البكاء
يشعر الكثيرون بشعورٍ أفضل بعد البكاء أو ذرف بعض الدموع، سواء كان سبب ذلك يرجع لمشاكل عاطفية أو مشاكل تخص العمل، ولقد توصلت دراسات حديثة إلى إمكانية اعتبار البكاء وسيلة طبيعية للتخلص من المركبات الكيميائية الضارة من الجسم، كما كشف العلماء والباحثون عن وجود اختلافاتٍ جوهرية في البنية الكيميائية الخاصة بالدموع العاطفية ودموع العينين التي تسببها ببساطة المهيجات الجسدية والمسؤولة عن حماية العينين؛ فالدموع العاطفية تتميز باحتوائها على نسب عالية من الهرمونات البروتينية التي يفرزها الجسم أثناء المرور بالمواقف المثيرة للتوتر، بينما تحتوي الدموع المسؤولة عن حماية العينين على إنزيمات وظيفتها مقاومة البكتيريا والجراثيم الضارة، وعادةً ما تُفرز هذه الدموع بواسطة الغدد الدمعية، التي تقع فوق العينين مباشرة، ويُمكن لهذه الغدد أن تفرز الدموع أثناء تعرض العينين للأمور المثيرة للتهيج؛ كالغبار والغازات الحمضية الناجمة عن تقطيع البصل مثلًا[١].
فوائد البكاء
يحاول الكثيرون كبت حاجاتهم للبكاء بسبب اعتقادهم بأنه علامة على الضعف، لكن الأبحاث العلمية لا تتفق مع هذا الأمر، وترى بأن البكاء قد يحمل فوائد نفسية وبدنية إيجابية، منها ما يأتي[٢]:
- تهدئة الجسم: يُعد البكاء إحدى وسائل تهدئة النفس، وتفريغ العواطف، وخفض التوتر، ولقد أظهرت إحدى الدراسات عام 2014 بأن للبكاء مقدرة على تهدئة النفس، وقد أرجعت الدراسة سبب ذلك إلى مقدرة البكاء على تنشيط ما يُعرف بالجهاز العصبي اللاودي أو اللاسمبتاوي، الذي يُساعد الأفراد على الشعور بالراحة.
- جلب اهتمام الآخرين: صنفت دراسة أجريت عام 2016 البكاء ضمن فئة السلوكيات الترابطية عند البشر، ويرجع سبب ذلك إلى طبيعة البكاء التي تقوم أصلًا على استجداء العون من الآخرين، وهذا بالطبع يعود بالفائدة على الكثير من الناس.
- خفض حدة الآلام: وجد الباحثون بأن ذرف الدموع يؤدي إلى تحفيز الجسم على إفراز هرمون الأوكسيتوسين وهرمونات الاندورفين، التي تجعل الأفراد يشعرون بالسعادة، وقد تخفض حدة الآلام البدنية العاطفية.
- تحسين المزاج والنوم: يُساهم هرمون الأوكسيتوسين وهرمونات الاندورفين في تحسين المزاج أيضًا، ولقد وجدت إحدى الدراسات الصغيرة عام 2015 أن للبكاء فائدة فيما يخص مساعدة الأطفال الرضع على النوم أيضًا، وفي المحصلة فإن مفعول البكاء المهدئ والمحسن للمزاج هو أحد الأمور التي تُساعد على النوم براحة أكبر.
- التخلص من السموم ومحاربة البكتيريا: تحتوي الدموع التي تنزل من العينين أثناء الشعور بالحزن على هرمونات التوتر ومواد كيميائية أخرى، وهذا دفع ببعض الخبراء إلى الاعتقاد بأن البكاء هو وسيلة طبيعية لخفض مستوى هرمونات التوتر، ومن المعروف كذلك بأن البكاء يدفع العينين إلى افراز إنزيمات قادرة على قتل البكتيريا داخل العينين.
- تنظيف الأنف: يجهل الكثيرون بأن القنوات الدمعية مرتبطة أصلًا بالأنف، وهذا يعني بأن نزول الدموع أثناء البكاء سيُساهم في التخلص من البكتيريا والمواد المثيرة للتهيج داخل الأنف أيضًا[٣].
- فوائد أخرى: يلجأ الناس إلى البكاء لمساعدتهم على اجتياز المحن أو المواقف الحياتية الصعبة والحزينة، خاصة بعد فقدان الأحبة، ومن الجدير بالذكر أن بكاء الطفل لأول مرة بعد نزوله من رحم أمه هو أمرٌ مهم للغاية؛ لدفعه إلى التنفس ومساعدة الرئتين على التكيف مع الحياة في العالم الخارجي، بالإضافة إلى تنظيف أنفه وفمه من السوائل الزائدة[٤].
