الرياء
أمركَ الله عز وجل بعبادته وحده لا شريك له، وجعل الأساس في قبول هذه العبادات هو الإخلاص فيها لله وحده، وصدق النية مع الله عز وجل، قال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}،[١] ويتوقف قبول العبادة من العبد على نيته، فإذا كانت مخلصة لله قبلها، وإن كانت متوجهة لغير الله لم تقبل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، ولِامْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، ومَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إلَيْهِ]،[٢]والإخلاص في العبادة يعني أن تقصد بعملك وجه الله، ومما ينزع الإخلاص من قلب العبد الرياء والسمعة.
الرياء مشتق من الرؤية وهو أن تعمل العمل ليراه الناس، والسمعة مشتقة من السمع وهي أن تعمل العمل ليسمعك الناس، فإذا عملت عملًا لتنال شيء من الدنيا أو حتى يراك الناس فيمدحوك فقد دخل الرياء في قلبك، والرياء من الأمور التي تحبط العمل، فإذا ما دخل الرياء إلى قلبك في صلاة أو صوم فاعلم أن عملك بطل وأنه لم يقبل عند الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ]،[٣] واعلم أن الرياء عواقبه وخيمة؛ وذلك لأن الله عز وجل سيفضح المرائين ويكشف نواياهم أمام الناس أجمعين، قال رسول الله عليه السلام : [مَن يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللَّهُ به، ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ بهِ]،[٤] فمن أظهر علمه للناس رياءً أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة، كما وأن من عواقبه أن الله تعالى يعاقب المرائين بدخول النار، وقد حذر نبينا صلى الله عليه وسلم من الرياء والسمعة، وبيّن خطر الرياء على العبد في مواضع كثيرة، واعلم أن الرياء هو شرك أصغر، فهو إرادة غير وجه الله في الطاعة أو العبادة وإشراك غير الله عز وجل في النية، فالرياء يمقته الله ويعاقب عليه ويحبط عمل صاحبه ويضيع جهده. [٥][٦]
ما علاج الرياء؟
إذا كانت لديك بعض علامات الرياء وتخشى على نفسك وعملك من الهلاك وأردت التخلص منه، فعليك أولا أن تعلم أن الرياء من الأمراض التي تصيب القلوب، فلا يمكن لأحد من الخلق أن يعالجك من الرياء، ولتُساعد نفسك على التّخلّص منه عليك بما يلي:[٧]
- استحضار مراقبة الله تعالى: استشعار رقابة الله تعالى لك في كلّ أعمالك ليهون في نظرك كل أحد ويوجب لك تعظيم ومهابة الله، واستحضار مراقبة الله هي منزلة الإحسان.
- الاستعانة بالله: للتخلص من الرياء عليك أن تدعو الله وتستعين به للتخلص من هذا الشرك، والإلحاح عليه بالدعاء حتى لا يحبط عملك.
- معرفة آثار الرياء الآخروية: عليك معرفة ما يترتب على الرياء من أحكام في الآخرة، فجهلك قد يؤدي بك إلى الوقوع والتمادي فيه، وعليك أن تعرف أن الرياء محبط للأعمال وموجب لسخط الله.
- معرفة آثار الرياء الدنيوية: عليك معرفة ما يترتب على الرياء من عواقب في الدنيا، وهي أن الله عز وجل يفضح المرائي ويظهر للناس قصده السيئ، قال الخطابي: (من عمل عملًا على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه).
- إخفاء العبادة وعدم إظهارها: كلما ابتعدت عن مواطن إظهار عبادتك كلما سَلِمْتَ من الرياء وبعدت عنه؛ وذلك لأن الشيطان يحرص على أن تظهر عبادتك ليمدحك الناس ويثنوا عليك، ويجب التنبيه هنا إلى أن العبادة التي ينبغي إخفاءها هي العبادة التي لا يجب ولا يسن الجهر بها؛ كقيام الليل والصدقة وما شابهها، وليس المقصد هنا الأذان أو صلاة الجماعة وما شابهها مما لا يمكن ولا يشرع إخفاؤه.
