محتويات
الدعاء يصنع المعجزات، أمثلة من القرآن والسنة
قال تعالى في مُحكم كتابه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[١]، فقد حثّت هذه الآية الكريمة وغيرها الكثير من الآيات على الدّعاء والتقرّب من الله تعالى في الشّدة والرّخاء، فالدّعاء من أفضل العبادات وأجلّها، فأنتَ عندما تدعوه سبحانه فإنّكَ تطلب العناية الإلهيّة، والأمن والسّلام والإجابة، وتستمد المعونة منه، وتُظهر افتقاركَ له سبحانه وتعالى، وبرفع يديكَ للخالق لتدعوه فإنّك تتبرّأ من حولكَ وقوّتكَ، إلى حول الله وقوّته، وهذه سمة من سمات العبوديّة، وفيها معنى الثّناء على الله تعالى، وإضافة كل الأوصاف التي تليق به سبحانه، وقد حثّنا النّبي صلوات الله عليه على سؤال الله تعالى كل حاجاتنا كبيرها وصغيرها، فالدعاء أكرم العبادة على الله سبحانه وتعالى، إذ ينفع فيما نزل من قضاء وما لم ينزل، وهو أقوى أسباب رد القضاء، ودفع المكروه، وحصول المطلوب، ودفع البلاء، أو تخفيفه إذا نزل، فهو سلاحكَ الذي يصنع المعجزات في كل زمانٍ ومكان،[٢]وأهم أمثلة إجابة الله تعالى للدّعاء من القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشّريفة ما يلي:[٣]
- قصص استجابة الدعاء من القرآن الكريم: تعددت القصص التي استجاب الله تعالى بها لأنبيائه دعاءهم، وفيما يلي بعضًا منها:
- قصة أيوب عليه السلام: قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}[٤]، وتتحدّث هذه الآية عن قصّة نبيّ الله تعالى أيّوب عليه السّلام الذي كان يملك المال الكثير، والدواب والأنعام، والأولاد والصّحة، فأصابه الله تعالى بمرض الجذام الذي أجبر كُل مَن حوله على تركه وحيدًا، وعدم مخالطته خوفًا من العدوى، فتخلّى الجميع عنه إلاّ زوجته، ومع شدّة مرضه مات جميع أولاده وذهب كل المال الذي كان يملكه، وبقي أيّوب عليه السلام في البلاء 7 أعوام وقيل ثلاث وقيل 18 عامًا حامدًا شاكرًا لربه، صابرًا على قضائه، وبعد أن طال عليه البلاء، وشعر أنّ الأذى طال زوجته عندها دعا أيّوب ربّه أن يرفع عنه المرض والبلاء، فاستجاب الله لدعائه فعافاه الله تعالى وردّ له ماله وولده ومثلهم معهم.
- قصّة يونس عليه السلام: قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}[٥]، وتتحدّث هذه الآية عن قصّة سيّدنا يونس عليه السّلام، إذ أثناء دعوته لقومه لرسالة التّوحيد، لم يطيعوه، بل واستهزؤوا به، وعندها ذهب مغاضبًا لهم، وتوعّدهم بعذاب الله بعد ثلاث، وبعدها خرج للبحر وعندها هاج البحر وماج، وخاف من بالقارب أن يغرق، فاقترعوا على إلقاء أحدهم في اليم، وكانت القرعة من نصيب يونس عليه السّلام، وما إن ألقى بنفسه في البحر حتّى التقمه الحوت، وبقي في بطنه أربعين يومًا، بين ثلاث ظلمات؛ ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة اللّيل، وبعدما عرف يونس عليه السّلام أنّ هذا ابتلاء من الله على فعلته مع قومه، واستذكر ظلمه لنفسه، تاب وطلب المغفرة من ربّه، ودعاه أن يخلّصه من كربه فاستجاب له وأخرجه من بطن الحوت ونجاه من الكرب العظيم.
- قصص استجابة الدعاء من السنّة النبويّة الشّريفة: وردت العديد من القصص في السيرة النبوية على استجابة الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم دعائه، وفيما يلي بعضًا منها:
- دعاء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لعروة بن أبي الجعد الباقري بأن يُبارك الله تعالى في رزقه وماله، فاستجاب الله تعالى لدعائه كما ورد في الحديث الشريف عن عروة بن أبي الجعد الباقري قال: [أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي له به شَاةً، فَاشْتَرَى له به شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إحْدَاهُما بدِينَارٍ، وجَاءَهُ بدِينَارٍ وشَاةٍ، فَدَعَا له بالبَرَكَةِ في بَيْعِهِ، وكانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ. قال سفيان : كان الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه ، قال : سمعه شبيب من عروة ، فأتيته ، فقال شبيب : إني لم أسمعه من عروة . قال : سمعت الحي يخبرونه عنه قال سفيان : يشتري له شاة ، كأنها أضحية][٦].
- دعاء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لعبدالله بن العبّاس بأن يُفقهه الله تعالى بالدّين ويعلّمه أحسن التّأويل، فعن عبدالله بن العباس قال: [كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في بيتِ ميمونةَ فوضَعْتُ له وَضوءًا مِنَ الليلِ فقالتْ له ميمونةُ : وضَع لك هذا عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ فقال : اللهم فقِّهْهُ في الدينِ وعلِّمْهُ التأويلَ][٧]، فاستجاب الله تعالى لدعائه وصار عبدالله بن العباس من أفقه النّاس بالدّين، وأعلمهم بتأويله، حتّى سُمّي بالبحر لسعة علمه وفقهه.
أسباب استجابة الدعاء
يوجد العديد من الأسباب لاستجابة الدعاء، من أهمّها ما يأتي:[٨][٩]
- دعاء المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب؛ فعند دعائكَ لأخيكَ المسلم في ظهر الغيب سترد عليكَ الملائكة بقولها ولك مثله.