أضرار البكاء
على الرغم من أن معظم الناس قد يقولون بأنهم أصبحوا يشعرون بحالة أفضل بعد البكاء وفقًا لبعض الدراسات، إلا أن دراسات أخرى كشفت عن أن حالة الناس تصبح أسوأ بعد البكاء، كما ينفي الخبراء وجود أدلة علمية كافية تشير إلى كونه يُساعد على الشفاء أو إعادة التوازن للجسم، كما ينفون بأن له مقدرة على التخلص من السموم الأيضية، بل وعلى العكس من ذلك، يؤدي البكاء إلى خفض مستوى أحد المكونات الكيميائية للجهاز المناعي، ومن الجدير بالذكر أن البكاء لا يؤدي إلى زيادة أو نقصان في دقات القلب، ولا يؤثر على مستوى هرمونات الغدة النخامية أيضًا[٥]، لكن يُمكن للبكاء المتكرر أو غير المسيطر عليه أن يكون علامة على الإصابة بمشكلة في الدماغ أو باضطرابٍ نفسي، وفي الحقيقة لقد ربط الباحثون بين البكاء غير المسيطر عليه وبين الإصابة بالجلطة الدماغية، والإصابات الدماغية المباشرة، ومرض باركنسون، ومرض الزهايمر، والاكتئاب، ويُمكن لكثرة البكاء أو البكاء غير المسيطر عليه أن يؤدي إلى مشاكل وأضرار كثيرة، منها ما يأتي[٦]:
- الشعور بالتوتر أثناء الانخراط في الأنشطة الاجتماعية، سواء في بيئة العمل أو أثناء الاجتماعات العائلية.
- الاضطرار إلى تغيير العادات والأنماط الحياتية لتجنب الأمور التي تؤدي إلى البكاء.
- الشعور بالحرج الاجتماعي نتيجة فقدان المقدرة على التحكم بالبكاء.
- الميل إلى الانعزال بسبب كثرة البكاء.
- الشعور بالإرهاق العاطفي.
- الإصابة بالاكتئاب.
وعلى أي حال، يُصبح من الضروري مراجعة الطبيب في حال كان البكاء مرتبطًا بالاكتئاب، وبالإمكان الاستدلال على البكاء الناجم عن الاكتئاب عند ملاحظة كثرة البكاء، أو عند البكاء دون سبب واضح، أو عند تأثير البكاء على مناحي الحياة العملية، أو عند فقدان السيطرة على البكاء، ومن بين العلامات الأخرى الدالة على الاكتئاب عليه الشعور بالإعياء، والذنب، والتشاؤمية، ومشاكل النوم ومجيء الأفكار الانتحارية[٢].
الاستفادة من البكاء
يرى الباحثون أنه من الضروري توفر بعض الشروط من أجل الاستفادة من الفوائد المرتبطة بالبكاء، ومن هذه الشروط ما يأتي[٧]:
- وجود الآخرين أثناء البكاء: لا بد من وجود الأصدقاء أو الأفراد المقربين بجوار الشخص أثناء بكائه؛ فهذا أفضل حالًا من البكاء وحيدًا.
- البكاء بعد إيجاد حلول للمشاكل العملية: يشعر الناس بشعورٍ أفضل عند بكائهم بسبب مشكلة قد جرى حلها أو الانتهاء منها في الماضي، بينما يؤدي بكاؤهم أثناء وجود المشكلة في الحاضر إلى زيادة الأمر سوءًا وتحفيز أنفسهم على البكاء أكثر دون نتيجة.
- البكاء في مكان مناسب: يجب اختيار مكان مناسب للبكاء لتجنب الشعور بالحرج أثناء ذلك؛ فمن المعروف أن الشعور بالحرج أثناء البكاء سينعكس سلبًا على مشاعر الشخص.
- إيجاد حلول للمشاكل النفسية: لن يكون بوسع البكاء تخفيف حدة المشاكل النفسية التي يُعاني منها الشخص في حال كان الشعور بالحزن نابعًا أصلًا من الاكتئاب أو من مشاكل القلق النفسية، وإنما سيكون من الأنسب مراجعة أخصائي علم النفس لإيجاد حلول لهذه المشاكل.
ومن المثير للاهتمام أن اليابانيين قد كانوا من بين الأوائل الذين حاولوا الاستفادة من البكاء والفوائد الكثيرة المرتبطة به، ولقد أصبح بالإمكان إيجاد نوادٍ خاصة بالبكاء في بعض المدن اليابانية، وعادةً ما تهدف هذه النوادي إلى جمع الناس في مجموعات لحثهم على البكاء لتفريغ طاقتهم العاطفية، ولقد عبر الكثير من الخبراء عن دعمهم لهذه الفكرة على الرغم من غرابتها، ويرجع سبب ذلك إلى أن البكاء في مجموعات سيساهم في جعل البكاء أمرًا طبيعيًا وغير مثيرٍ للحرج، وهذا سيمنح الشخص متسعًا لإفراغ عواطفه[٨].
المراجع
- ↑ Natasha Mann (17-8-2011), "The health benefits of crying"، Net Doctor, Retrieved 15-1-2020. Edited.
- ^ أ ب Timothy J. Legg, Ph.D., CRNP (7-10-2017), "Eight benefits of crying: Why it's good to shed a few tears"، Medical News Today, Retrieved 15-1-2020. Edited.
- ↑ "Why You Should Cry - 5 Reasons to Let It All Out", Penn Medicine, Retrieved 15-1-2020. Edited.
- ↑ Timothy J. Legg, PhD, CRNP (14-4-2017), "9 Ways Crying May Benefit Your Health"، Healthline, Retrieved 15-1-2020. Edited.
- ↑ Naveed Saleh M.D., M.S (23-8-2015), "The Effects of Crying"، Psychology Today, Retrieved 15-1-2020. Edited.
- ↑ Arlin Cuncic (9-8-2019), "An Overview of Uncontrollable Crying"، Very Well Mind, Retrieved 15-1-2020. Edited.
- ↑ Pat F. Bass III, MD, MPH (14-7-2010), "Is Crying Healthy?"، Everyday Health, Retrieved 15-1-2020. Edited.
- ↑ Serusha Govender, "Is Crying Good for You?"، Webmd, Retrieved 15-1-2020. Edited.