محتويات
سجود التلاوة
إن السجود في اللغة يعني الخضوع والتذلل بحيث توضع الجبهة على الأرض مع طأطأة الرأس، أما في الإسلام فقد ورد ذكره في القرآن الكريم أكثر من 92 مرة بمختلف أنواعه، ومنها السجود في الصلاة التي تؤديها خمس مرات في اليوم، وسجود السهو الذي تؤديه إذا سهوت فزدت أو أنقصت، وسجود الشكر الذي تؤديه إذا أردتَ شكر الله على نعمة آتاكَ إياها أو صرفَ عنكَ أذى ما، وآخرها سجود التلاوة الذي يعني قراءة آية تحتوي على سجدة تتطلب منك أن تكبر وتسجد سجدة، وفي القرآن الكريم 15 موضعًا لسجود التلاوة، فلا بد وأنك عند قراءتك للقرآن الكريم قد مررت بالآيات التي تستوجب عليك أداء سجود التلاوة، وفي هذا المقال سنساعدك على معرفة أحكام هذا السجود وكيفية أدائه.[١]
كيف يؤدى سجود التلاوة؟
عندما تقرأ آية تحتوي على رمز السجود فإن ذلك يعني تأديتها بالتكبير وقول: "الله أكبر"، ثم السجود كما في الصلاة العادية على الأعضاء السبعة، مع قولك: "سبحان ربي الأعلى" ثلاثًا، وتدعو: "اللهم لكَ سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجدَ وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين"، فهذا الدعاء حسن ومشروع في سجود التلاوة، وأكمله بقولك: "اللهم اكتب لي فيها أجرًا، وضع عني بها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود"، ثم تقوم دون تكبير أو تسليم، أما في حال سجدتَ في الصلاة فعليكَ التكبير عند السجود وعند الرفع منه، وذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء على لسان الواصفين والصحابة الكرام.[٢][٣]
حكم سجود التلاوة
أما حكم سجود التلاوة فهو سنة لمن يتلو القرآن الكريم ولمن يستمع إليه بحسب مذهب الشافعية وداود والحنابلة والمالكية، ومن الأدلة على ذلك ما ورد عن أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأُمرت بالسجود فعصيت، فلي النار][٤]، وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: [قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم: {والنجم} فلم يسجد فيها][٥]، فلو كان سجود التلاوة واجبًا لَما تركه النبي عليه الصلاة والسلام ولا تركه زيد بن ثابت رضي الله عنه، وهو ما يدل على أنه سنة، وكذلك ما ورد عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه إذ قال: [أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَجَدَ بالنَّجْمِ، وسَجَدَ معهُ المُسْلِمُونَ والمُشْرِكُونَ والجِنُّ والإِنْسُ][٦]، كما أجمع على ذلك عدد من الصحابة منهم ابن رشد وابن قدامة والعمراني.[٧]
أسباب سجود التلاوة
إن في سجود التلاوة تقرب لله عز وجل، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما: [أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَقْرَأُ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ، فَيَسْجُدُ ونَسْجُدُ معهُ، حتَّى ما يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضِعًا لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ][٨]، وتختلف الأسباب باختلاف المذاهب الأربعة، وهي كالتالي:[٩]
- المذهب الحنفي: يرى الحنفية وجود ثلاثة أسباب لسجود التلاوة وهي:
- التلاوة، فهي واجبة على التالي حتى لو لم يسمع نفسه، كأن يكون أصمًا أو خارج الصلاة أو داخلها، إمامًا أو منفردًا، أما المأموم فلا تجب عليه بتلاوته، وذلك لأنه ممنوع من القراءة خلف الإمام، فلا تعتبر تلاوته موجبة للسجود، وإذا تلا الخطيب يوم الجمعة آية فيها سجود تلاوة نزل عن المنبر وسجد وفعل مثله المصلون.
- سماع آية السجدة من غير القارىء، فالسامع إما أن يكون في الصلاة أو لم يكن منفردًا أو إمامًا فعليه أداءها، إلا إذا سمعها من مأموم فلا تجب عليه السجدة حينها، أما إذا كان السامع مأمومًا وسمعها من غير إمامه فحكمه كذلك، وعند سماعها من إمامه وجب عليه متابعته السجود.
- الاقتداء، فلو تلا الإمام سجدة التلاوة وجبت على المقتدي حتى لو لم يسمعها.
- المذهب الحنبلي: رأى الحنابلة سببين لسجود التلاوة وهما؛ التلاوة والاستماع، ويشترط ألا يطول الفصل بين السجود وسببه، فإذا كان القارئ أو السامع على غير وضوء ولا يستطيع استعمال الماء تيمم وسجد، أما إذا كان قادرًا على استعمال الماء فإن السجود يسقط عنه، لأنه إذا أراد الوضوء يطول الفصل بين السجود وسببه، كما لا يسجد المأموم إلا متابعة لإمامه.
- المذهب المالكي: قال المالكية بأن سبب سجود التلاوة هو التلاوة والسماع بشرط أن يقصده.
- المذهب الشافعي: قال الشافعية بأن سببها التلاوة والسماع بالشروط السابقة.