- دعاء الصّائم.
- دعاء المظلوم.
- دعاء المسافر.
- الدعاء في الأوقات والأماكن المباركة التي حثّنا الله تعالى على الدّعاء فيها؛ لأن دعوتها مستجابة مثل يوم الجمعة، وليلة القدر، وفي الحرب عند التحام الصّفوف، وعند الكعبة.
- إخلاص النيّة لله تعالى.
- الخضوع لله تعالى.
- استحضار القلب بين يدي الله تعالى.
- الابتعاد عن المعاصي وأكل المال الحرام.
ما هي أوقات استجابة الدعاء؟
هناك عدّة أوقات يستجيب فيها الله تعالى لدعائك، وهذه الأوقات هي:[١٠]
- الدّعاء في الثّلث الأخير من الليل؛ إذ يُستحب الدّعاء في هذا الوقت والناس نيام، إذ إنه في هذا الوقت يتنزّل الله سبحانه وتعالى للسّماء الدّنيا، تنزّلًا يليق بجلاله وعظمته، ليغفر لعباده القائمين في الأسحار، ويستجيب دعاءهم.
- الدّعاء بين الأذان والإقامة؛ إذ فيها دعوة مستجابة لاترد في هذا الوقت.
- دعاء الوالد لولده؛ وهي من الأدعية المستجابة التي لا يردّها الله تعالى، لذلك احرص على الدّعاء لأبنائك بالخير والبركة والهداية.
- الدّعاء في السّجود.
- الدّعاء بعد وقوع المصيبة.
- دعاء الولد الصّالح لوالديه.
- الدّعاء يوم الجمعة؛ ففي يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم ودعا ربه إلا استجاب الله تعالى له كما ثبت في السنّة النبويّة.
- الدّعاء في ليلة القدر.
- الدّعاء بعد الصّلوات المفروضة.
- الدّعاء عند نزول الغيث.
- الدّعاء عند شرب ماء زمزم.
- الدّعاء عند سماع صياح الدّيك.
- الدّعاء عند زوال الشمس قبل الظهر.
- الدّعاء عند الاستيقاظ من النّوم ليلاً؛ وقول الدّعاء التّالي فور الاستيقاظ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثمّ يُتبع هذا الدّعاء بما يريد من طلب المغفرة، أو طلب أي حاجة له في الدّنيا أو الآخرة.
قد يُهِمُّكَ
يوجد العديد من الآداب والشّروط التي لا بدّ لك من مراعاتها عند سؤالك الله سبحانه وتعالى حاجة، ومن أبرزها ما يلي:[١١]
- افتتح الدّعاء بحمد الله تعالى والثّناء عليه والصّلاة على سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: فقد ورد في الحديث الشّريف عن فضالة بن عبيد قال: [سمعَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ رجلًا يَدعو في صلاتِهِ لم يُمجِّدِ اللَّهَ تعالى ولم يُصلِّ علَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عجِلَ هذا ثمَّ دعاهُ فقالَ لَهُ أو لغيرِهِ إذا صلَّى أحدُكُم فليَبدَأ بتَمجيدِ ربِّهِ جلَّ وعزَّ والثَّناءِ علَيهِ ثمَّ يصلِّي علَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ثمَّ يَدعو بَعدُ بما شاءَ][١٢].
- اجتهد في الدّعاء: حاول الدّعاء في كل الأوقات والأماكن التي يُستحب الدعاء فيها، ويُفضَّل الإلحاح في الدعاء.
- لا تستعجل الإجابة: فلا تستعجل إجابة دعائك حتى لو طال ذلك.
- لا تبالغ في السّجع ورفع الصوت: إذ يُستحب عند دعائك عدم المبالغة في ترتيب الكلام، وتنميقه، أو رفع صوتكَ في الدعاء، فقط ادعُ ربّك بطريقتك وبأسلوبك دون مبالغة وتعقيد، فالله تعالى هو أعلم بك وبحالك وبمسألتكَ.
- استقبل القِبلة: يُستحب أن تستقبل القِبلة عند الدعاء.
- احرص على الخشوع وحضور القلب: عليك أن تستحضر الخشوع في قلبك، والخضوع لله تعالى والانكسار بين يدي رحمته.
- احرص على الإلحاح في الدعاء وتكراره ما استطعت لذلك سبيلًا: فالله تعالى يحب العبد اللحوح في الدعاء.
- توسّل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى: يُستحب أن تتوسّل لله تعالى وتتقرّب له بأسمائه وصفاته التي يحبّها عند دعائك، والتوسّل له بصالح عملك.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية:186
- ↑ صلاح عامر قمصان، "أهمية الدعاء في الشدة والرخاء "، طريق الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-27. بتصرّف.
- ↑ صالح بن راشد الهويمل، "فاستجاب لهم ربهم [ قصص ممن استُجيبت لهم دعواتهم "]، بيت الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-27. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:83-84
- ↑ سورة الأنبياء، آية:87-88
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عروة بن أبي الجعد البارقي، الصفحة أو الرقم:3642، صحيح.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:541، إسناده صحيح.
- ↑ "اسباب استجابة الدعاء من الداعي"، اسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-27. بتصرّف.
- ↑ "أسباب إجابة الدعاء وأفضل أوقاته"، ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-27. بتصرّف.
- ↑ "أماكن وأوقات إجابة الدعاء"، الاسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-27. بتصرّف.
- ↑ الشيخ محمد أبو عجيلة أحمد عبدالله، "أهمية الدعاء"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-27. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن فضالة بن عبيد، الصفحة أو الرقم:1481، صحيح.