علم التجويد
ربما تساءلت كيف نزل القرآن؟ وهل نزل مجوّدًا أم أن التجويد أتى على يد علماء القراءة؟ وفي معرض الجواب على هذا التساؤل نذكر أن القرآن نزل مجودًا وقرأه جبريل عليه السلام مجودًا، وكذلك نقله محمد صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه مجودًا، إلى أن وصل إلينا مجودًا جيلًا عن جيل، وقد قال تعالى :{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِه}[١]، وقال: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[٢]، ففي قراءة القرآن بالتجويد طاعة لأمر الله، واقتداء بالله والرسول والسلف الصالح، وتعبد لله.
والتجويد لغة هو التحسين والإتقان، واصطلاحًا هو إخراج كلّ حرف من مخرجه وإعطاؤه حقه ومستحقه من الصفات والأحكام، وهذا العلم يبحث في قواعد النطق الصحيح وتصحيح تلاوة القرآن الكريم، وفي بادئ الأمر لم تكن قراءة القرآن تحتاج إلى قواعد، فقد كان الرسول والصحابة عربًا أقحاحًا، فهم يقرؤون القرآن على سجيتهم إلى أن دخل الأعاجم في الإسلام وظهر الخطأ في اللغة العربية والقرآن، فأمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه الصحابة بوضع قواعد لهذا العلم، ومن أوائل العلماء أبو الأسود الدؤلي، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وحكم التجويد ينقسم إلى قسمين: التجويد التطبيقي العملي وهو فرض عين على كل من أراد أن يقرأ القرآن، يثاب فاعله ويؤثم تاركه، أما من الناحية النظرية؛ أي تعلم أحكام التجويد وقواعده وأوجه القراءة، فحكمه فرض كفاية إذا تعلمه البعض من العلماء سقط الإثم عن الباقين، ويستحب تعلمه لمن يستطيع؛ فهو من أشرف العلوم وأجلها لأنه يتعلق بكلام الله سبحانه وتعالى.[٣]
صفات الحروف في علم التجويد
لكي تتعرف على صفات الحروف عليك أن تعرّف الصفة أولًا، وهي في اللغة ما قام بالشيء من المعاني حسيًا كالسواد والبياض والحمرة، أو معنويًا كالأدب والعلم وغيره، وتعريفها اصطلاحًا: كيفية تَعْرُض للحرف عند النطق به في مخرجه كالشدة، والجهر، والهمس، ولمعرفة صفات الحروف ثلاث فوائد وهي:[٤]
- التمييز بين الحروف التي تشترك في مخرج واحد وقال ابن الجزري: "كل حرف شارَك غيره في المخرج، لا يمتاز عنه إلا بالصفات، وكل حرف شارَك غيره في صفاته، فإنه لا يمتاز عنه إلا بالمخرج، ولولا ذلك لاتَّحدت أصوات الحروف في السمع، وما تميَّزت ذواتها (كالظاء)، فلولا انفرادها بالاستعلاء والإطباق والجهر، لكانت ثاءً لاتفاقهما في المخرج".
- تحسين النطق بالحروف.
- معرفة الحروف القوية والضعيفة، لمعرفة الحروف التي يجوز أن تدغم والتي لا تدغم.
وحروف الهجاء لها صفات متعددة، وقد جعلها بعض العلماء 44 صفة، وبعضهم 14 صفة، ومنهم عدها 16، واختار أهل العلم والآداء مذهب ابن الجزري في عدها 17 صفة، وتنقسم صفات الحروف إلى قسمين: صفات لها ضد، وصفات ليس لها ضد، والصفات ذوات الأضداد خمس صفات نذكرها لك وهي:[٥]
- الجهر وضده الهمس.
- الإطباق وضده الانفتاح.
- الشدة وضدها الرخاوة، وبينهما التوسط.
- الاستعلاء وضده الاستفال.
- الإصمات وضده الإذلاق.
وإليك تعريف هذه الصفات:
- الجهر: في اللغة الإعلان وارتفاع الصوت، واصطلاحًا: انحباس جريان النفس عند النطق بالحرف لقوة الاعتماد على المخرج، وحروفه تسعة عشر حرفًا، وهي الحروف الباقية من حروف الهمس العشرة.