ما هي شروط سجود التلاوة؟
أما شروط سجود التلاوة فقد اختلف العلماء عليه بين رأيين اثنين؛ مما يعني أن حكمه جاء باجتهاد العلماء واستنباطهم للأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وفيما يلي سنبين لك الرأيين:[١٠][١١]
- الرأي الأول يرى أن حكمه هو حكم الصلاة النافلة ويشترط فيها ما يُشترط من طهارة واستقبال القبلة وستر العورة، وذلك عند الإمام النووي والمالكية، وابن قدامة في كتابه المغني.
- أما الرأي الثاني للعلماء، فيرى أن الطهارة ليست شرطًا لسجود التلاوة، وذلك لعدم ورود حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك، ولأن قراءة القرآن هو فعل خير مندوب لايجب الإدعاء بمنعه دون بينة أو دليل، ولأن سجود الصلاة ليس صلاة كاملة بل هو جزء منها، وذلك رأي البخاري وابن حزم والصنعاني وابن باز والشوكاني وابن تيمية.
مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم
ورد سجود التلاوة في القرآن الكريم في 15موضعًا، وهي:[١٢]
- قال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب}[١٣].
- قال تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}[١٤].
- قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}[١٥].
- قال تعالى: {إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}[١٦].
- قال تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}[١٧].
- قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}[١٨].
- قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}[١٩].
- قال تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}[٢٠].
- قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}[٢١].
- قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا}[٢٢].
- قال تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}[٢٣].
- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[٢٤].
- قال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}[٢٥].
- قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[٢٦].
- قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}[٢٧].
سؤال وجواب
هل يجوز ترك سجود التلاوة أثناء قراءة القرآن؟
إن سجود التلاوة سنة للقارىء والمستمع وليس بواجب، فسجود التلاوة هو سنة مؤكدة لا تأثم إذا تركته، وقد نزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن المنبر وسجد في موضع السجود للآية في سورة النحل، ثم قرأ الآية ذاتها في خطبة أخرى ولم ينزل ويسجد، لكن الأفضل عدم تركها حتى لو كان في وقت النهي بعد الفجر أو بعد العصر مثلًا، لأن هذا السجود له سبب.[٢٨]
هل يجوز سجود التلاوة دون وضوء؟
هذه المسألة محل خلاف بين جمهور العلماء، فمنهم من يرى شرط الوضوء لصحة السجود ومنهم من يعارض ذلك، والأحوط ألا تسجد إلا وأنت على طهارة، فتتوضأ الوضوء المعتاد من ثم تسجد سجود التلاوة، فقال الشوكاني: "ليس في أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضئًا، وقد كان يسجد معه - صلى الله عليه وسلم - من حضر تلاوته، ولم ينقل أنه أمر أحدًا منهم بالوضوء، ويبعد أن يكونوا جميعًا متوضئين".[٢٩]
ماذا أفعل إذا تعذر علي أداء سجود التلاوة؟
لا بد وأنك تعرضت لموقف تعذر عليك أداء سجود التلاوة عند قراءتك للقرآن، سواء أكنت في مكان غير مناسب للسجود، أو كنت في سفر، فإذا كنت في طائرة أو باخرة أو سيارة أو على دابة، وتعذر عليك سجود التلاوة؛ فإنك تسجد إلى جهة سيرك كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل في أسفاره في صلاة النافلة، وإن تيسر لكَ استقبال القِبلة فذلك أفضل.[٣٠]
المراجع
- ↑ "سجود"، المعرفة ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.
- ↑ "كيفية سجود التلاوة "، الإمام باز، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.
- ↑ "الكيفية الصحيحة لسجود التلاوة "، طريق الإسلام ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:81، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن زيد بن ثابت ، الصفحة أو الرقم:1404، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1071، صحيح.
- ↑ "حكم سجود التلاوة "، الدرر السنية ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:575، صحيح.
- ↑ عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 423. بتصرّف.
- ↑ "شروط سجود اتلاوة "، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.
- ↑ "صفة أداء سَجْدة التِّلاوة خارجَ الصَّلاة"، الدرر السنية ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.
- ↑ "سجود التلاوة"، تجويد، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22.
- ↑ سورة العلق، آية:19
- ↑ سورة النجم ، آية:62
- ↑ سورة الانشقاق، آية:21
- ↑ سورة مريم، آية:58
- ↑ سورة ص، آية:24
- ↑ سورة الأعراف، آية:206
- ↑ سورة الرعد ، آية:15
- ↑ سورة النمل، آية:25
- ↑ سورة النحل، آية:49
- ↑ سورة الفرقان ، آية:60
- ↑ سورة الإسراء، آية:107
- ↑ سورة الحج ، آية:77
- ↑ سورة السجدة، آية:15
- ↑ سورة فصلت، آية:37
- ↑ سورة الحج ، آية:18
- ↑ "ما هو حكم "سجود التلاوة وهل هو واجب؟ "، طريق الإسلام ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.
- ↑ "لا تشترط الطهارة لسجود التلاوة والشكر"، الإسلام سؤال وجواب ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.
- ↑ "حكم سجود التلاوة لمن لم يكن على طهارةٍ ولم يكن مستقبل القبلة"، الإمام ابن باز ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.