صلاة العيد
للمسلمين عيدان؛ الأول عيد الفطر الذي يأتي بعد شهر رمضان المبارك، والثاني عيد الأضحى المبارك الذي يأتي بعد يوم عرفة؛ إذ أبدلها الله تعالى لنا بأعياد الجاهلية، وغيرها من الأعياد التي ظهرت في الأوقات الأخيرة، فعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: [قدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ ولهم يومانِ يَلعُبون فيهما، فقال: قدْ أبدَلَكم اللهُ تعالى بهما خيرًا منهما: يومَ الفِطرِ، والأَضْحى][١]، كما لا يجوز للمسلم أن يتبع ويحتفل بأعياد الكفار؛ إذ قال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ لِكُلّٖ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةٗ وَمِنۡهَاجٗاۚ}.[٢]
أمّا حُكم صلاة العيد، فإنّه فرض كفاية، أيّ إذا قام بها عدد كافٍ من المسلمين سقط عن غيرهم، مع أنّ النبي صل الله عليه وسلم شدد على خروج الرجال والنساء، والصغار، والنساء الحائض أيضًا حتى لو لم يصلين، وهذا دليل على فضل الصلاة وأهميتها، فعن عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قالَتْ: [أَمَرَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ في الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إحْدَانَا لا يَكونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِن جِلْبَابِهَا][٣]، وفي كتاب الله ذكر الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ}.[٤][٥]
وقت صلاة العيد
يبدأ وقت صلاة العيدين، الفطر والأضحى من بعد طلوع الشمس وحتى زوالها، أيّ ابتداءً من ارتفاع الشمس قيد رمح حتى ابتداء الزوال، وهذا بالعين المجردة، كما يُستحب ألّا تُؤخر صلاة عيد الأضحى، لوجود أضاحي يُضحيها المسلمين، وفي عيد الفطر يُستحب تأخيرها قليلًا حتى يتسنّى للمسلمين إخراج صدقة الفطر، وغيرها من الصدقات، لمن قد نسي أو لم يكن لديه الوقت من قبل لإخراجها[٦].
فعن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: [إذا طَلَع حاجبُ الشمسِ فأَخِّروا الصلاةَ حتى ترتفعَ، وإذا غاب حاجبُ الشَّمسِ فأخِّروا الصلاةَ حتى تغيبَ، ولا تَحيَّنوا بصلاتِكم طلوعَ الشمس، ولا غُروبَها؛ فإنَّها تَطلُع بين قَرنَي شيطانٍ]،[٧] وهذا دليل على أن ما قبل طلوع الشمس قيد رمح منهي عن الصلاة فيه، وعن عُقبةَ بنِ عامرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: [ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنهانا أنْ نُصلِّي فيهنَّ، أو أنْ نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حين تَطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفِعَ، وحين يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتى تميلَ الشَّمسُ، وحين تَضيَّفُ الشمسُ للغروبِ حتى تَغرُبَ].[٨]
كيفية صلاة العيد
أمّا بالنسبة لصلاة العيد وكيفيتها؛ فإنّها تُؤدى ركعتان قبل خطبة الإمام، فعن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: [كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبو بكرٍ، وعُمرُ رَضِيَ اللهُ عنهما، يُصلُّونَ العِيدَينِ قَبلَ الخُطبةِ][٩] والسبب في أن خطبة العيد قبل الخطبة، هي أن الخطبة سُنة، أما في خطبة الجمعة فهي شرط، والشرط مقدم دائمًا على المشروط، أي خطبة الجمعة بعد الصلاة تكون، أما صلاة العيد فهي بدون أذان ولا إقامة حتى، فعن جابرِ بنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: [صليتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِيدينِ غيرَ مرَّةٍ، ولا مرَّتينِ بغير أذانٍ ولا إقامةٍ].[١٠]
يُكبر الإمام في الركعة الأولى ست تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح، وقبل التعوّذ والقراءة، أمّا تكبيرة الإحرام فهي ركن ولا يمكن أن تنعقد الصلاة من غيرها؛ إذ إنها استفتاحية للصلاة، لكن التكبيرات الستة فهي سنَّة، وبعد تأدية تكبيرة الإحرام والتكبيرات الستة، يتعوذ الإمام ثم يقرأ، وفي الركع الثانية يُكبر خمس تكبيرات قبل البدء بالقراءة، عدا عن تكبيرة الانتقال، فعن عَمرِو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه: [أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كبَّر في عيدٍ اثنتي عشرةَ تكبيرةً، سبعًا في الأولى، وخمسًا في الأخرى، ولم يُصلِّ قَبلَها، ولا بَعدَها][١١]
إنّ الاختلافات كثيرة حول عدد التكبيرات؛ إذ قال الإمام أحمد عليه رحمة الله: "اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في التكبير، وكله جائز "، على الإمام أن يرفع يديه مع كل تكبيرة، كما كان يفعل النبي صل الله عليه وسلم، ويُسن للمسلم أن يقول بين كل تكبيرة والثانية "الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا"، فعن عقبى ابن مسعود قال: [سألت ابنَ مسعودٍ عما يقولُه بعد تكبيراتِ العيدِ قال يحمدُ اللهَ . ويُثني عليه ويُصلي على النبيِّ][١٢]، ولو قال الإمام غير هذا الذكر، فلا بأس بذلك، يجهر الإمام بتلك الركعتين كما في صلاة الاستسقاء.