- الهمس: لغة الخفاء، واصطلاحًا: جريان النفس عند النطق بالحرف وذلك لضعف الاعتماد على المخرج، وهي صفة ضعف في الحرف، وحروفه عشرة وهي: الفاء، والحاء، والثاء، والهاء، والشين، والخاء، والصاد، والسين، والكاف، والتاء، يجمعها قولهم: (فحثه شخص سكت)، والفرق بين الجهر والهمس انحباس النفس في الأول وجريانه في الثاني.
- الشدة: لغة القوة، واصطلاحًا: انحباس الصوت عند النطق بالحرف وذلك لكمال الاعتماد على المخرج، وحروف الشدة ثمانية جمعت في عبارة: ( أجد قط بكت)، وبين الشدة والرخاوة صفة التوسط: وهي اعتدال الصوت عند النطق بالحرف لعدم كمال جريانه كما في الرخاوة، وعدم كمال انحباسه كما في الشدة، وحروف التوسط خمسة: اللام، والنون، والعين، والميم، والراء، مجموعة في كلمة (لنعمر).
- الرخاوة: لغة اللين، أما اصطلاحًا فهو: جريان الصوت عند النطق بالحرف لضعف الاعتماد على المخرج، وحروفه ستة عشر حرفًا وهي الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الشدة والتوسط.
- الاستعلاء: لغة الارتفاع، وفي الاصطلاح: ارتفاع أقصى اللسان إلى الحنك العلوي عند النطق بالحرف فيرتفع معه الصوت، وحروف الاستعلاء سبعة مجموعة في قولهم: (خص ضغط قظ).
- الاستفال: لغة: الانحطاط والانخفاض، واصطلاحًا: انخفاض أقصى اللسان عن الحنك العلوي إلى قاع الفم عند نطق الحرف، وحروفه اثنان وعشرون حرفًا وهي الحروف الباقية بعد حروف الاستعلاء السبعة.
- الإطباق: لغة: الإلصاق، واصطلاحًا: استعلاء أقصى اللسان ووسطه إلى جهة الحنك العلوي، وتلاصق اللسان بما يحاذيه من الحنك الأعلى وذلك عند النطق بالحرف، وحروف الإطباق أربعة وهي: الصاد، والضاد، ووالطاء، والظاء، والإطباق أقوى في الطاء وأضعفه في الظاء.
- الانفتاح: لغة: الافتراق، واصطلاحًا: انفراج بين اللسان والحنك الأعلى عند النطق بالحرف بحيث لا ينحصر الصوت بينهما، أما حروفه فهي خمسة وعشرون حرفًا، وهي الحروف الباقية بعد حروف الإطباق.
- الإذلاق: لغة: الفصاحة والسرعة، أي طلاقة اللسان في الحديث، واصطلاحًا: سرعة النطق بالحرف لاعتماد حروف الإذلاق على طرف اللسان والشفتين، وحروفه مجموعة في قولهم: (فر من لب).
- الإصمات: لغة: المنع والكف، واصطلاحًا: ثقل الحرف وعدم سرعة النطق به، وامتناع حروفه من الانفراد في تكوين أصول الكلمات الرباعية أو الخماسية، فإن وجدت كلمة رباعية أو خماسية مكونة من حروف مصمتة فهي كلمة غير عربية ككلمة عسجد، وحروف الإصمات هي حروف الهجاء ما عدا حروف الإذلاق.
الصفات التي ليس لها ضد وهي:
- القلقلة: لغة: التحريك والاضطراب، وصطلاحًا: اضطراب الحرف في المخرج عند النطق به ساكنًا حتى يسمع له نبرة قوية، وحروف القلقلة شديدة ومجهورة، فينحبس فيها الصوت والنفس فيلزمها القلقلة حتى تظهر وتسمع، والحروف مجموعة في قولهم ( قطب جد).
- الصفير: لغة: صوت يشبه صوت الطائر، واصطلاحًا: صوت زائد يخرج من الشفتين عند النطق بحروف الصفير: الصاد والسين والزاي، واقواها في الصفير الصاد لما فيها من إطباق واستعلاء.
- اللين: في اللغة السهولة وهو ضد الخشونة، واصطلاحًا: خروج الحرف من مخرجه في يسر وسهولة وعدم كلفة، وحروفه: الواو والياء الساكنان والمفتوح ما قبلهما مثل: بيت خوف.
- الانحراف: في اللغة الميل، واصطلاحًا: ميل الحرف عن مخرحه حتى يتصل بمخرج غيره، وهي صفة للام والراء، وانحراف اللام من حافة اللسان إلى طرفه، والراء من طرف اللسان إلى ظهره.