صور الرياء
للرياء صور ومظاهر متعددة، إذ تجتمع في طلب الدنيا وما عند الناس من الثناء، وقد تعلم صورة من صور الرياء وتفوتك صورة فتقع في الرياء، فعليك أن تعرف جميع صوره حتى تتجنبها، وهي:[٨]
- الرياء بالعمل : إذ قد يرائي الإنسان من خلال أعماله، فرياء أهل الدين يكون في إطالة القيام أو الركوع أو السجود في صلاته، وأن يظهر الخشوع، وكذلك أيضًا بالصوم أو الغزو أو الحج أو الصدقة وغيرها من العبادات التي يقصد بها الشخص إعجاب الناس، أما أهل الدنيا فيكون رياءهم بالتبختر والاختيال.
- الرياء بالقول: يكون الرياء بالقول عند أهل الدين بالوعظ والتذكير وحفظ الأخبار والآثار؛ وذلك لأجل المحاورة وإظهار غزارة العلم والدلالة على شدة اعتنائه بأحوال السلف، ومن خلال تحريك الشفتين بالذكر بين الناس وإظهار غضبه للمنكرات، وخفض صوته وترقيقه عند قراءة القرآن ليدل ذلك على خوفه وحزنه، أما أهل الدنيا فيكون رياءهم بالكلام المرموق والتزلف للآخرين والمجاملة على حساب الدين والتفاصح بالعبارات ونحو ذلك.
- الرياء باللباس: ويكون رياء أهل الدين في لبس الثياب الغليظة والصوف، وتشمير الثياب، وإبقاء أثر السجود على الوجه، وتقصير الأكمام، وترك الثوب مخرقًا غير نظيف، أما رياء أهل الدنيا فيكون بركوب أحسن السيارات، ولبس أفضل الملابس والماركات، والمسكن وآثاث البيت الفاخر.
- الرياء بالبدن: يكون الرياء بالبدن عند أهل الدين بإظهارهم لنحولة الجسم ليرى الناس شدة اجتهاده وغلبة خوفه من الآخرة، ويشعثون شعرهم ليظهر أن كلّ همّه للدين فقط ولا يتفرغ لتسريح شعره، ويظهر ذبول شفتيه وإغارة عينيه ليدل بذلك على كثرة صومه، أما أهل الدنيا فريائهم في إظهار السمن وصفاء اللون واعتدال القامة وجمال الوجه ونظافة البدن.
- الرياء بالصحبة: ويكون بالأصحاب والزوار؛ كالذي يتكلف زيارة العلماء أو العباد ليقال أن أهل الدين يترددون عليه، وكذلك الرياء بكثرة الشيوخ ليقال أنه تلقى العلم من الكثير من الشيوخ.
قد يُهِمُّكَ
قد تعمل عملًا مخلصًا تبتغي به وجه الله وتدخل في قلبك مخافة أن يكون هذا العمل فيه شيء من الرياء، فتقع في حيرة ما إذا كنت قد فعلته ونيتك مخلصة لله أم أنك عملته رياءً، فللرياء علامات ينبغي أن تعرفها لكي يطمئن قلبك ولتعرف إذا ما كنت على حق أم على باطل، ومن هذه العلامات حب الظهور في المجتمع وحب الشهرة، والعلو على الأقران، والعمل لأجل ما عند الناس أو خوفًا مما عندهم، وحب الجدل وكثرة الكلام ومحاولة إظهار النفس، ونسبة النفس إلى الكمال ونسيان العيوب، وحب الغرائب من المسائل والبحث عن المهجور من الأقوال الشاذة، وحب الخلاف، وأن يتنشط الشخص في العمل إذا كان يراه الناس وإذا لم يروه تركه، فإذا لم تكن فيك إحدى هذه العلامات فاحمد الله على نيتك الخالصة، أما إذا كانت فيك واحدة على الأقل من هذه العلامات والعياذ بالله، فاعلم بأنك في خطر عظيم، وجاهد نفسك للتخلص من الرياء.[٩]
المراجع
- ↑ سورة البينة، آية: 5.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 54، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2985 ، خلاصة حكم المحدث : [صحيح] .
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جندب بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 2987 ، خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
- ↑ "الرياء.. حقيقته.. وآثاره وأنواعه"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 2020-7-7. بتصرّف.
- ↑ "الرياء وخطره"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2020-7-7. بتصرّف.
- ↑ "كيف يُعالج الإنسان نفسه إذا دعته إلى الرياء"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-7-7. بتصرّف.
- ↑ "سيئة القلوب: الرياء"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2020-7-7. بتصرّف.
- ↑ "الرياء"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 2020-7-7. بتصرّف.