فعن عبدالله بن عباس قال: [صلَّى ركعتينِ كما كان يصلِّي في العيدِ [يعني صلاةَ الاستِسقاءِ][١٣]، كما أنّ العلماء أجمعوا على أن صلاة العيد تُؤدى جَهرًا، فيقرأ الإمام في الركعة الأولى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) بعد سورة الفاتحة، وفي الركعة الثانية: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)، أو في الركعة الأولى: سورة (ق)، والثانية سورة (القمر)، وهذا بالتأكيد بعد قراءة سورة الفاتحة في كلا الركعتين، فعنِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: [كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأُ في العيدينِ وفي الجُمُعةِ: بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ، وربَّما اجتمعَا في يومٍ واحدٍ، فيقرأ بهما][١٤].
في النهاية، قال ابن تيمية شيخ الإسلام، أنّه يجوز قراءة أيّ شيء من القرآن، لكن قراءة الآيات والسور التي جاء فيها أحاديث وكلام فهي حسنة أكثر، فقد كان يقرأ السور التي تحتوي على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتوحيد، وقصص الأنبياء وأممهم، وكيف عاملهم الله تعالى وهم يكفرون ويُكذبون به، وكيف حلّ بهم الشقاء والهلاك، ومن آمن بالأنبياء وصدَّقهم، وما لهم من النجاة والعافية.[١٥]
مَعْلُومَة
بعد الانتهاء من صلاة العيد، يأتي دور الخطبتان اللتان يخطبهما الإمام ويجلس بينهما؛ إذ أجمع الفقهاء أنّ للعيد خطبتان، فعَن عبدالله بن عمر أنَّه قالَ : [السُّنَّةُ أَن يَخطُبَ في العيدينِ خُطبتينِ يفصِلُ بينَهما بجُلوسٍ][١٦]
يحثُ الإمام المسلمين خلال الخطبة على إخراج زكاة الفطر، ويُبين لهم أحكامها ومقدارها، وجميع المعلومات التي تخصها، وفي خطبة عيد الأضحى يخطب بهم عن الأضاحي وأحكامها، كما على النساء حضور صلاة العيد كما ذكرنا، ولهنَّ نصيب من مواضيع الخطبة، لأنهنّ محتاجات لسماع بعض المواعظ، وذلك اقتداءً بني الله عليه السلام.[١٥]
المراجع
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري لابن حجر، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2/513، إسناده صحيح .
- ↑ سورة المائدة، آية: 48.
- ↑ رواه : مسلم، في صحيح مسلم، عن أم عطية نسيبة بنت كعب، الصفحة أو الرقم: 883 ، [صحيح].
- ↑ سورة الكوثر، آية: 2.
- ↑ "صلاة العيدين"، al-feqh.، 31-5-2020، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2020. بتصرّف.
- ↑ "وقت صلاة العـيدين"، islamweb، 31-5-2020، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 583 ، [صحيح].
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن عقبة بن عامر ، الصفحة أو الرقم: 831، [صحيح].
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 962 ، [صحيح].
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن جابر بن سمرة، الصفحة أو الرقم: 887 ، [صحيح].
- ↑ رواه البخاري ، في تنقيح تحقيق التعليق، عن [جد عمرو بن شعيب]، الصفحة أو الرقم: 2/89 ، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن عقبة بن عامر ، الصفحة أو الرقم: 642 ، صحيح.
- ↑ رواه السفاريني الحنبلي، في كشف اللثام، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3/275، صحيح.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 533 ، [صحيح].
- ^ أ ب "صلاة العيد"، alfawzan، 31-5-2020، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن عبدالبر، في الاستذكار، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2/60 ، مسند صحيح.