- التفشي: في اللغة: الاتساع والانتشار، واصطلاحًا: انتشار الهواء بالفم عند نطق حرف الشين.
- التكرير: في اللغة: إعادة الشيء أكثر من مرة، واصطلاحًا: ارتعاد طرف اللسان عند النطق بحرف الراء، ولها حرف واحد وهو حرف الراء، وتذكر هذه الصفة للتحرز منها.
- الاستطالة: لغة: الامتداد، أما اصطلاحًا فهو: امتداد الصوت من آخر حافة اللسان إلى أولها عند النطق بحرف الضاد.
كيفية تعلم علم التجويد
لو أردت أن تتعلم التجويد فاعلم أن للتجويد قواعد وأحكام وضحها العلماء، وعليك أن تتعلم هذه القواعد، ثم تطبقها على كلمات القرآن وحروفه، وذلك يؤخذ بالتلقي والمشافهة عن الشيوخ المتخصصين، ويكون الأخذ عنهم بطريقتين: الأولى: أن يقرأ الشيخ أمامك وأنت تستمع له وتردد خلفه، والطريقة الثانية: أن تقرأ بين يدي الشيخ وهو يسمع لك ويصحح، وهذه الطريقة أعظم أثرًا في تمرين اللسان على القراءة الصحيحة وتقويمه من الخطأ، والأفضل الجمع بين الطريقتين لتتم الفائدة، واعلم أنه لا يُتقن التجويد إلا بكثرة رياضة اللسان وتمرينه على النطق السليم، وكثرة تكرار اللفظ المأخوذ عن المعلم المتقن.[٦]
أما إن تعذر عليك حضور حلقات تعلم القرآن بالتجويد فيمكنك الاستماع إلى حلقات التجويد وتطبيقاته، ودروسه المرئية، والمسموعة، أو التواصل مع بعض المتقنين للتجويد على وسائل التواصل الحديثة، أو المشاركة في المقارئ الإلكترونية، كما يمكنك أيضًا الاستعانة بالمصحف المعلم.[٧]
مَعْلومَة
اعلم أن قراءة القرآن الكريم من أعظم الطاعات والقربات التي تتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، وحتى تنال الأجر كاملًا عليك أن تقرأ القرآن بالصفة التي أمر الله رسوله بها، والتي تراعي بها أصول القراءة الصحيحة والمحافظة على أحكام التلاوة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: [الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ][٨]، وقد نقلت لنا القراءة الصحيحة الثابتة بالأحاديث الصحيحة عن طريق المشافهة والتلقي، وهكذا تواترت هذه الكيفية في التلاوة حتى وصلت إلينا، وقد اصطلح العلماء على تسميتها بالتجويد، وقد أصبح علمًا قائمًا بذاته يختص بالبحث في الكلمات القرآنية ليتمكن القارئ من إعطاء الحروف حقها ومستحقها، وإجادة القراءة، وحفظ اللسان من الخطأ في قراءة القرآن.
وقد تكفل تعالى بحفظ القرآن من التحريف، ومن كمال حفظه أن يحفظ لفظه ونطقه عن اللحن والتصحيف، وقد حفظ لنا علم التجويد القراءة الثابتة التي لا يٌقرأ إلا بها ووضعوا قواعد التلاوة بكل دقة، من أجل المحافظة على اللفظ القرآني من أن يتطرق إليه اللحن والتحريف، وعلم التجويد هو مفخرة من مفاخر الإسلام من خلاله وصلنا القرآن كما أُنزل، ولولا علم التجويد لضاعت أصوات القرآء بين اللغة العامية ولغة الأعاجم الذين دخلوا في الإسلام.[٩]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 121.
- ↑ سورة المزمل، آية: 4.
- ↑ " تعريف علم التجويد"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 8-7-2020. بتصرّف.
- ↑ "صفات الحروف"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 8-6-2020. بتصرّف.
- ↑ رزق الطويل (1405هـ - 1985م)، مدخل في علوم القراءات (الطبعة الأولى)، السعودية: المكتبة الفيصلية، صفحة 123-127. بتصرّف.
- ↑ "مبادئ علم التجويد"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 23-7-2020. بتصرّف.
- ↑ "طرق تعلم القرآن بالتجويد بدون شيخ"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 23-7-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 798، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ↑ "أهمية تجويد القرآن الكريم"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 23-7-2020. بتصرّف.