الهداية
تعني الهداية في اللغة الإرشاد، أما في الاصطلاح فهي تعني سلوك الطريق الذي يوصل المرء إلى هدفه وغايته، وتلك الغاية في الدين الإسلامي تعني مرضاة الله عز وجل والالتزام بأوامره بفعل الطاعات والعبادات والانتهاء عما حرمه الله على خلقه، ولقد تجلت الهداية في أسمى صورها الدينية بإرسال الرسل والأنبياء لهداية الناس إلى درب الخير والجنة، وإبعادهم عن طريق الشر والنار.
والهداية هي من أكبر النعم التي أنعم الله بها على عباده، قال تعالى: {كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}[١]يعني: كنتم ضُلالًا فمّن الله عليكم بالهداية، وقال سبحانه: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[٢]، والهداية لا تخفى أهميتها، فالعبد يكرر طلبها من الله تعالى بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[٣]فهو يسأله أكثر من 17 مرة لشدة حاجته إليها، فإن العبد محتاج إليها في كل نفسٍ، وطرفة عين، وهو يحتاج إليها ليخرج عن طريق المغضوب عليهم؛ فالهداية هي أعظم نعمة، والضلال هو أعظم مصيبة.[٤]
وسائل مؤدية إلى الهداية
إن مفتاح الهداية للإسلام هو التوحيد الذي لا يخالطه أدنى شك أو شرك مع الله، وأيضا توجد الكثير من الوسائل التي يمكن اتباعها لتهذيب النفس ومنعها من الحياد عن طريق الصلاح، ومن تلك الوسائل:[٥]
- القران الكريم: قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}[٦]، والمداومةُ على تلاوتِه وتدبر معانيه حفظٌ بإذن الله من الشّرور والفِتن، كما أنها حصنٌ من الشّبهات والشهوات. قال تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[٧].
- الدعاء: إن الدعاء سببٌ مهم من أسباب الهداية وهو سلاح المؤمن في الشدائد بلا جهد ولا ثمن فقد قال جل وعلا في الحديث القدسي: [يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم][٨]. فلابد لمن أراد الهداية والثبات من الاستعانة بالله عز وجل والتقرب منه، وسؤاله الهداية والصلاح لأن فتحَ قلوبِ العباد وهدايتهم بيَد الله وحدَه، ولا يملك الخلقِ منها شيئًا سوى الأخذ بالأسباب، قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[٩]،{ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[١٠].
- رفقة الصالحين: من أهم أسباب الهداية رفقة الصالحين والأخيار وحسنِ اختيار الأصحاب، فكم من ضال هداه الله على أيدي أقران صالحين ما زالوا به حتى سلكوا به طريق النجاة، وإذا كان المرء لا بد له في هذه الحياة من صاحب فليختر صاحبه بحذر؛ فإن المرء على دين خليله، فالجليسُ الصالح خيرُ عونٍ للهدايةِ، يذكِّرك إذا نسيتَ، ويعينك إذا غفلتَ، لا تسمعُ منه إلاّ قولًا طيّبًا وفِعلًا حسنًا، والصُّحبةُ الصالحةُ عبادةٌ متميزة بالمتعَةِ والأنس، تزداد بالإيمانِ والنُّصح.
- حضورُ مجالسِ العلماءِ: إن مجالس العلماء من أعظم سبل الهداية، ففي عِلمهم وتعليمهم زيادةُ إيمان وعلى وجوههم سمتُ الصالحين، ومجالسُهم تذكيرٌ بسِيَر الصالحين من الأسلاف ومواعظهم فيها شَحذٌ دائم للهِمَم إلى الآخرة، فمن أراد الهداية عليه أن يكون أقربَ الناس إليهم، يقول ميمون بن مهران رحمه الله: " وجدتُ صلاحَ قلبي في مجالسةِ العلماء".
- ترك المنكرات والشهوات في المرئيّات والسّمعيات: فالقلب يُظلِم بكثرةِ العِصيان، ومن تعرّض للشبهاتِ والشهوات ثم طلبَ إصلاحَ القلب فلن يجده، ورُبَّ عثرةٍ أهلكت، ففي زمن تنزُّل الوحيِ وملازمة الصحابةِ للنبيّ صلى الله عليه وسلم كان عليه الصلاة والسلام يخشى عليهم من الفِتن، وينهاهم عن القُرب منها.
- الإكثارُ من الطاعات: مِن أهم وسائل الثّبات على الدين ومن أسبابِ حفظِ الله لعبدِه، وكان الأنبياء والصحابة والتابعون هم القدوةُ في التعبُّد والطاعة، قال سبحانه عن خليله إبراهيمَ عليه السلام: {إنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[١١].
