محتويات
سيدنا نوح عليه السلام
ورد ذكر سيدنا نوح عليه السلام في مجموعة من الآيات الكريمة من سور آل عمران والنساء والمائدة والأنعام، بالإضافة لسورة نوح المسماة على اسمه عليه الصلاة والسلام وغيرها من السور، ووفقًا لما ورد في الدين الإسلامي فقد بعث الله تعالى نوحًا إلى قومٍ يعبدون الأوثان، وجاء نبي الله نوح ليدعوهم لتوحيد الله تعالى وترك ما هم عليه، ولم يلقَ نوح إجابةً من قومه باستثناء القليل منهم، وعارضه الأكثرية وضمروا له العداوة وتوعدوه ومن معه بالرجم.
لبث سيدنا نوح عليه السلام في قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا وفقًا لما ورد في كلام الله الحق، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}[١]، وقد أمره الله خلال دعوته ببناء سفينة؛ فبدأ في بنائها وكلما مر قومه عليه سخروا منه، ثم انتهى من البناء وجمع بها ما أمره الله أن يجمع، ثم نزلت الأمطار الغزيرة، وتفجرت الأرض بالعيون، وأدى ذلك لحدوث الطوفان العظيم، وكان أحد أبناء سيدنا نوح كافرًا وتخلّف عن الركوب في السفينة، قال تعالى: {قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}[٢]، ثم استقرت السفينة بما فيها من بشر وحيوانات ومخلوقات على جبل الجودي، وهو جبل يقع في تركيا، وهو على مقربة من الحدود العراقية السورية التركية، ويرى البعض أن الابن الكافر قد أوى لجبل في منطقة النجف في العراق ولكنه ذاب مع الطوفان العظيم بإرادة الله.[٣]
مهنة سيدنا نوح عليه السلام
إن الأنبياء كغيرهم من البشر يمتلكون المهن والحرف، ويعملون لكسب العيش، فقد كان سيدنا نوح عليه السلام راعيًا للأغنام في أوقات الفراغ، وكان عليه الصلاة والسلام يمتهن مهنةً أساسيةً وهي النجارة، وأوحى الله تعالى لنبيه أن يبدأ بصناعة سفينة عملاقة تتمكن من حمل الآلاف من البشر والحيوانات والمخلوقات المختلفة، وجاء هذا الأمر من الله تعالى لحماية الكائنات الحية من الطوفان العظيم، وقد نقل الله تعالى نوحًا ومن معه إلى مكانٍ آخر، وكانت بداية البناء على اليابسة، مما دفع قومه للسخرية منه، وكانت المعجزة أن الله تعالى أمر سيدنا نوح ببناء السفينة في مكانٍ لا يحتوى على الماء أبدًا، ثم جاء الأمر من الله بنزول المطر وإخراج الماء من الأرض حتى غُمر سطح الأرض.[٤]
دعوة سيدنا نوح لقومه
كان نبينا نوح عليه السلام يؤمن بالله تعالى بالفطرة، وكان عليه الصلاة والسلام يشكر الله على فضله ومنه وكرمه ونعمه، وقد اختاره الله لدعوة قومه لعبادة الله، وترك عبادة الأوثان وما يعبدون من غير الله، ثم بدأ سيدنا نوح بدعوة قومه، وخرج عليهم فقال لهم: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[٥]، وما سبق ما هو إلا كلمات موجزة ومختصرة لجزء من دعوة نوح عليه السلام لتوحيد الله، وقد حدثهم عن الدار الآخرة والثواب والعقاب، وتحدّث لهم عن الشيطان وأفعاله وأنه أضلّهم لسنوات طِوال، وقد آن الأوان لترك طاعة الشيطان والعودة لطاعة الله سبحانه وتعالى، وجادلهم بالحجة والبرهان والمنطق، ولكن أغلب قومه كذبوه وصدوا عنه وقالوا له: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}[٦].[٧]
بناء السفينة والطوفان
