميّز بمهارته وحكمته ليختار الوقت الصحيح للحديث عن موضوعٍ يرغبه الجمهور في الخطبة، كما عليه مراعاة أحوال المكان والمجمهور، فيمكن أن يضيق المكان بهم أو يشتد الحرّ عليهم.
- عدم الإطالة في الخطبة: فلا مجال للتطويل المُمل ولا التقصير المُخلّ، فعلى الخطيب مراعاة الموضوع والوقت.
- النظافة وحُسن المظهر: قد ينفر بعض الأشخاص من الخطيب غير اللائق، وربّما لا يتقبّلون منه أيّة فائدة، يقول البدر العيني رحمه الله في ذلك: "تقدّم نظافة الثوب، والمراد به النظافة عن الوسخ لا عن النجاسات؛ لأنَّ الصلاة مع النجاسات لا تصحّ، ثم بعد ذلك حُسْنُ الصوت؛ لأنه به تميل الناس إلى الصلاة خلفه؛ فتكثر الجماعة، ثمّ حسن الصورة".
المراجع
- ↑ "الخطابة: تعريفها وأهميتها في الإسلام"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 20/1/2021. بتصرّف.
- ↑ "أنواع الخطابة"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 20/1/2021. بتصرّف.
- ↑ "اركان الخطبة"، جامعة بابل، اطّلع عليه بتاريخ 20/1/2021. بتصرّف.
- ↑ جامعة المدينة العالمية، كتاب الخطابة " جامعة المدينة"، صفحة 135-137. بتصرّف.
- ↑ سورة الشعراء، آية:214
- ↑ جامعة المدينة العالمية، كتاب الخطابة "جامعة المدينة"، صفحة 139-140. بتصرّف.
- ↑ "صفات الخطيب الناجح"، دار الافتاء، اطّلع عليه بتاريخ 21/1/2021. بتصرّف.