الإنسان بين الهداية والضلال
إن الله تعالى يهدي من كان أهلًا للهداية، ويضل من كان أهلًا للضلالة، ويقول الله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[١٢]، ويقول تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}[١٣]، فبين الله تبارك وتعالى أن أسباب إضلاله لمن ضل إنما هو بسبب من العبد نفسه، والعبد لا يدري ما قَدَّر الله تعالى له، لأنه لا يعلم بالقدر إلا بعد وقوعه. فهو لا يدري هل قدر الله له أن يكون ضالًا أم أن يكون مهتديًا؛ فلمَ يسلك طريق الضلال؟ ثم يحتج بأن الله تعالى قد أراد له ذلك!
فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار، كما أن باب الهداية ليس بأخفى من باب الرزق، والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قُدِّر له ما قُدِّر من الرزق، ومع ذلك فالإنسان يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يمينًا وشمالًا، لا يجلس في بيته ويقول: إن قُدِر لي رزق سيأتيني، بل يسعى في أسباب الزرق مع أن الرزق نفسه مقرون بالعمل، إذ إن هذا الرزق أيضًا مكتوب، كما أن العمل من صالح أو سيئ مكتوب، فلم يذهب المرء يمنة ويسرى ويجوب الأرض طلبًا لرزق الدنيا، ولا يعمل عملًا صالحا لطلب رزق الآخرة والفوز بالجنة!
إن البابين واحد، ليس بينهما فرق، فكما أن الإنسان يسعى لرزقه ويسعى لحياته وامتداد أجله، فإذا مرض بمرض ذهب إلى أقطار الدنيا بحثًا عن الطبيب الماهر الذي يداوي مرضه، بالرغم من أن أجله مقدر لا يزيد ولا ينقص، ولا يقول: أبقى في بيتي مريضًا وإن قدر الله لي أن يمتد الأجل امتد، بل يسعى بكل ما يستطيع من قوة ليبحث عن الطبيب الذي يرى أنه أقرب الناس أن يُقَدِّر الله الشفاء على يديه.
وإن القضاء أمر غيبي لا يمكن أن نعلم عنه؛ فالإنسان أمامه طريقان: طريق يؤدى به إلى السلامة وإلى الفوز، وطريق يؤدى به إلى الهلاك والندامة، وهو واقف أمامهما ومخير، لا يوجد ما يمنعه من سلوك أحدهما، وبهذا تبين أن الإنسان يسير في عمله سيرًا اختياريًا، وأنه كما يسير لعمل الدنيا باختياره، فكذلك أيضًا هو في سيره إلى الآخرة يسير باختياره.[١٤]
أنواع الهداية
أنواع الهداية كما ورد في القران الكريم:[١٥]
- الهداية العامَّة: وهي هداية عامَّة لجميع الكائنات، فإن اللهُ قد هَدَى كلَّ نفس إلى ما يُصلِح شأنها ومعاشها، كما أنه فطَرَها على جلْب النافع، ودفْع الضارِّ عنها.
- هداية الدلالة والبيان والإرشاد: وهذا النوع هو وظيفة الرسل والكتب المنزلة مِن السماء، وهو خاصٌّ بالمكلَّفين.
- هداية التوفيق والإلهام والمعونة: هذا النوع من الهداية خاصَّ بالله وحدَه، فلا يَقْدِر عليها إلا هو، ولا يُعطِيها إلا لِمَن حقَّق شروطها واستَوفَى أسبابها، قال تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}[١٦].
- الهداية إلى الجَنَّة والنار يوم القيامة.
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية: 94.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 17.
- ↑ سورة الفاتحة، آية: 6.
- ↑ "سنة الهداية والإضلال"، almunajjid، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-9. بتصرّف.
- ↑ "طريق الهداية http://iswy.co/e10j7r"، islamway، 2013-11-27، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-9. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 9.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 101.
- ↑ رواه ابن تيمية، في مجموع الفتاوى، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 10/87، صحيح.
- ↑ سورة القصص، آية: 56.
- ↑ سورة البقرة، آية: 142.
- ↑ سورة النحل، آية: 120.
- ↑ سورة الصف، آية: 5.
- ↑ سورة المائدة، آية: 13.
- ↑ "الهداية من الله والأسباب من العباد"، islamqa، 2014-9-10، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-9. بتصرّف.
- ↑ محمد فتحي حسان (2010-5-16)، "مراتب الهداية في القرآن الكريم"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-9. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 76.