بعد مجيء الأمر من الله تعالى لسيدنا نوح عليه السلام ببناء السفينة، شرع نوح بزراعة الأشجار والاهتمام بها وقطعها وتجهيزيها للبناء، ثم بدأ عليه السلام ببناء السفينة، وكان يتمتع بخبرةٍ في مهنة النجارة فقد كان نجّارًا، وتزامن بناء السفينة مع وقت جفاف لا يُرى فيه الماء، وتعجّب الناس من هذا التصرّف؛ فسخروا منه وشمتوا فيه واستهزؤوا به؛ لعدم وجود أي بحار قرب السفينة، وجاء الأمر من الله تعالى لجبريل عليه السلام أن ينزل إلى الأرض ويجمع من كلِ زوجٍ من الحيوانات والمخلوقات والوحوش، ثم صعد بهم إلى السفينة، وأخرجت الأرض بعد ذلك الماء، وأمطرت السماء بغزارة بأمرٍ من الله، وارتفع منسوب المياه بسرعةٍ كبيرة حتى امتلأ سطح الأرض بالماء.[٧]
وصية سيدنا نوح لابنه
أوصى سيدنا نوح عليه السلام ابنه قبل مماته بأمرين ونهاه عن اثنين، أمره بقول لا إله إلا الله وسبحان الله وبحمده، ونهاه عن الشرك والكِبر، فقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إنِّي قاصٌّ عليكَ الوصيَّةَ : آمرُكَ باثنتينِ، وأنهاكَ عنِ اثنتينِ، آمرُكَ بلا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فإنَّ السَّمواتِ السَّبعَ، والأرضينَ السَّبعَ، لو وُضِعت في كفَّةٍ، ووُضِعت لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ في كفَّةٍ، رجَحت بِهِنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ولو أنَّ السَّمواتِ السَّبعَ، والأرضينَ السَّبعَ، كنَّ حلقةً مبهمةً، قصَمتهنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وسبحانَ اللَّهِ وبحمدِهِ، فإنَّها صلاةُ كلِّ شيءٍ، وبِها يرزقُ الخلقُ، وأنهاكَ عنِ الشِّركِ والكبرِ][٨].[٩]
دروس وعبر مستفادة من قصة سيدنا نوح عليه السلام
تظهر من خلال قصة سيدنا نوح عليه السلام مجموعة من الدروس والعبر المهمة في حياتنا اليومية، ويمكن إجمال بعض هذه الدروس والعبر فيما يلي:[١٠]
- يزداد إيمان العبد بالله تعالى عند التدبّر والتأمل في خلقه وصنعه، وقد علم سيدنا نوح هذا عن ربه فأمر قومه أن يتدبروا كيفية خلقهم في أحسن صورة.
- تُجلَبُ النِعَمُ بالاستغفار، وبه تُزال المِحَن ويُنجي الله عباده من أشدِّ الابتلاءات، فقد قال الله في قرآنه الكريم: {فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}[١١].
- الكفر هو الكفر والشرك هو الشرك، إذ لا تشفع صلة القرابة أو صلة الرحم بين الناس في يوم الحساب، وإنما نفعهم وفوزهم يكون من خلال العمل الصالح والقرب من الله عز وجل، وخيرُ دليلٍ ما جاء في قصة سيدنا نوح، فلم يشفع نوحٌ لزوجته أو ابنه من عذاب النار بسبب كفرهم.
- تسمية الله في بداية كل أمر مدعاةٌ للبركة فيها، فقد بدأ نوحٌ عليه السلام صناعة السفينة بأمر الله سبحانه وتعالى وسارت فقال بسم الله كما ذكر الله تعالى في كتابه: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[١٢].
المراجع
- ↑ سورة العنكبوت، آية: 14.
- ↑ سورة هود، آية: 43.
- ↑ "نوح"، marefa، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.
- ↑ أمل سالم (15-6-2017)، "مهن الانبياء وحرفهم"، mosoah، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 59.
- ↑ سورة هود، آية: 27.
- ^ أ ب Meram Mohamed (13-1-2019)، "بحث عن سيدنا نوح عليه السلام وابنه والسفينة"، mlzamty، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 10/87، إسناده صحيح.
- ↑ "نبي الله نوح عليه السلام"، darulfatwa، اطّلع عليه بتاريخ 24-12-2019. بتصرّف.
- ↑ د. نورهان محمود (16-10-2018)، "قصة سفينة نوح كاملة من البداية للنهاية"، magltk، اطّلع عليه بتاريخ 23-12-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية: 10-12.
- ↑ سورة هود، آية: 41.